وعززت قوات النظام السوري ومليشيات تساندها من وجودها في منطقة جبل شحشبو في ريف حماة الشمالي، استعداداً كما يبدو لجولة قتال جديدة، في تجاوز لاتفاق موسكو المبرم في الخامس من الشهر الفائت بين الروس والأتراك، والذي ثبّت وقفاً لإطلاق النار في شمال غربي سورية. وفي السياق، نقل موقع "زمان الوصل" المعارض، عن مصدر في فصائل المعارضة السورية، تأكيده أنّ قوات النظام أرسلت الأحد الماضي تعزيزات عسكرية جديدة ضخمة من "الفرقة الأولى" إلى المنطقة المذكورة.
وأوضح المصدر أنّ عدد الآليات العسكرية التي أرسلتها الفرقة بلغ أكثر من 100 آلية، بينها 32 عربة مجنزرة ما بين دبابات وعربات "BMB" وعربات "شيلكا"، إضافةً إلى سيارات من نوع "زيل"، و"آورال" و"بيك آب" ومدافع ميدانية ورشاشات متوسطة. ولفت المصدر إلى أنّ عدد العناصر والضباط ضمن الرتل قد بلغ أكثر من 400، بينهم ضباط رفيعو المستوى في الفرقة الأولى، مشيراً إلى أنّ هناك تنسيقاً بين الأخيرة وبين "الفرقة 25 مهام خاصة" بقيادة العميد سهيل الحسن، ومليشيا "الغيث"، و"الحرس الثوري الإيراني"، و"حزب الله" اللبناني، تحت غرفة عمليات يُديرها ضباط روس.
ولفت المصدر نفسه إلى أنّ التعزيزات التي وصلت إلى جبل شحشبو جُلها من مدينة "معرة النعمان" جنوب إدلب، ومن بلدة جرجناز ومدينة "سراقب" شرق إدلب، وذلك بالتزامن مع تعزيز جبهة مدينة سراقب، والخط الشرقي لإدلب والغربي لحلب، بمليشيات من "الحرس الثوري الإيراني" و"حزب الله" و"حركة النجباء" العراقية وعدد كبير من "الحرس الجمهوري". وكانت قوات النظام السوري قد سيطرت أواخر فبراير/ شباط الفائت على معظم قرى منطقة شحشبو، فحاصرت النقطة التركية الموجودة في منطقة شير مغار.
من جهتها، ذكرت مصادر في فصائل المعارضة السورية لـ"العربي الجديد" أنّ قوات النظام غالباً تستعدّ لبدء معركة جديدة للسيطرة على منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، انطلاقاً من منطقة جبل شحشبو. وأشارت إلى أنّ هذه القوات تريد السيطرة على بلدات: احسم والبارة وكنصفرة والعنكاوي وكفر عويد وسفوهن، وذلك من أجل السيطرة على الطريق الدولي "أم 4" الذي يربط الشمال السوري بالساحل في غربي البلاد.
وفي الإطار ذاته، أكدت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أنّ تعزيزات عسكرية لقوات النظام والمليشيات الإيرانية وصلت، مساء أول من أمس الاثنين، إلى محور سراقب شرق إدلب، كما وصلت تعزيزات إلى محور كفرنبل في ريفها الجنوبي، موضحةً أن التعزيزات جاءت من ريف حمص الشرقي وريف دير الزور.
وكان الطيران الحربي الروسي قد حلّق، الإثنين، للمرة الأولى منذ وقف إطلاق النار، فوق العديد من المناطق في ريفَي إدلب الشرقي والشمالي، منها بلدات سرمين وقميناس وتفتناز والفوعة وبنش، من دون تنفيذ غارات، في مؤشر واضح على أنّ الشمال الغربي من سورية ربما يشهد تجدّد العمليات العسكرية. وتزامن ذلك مع قصف قوات النظام بالمدفعية الثقيلة مناطق في بلدات سفوهن والفطيرة وكفرعويد بريف إدلب الجنوبي الشرقي، ليل الاثنين، متسببةً بأضرار مادية في ممتلكات المدنيين، بحسب ما ذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد".
وفي حديث مع "العربي الجديد"، توقّع القيادي في فصائل المعارضة السورية، العقيد مصطفى البكور، كذلك تجدّد العمليات العسكرية من قبل قوات النظام والمليشيات الإيرانية، مشيراً إلى أنّ النظام والروس والإيرانيين لم يتوقفوا عن الحشد العسكري منذ سريان اتفاق وقف إطلاق النار منذ أكثر من شهر. وأضاف البكور: "النظام وداعموه لا يلتزمون بأي اتفاق أو عهد، وبالتالي المواجهة آتية". وعن أبعاد هذه العملية العسكرية في حال حدوثها، رجح البكور أن تحاول قوات النظام السيطرة على المناطق التي تقع تحت سيطرة فصائل المعارضة جنوب الطريق الدولي "أم 4".
ولا تزال فصائل المعارضة تسيطر على عشرات البلدات والقرى جنوب الطريق الدولي "أم 4"، أبرزها 33 قرية في منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، إضافة إلى الزيّارة والدقماق والزقوم وقسطون والعنكاوي والمسطومة ومحمبل. كما تسيطر فصائل المعارضة جنوب الطريق على واحدة من أهم مدن محافظة إدلب وهي مدينة أريحا، التي لطالما سعت قوات النظام للسيطرة عليها نظراً لأهميتها الجغرافية.
وفي مقابل حشود قوات النظام السوري، يواصل الجيش التركي تعزيز مواقعه في محافظة إدلب، تحسباً لقيام قوات الأسد بتجاوز اتفاق موسكو مع الجانب الروسي. وذكر "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أنّ رتلاً جديداً تابعاً للقوات التركية دخل أمس الثلاثاء الأراضي السورية، يتضمن شاحنات تحمل كتلاً إسمنتية ومعدات لوجستية، مشيراً إلى أنّ عدد الآليات التركية التي دخلت الأراضي السورية منذ بدء وقف إطلاق النار الجديد بلغ 2340 آلية، بالإضافة إلى آلاف الجنود.
كذلك أشار المرصد إلى أنّ عدد الشاحنات والآليات العسكرية التركية التي وصلت إلى منطقة "خفض التصعيد" في إدلب ومحيطها، خلال الفترة الممتدة من الثاني من فبراير الماضي إلى الآن، ارتفع إلى أكثر من 5745 شاحنة وآلية عسكرية، وهي تحمل دبابات وناقلات جند ومدرعات وكبائن حراسة متنقلة مضادة للرصاص ورادارات عسكرية. فيما بلغ عدد الجنود الأتراك الذين انتشروا في ريفي إدلب وحلب خلال تلك الفترة أكثر من 10250 جندياً، وفق المرصد.
وكانت قد تناقلت وسائل إعلام، يوم الجمعة، ما نشره "معهد دراسات الحرب" المقرب من وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، عن الوجود العسكري التركي في محافظة إدلب، إذ أشار إلى أنّ أكثر من 20 ألف جندي من القوات التركية انتشروا في منطقة إدلب خلال الفترة الممتدة من 1 فبراير وحتى 31 مارس الماضيين. وأضاف المعهد في تقريره أنّ المقاتلين هم من القوات الخاصة التركية ذات الخبرة، إلى جانب الوحدات المدرعة والمشاة المعروفة باسم "الكوماندوس"، والتي شاركت في العمليات السابقة في منطقة عفرين بريف حلب الشمالي. وأشار إلى أنّ تركيا تواصل تعزيز قواتها في منطقة خفض التصعيد الرابعة، ويمكن أن تستأنف معركتها التي كانت أطلقت عليها تسمية "درع الربيع" ضدّ النظام السوري. وفي هذا الصدد، رأى العقيد البكور أنه "سيكون هنالك دور كبير للجانب التركي إذا حصل أي هجوم جديد من قبل قوات النظام والمليشيات الإيرانية على مناطق الشمال الغربي من سورية".
في غضون ذلك، أنشأ الجيش التركي الأحد ثلاث نقاط عسكرية جديدة في منطقة جسر الشغور، غربي إدلب، اثنتان بين الزعينية وبكسريا، والثالثة قرب قرية فريكة، وفق مصادر محلية، أوضحت أنّ عدد النقاط العسكرية في محافظة إدلب ومحيطها ارتفع إلى 55 نقطة.
وكان اتفاق الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، الموقّع في 5 مارس الماضي، قد نصّ على وقف لإطلاق النار في محافظة إدلب، بالإضافة إلى إنشاء ممر آمن على طول الطريق الدولي حلب-اللاذقية "أم 4"، بعمق 6 كيلومترات من الجنوب ومثلها من الشمال، على أن يُتَّفَق على معايير محددة لإنشاء الممر بين وزارتي الدفاع التركية والروسية. أمّا البند الثالث، الذي يتمحور كذلك حول الطريق الدولي "أم 4"، فأشار إلى بدء تسيير دوريات مشتركة بين موسكو وأنقرة على الطريق الدولي من بلدة الترنبة (غربي سراقب)، وصولاً إلى بلدة عين الحور (آخر نقطة في إدلب من الغرب على تخوم ريف اللاذقية)، مع حلول يوم 15 مارس الفائت.
ومن الواضح أنّ اتفاق موسكو، كاتفاق "سوتشي"، في طريقه إلى الانهيار الكامل. وما خلا وقف إطلاق النار، لم يستطع الجانبان تسيير دوريات مشتركة على طريق "أم 4" تمهيداً لاستعادة الحركة عليه كما نصّ الاتفاق، ما يفتح الباب واسعاً أمام ما يمكن أن يقوّض الاتفاق، وخصوصاً من قبل الجانب الروسي الساعي إلى السيطرة على الطريق "أم 4" سواء عبر اتفاق موسكو أو بالقوة العسكرية، إذ تشير الحشود الكبيرة من قبل قوات النظام والمليشيات الإيرانية في ريف إدلب الجنوبي إلى ذلك.