بعد مضي أقل من 24 ساعة على إعلان "فريق إدارة الأزمة" في جنوب سورية "النفير العام"، وانسحابه من المفاوضات مع الضباط الروس، صباح الإثنين الماضي، ورفضه لما قال إنها "شروط مهينة" كان الروس قد طرحوها في المفاوضات، بدأت، أمس الثلاثاء، جولة مفاوضات جديدة بين قياديين من الجيش السوري الحر وضباط روس، في مدينة بصرى الشام، التي باتت تحت سيطرة النظام والقوات الروسية، غداة توقيع قائد "شباب السنة"، المدعوم إماراتياً، أحمد العودة، اتفاقاً منفرداً مع الجانب الروسي، سلّمَ بموجبه المدينة وسلاحه الثقيل. وتدور المفاوضات عملياً حول شروط فرض الوصاية الروسية على عاصمة الجنوب السوري، بما أن المطروح هو تسليم المناطق للروس، وإنشاء فيلق عسكري للمعارضة يعمل بإمرة روسية، تشير التسريبات إلى وجود صراعات بين قادة المسلحين السوريين على تزعمه.
ويبدو أن السبب الرئيسي للعودة إلى جولة ثالثة من المفاوضات هو الضغوط الدولية التي مورست على الفصائل العسكرية، بالتزامن مع التصعيد العسكري من قبل الروس والنظام، إضافة إلى استخدام العامل الإنساني بممارسة الضغط من خلال إغلاق الحدود مع الأردن أمام اللاجئين، إلا أن مصادر قيادية في الجيش السوري الحر أكدت، لـ"العربي الجديد"، أن مفاوضي المعارضة خلال الجولة الحالية لن يفاوضوا على تسليم السلاح، مع إمكانية التفاوض على معبر نصيب فقط وضمان أمن المدنيين، وفي حال عدم موافقة الروس، فإن حسم الأمور سيتم عبر المعارك. وأكد الجيش الأردني، أمس الثلاثاء، إبقاء الحدود مع سورية مغلقة. وقال قائد المنطقة العسكرية الشمالية في القوات المسلحة الأردنية، العميد خالد المساعيد، لوكالة "فرانس برس"، إن "عدد النازحين السوريين قرب الشريط الحدودي بين سورية والمملكة بلغ نحو 95 ألفاً، فروا نتيجة العمليات العسكرية الأخيرة للجيش السوري في الجنوب السوري"، لكنه أضاف "الحدود مغلقة، والجيش يتعامل بحذر شديد مع النازحين قرب الحدود متحسباً لبعض المندسين، لأن هناك بعض العناصر التي يمكن أن تستغل هذا الظرف لمحاولة تنفيذ أجندة خاصة".
وتبدو مهمة اللجنة المكلفة بالتفاوض في غاية الصعوبة في ظل التوافق الدولي، خصوصاً الروسي والأميركي، على تسليم المنطقة الجنوبية للنظام، فيما تفضل إسرائيل وجود النظام في المنطقة على وجود أي فصيل معارض قد يسبب لها إرباكات في المستقبل. كما يبدو أن الأردن، الذي يزور وزير خارجيته أيمن الصفدي، موسكو للتفاهم على الوضع في المنطقة الجنوبية، يفضل وجود النظام على حدوده الشمالية، خصوصاً لناحية إدارة معبر نصيب الذي يؤمن دخلاً اقتصادياً للمملكة، الأمر الذي يشي بأن فشل المفاوضات سيؤدي إلى تصعيد عسكري عنيف من قبل الروس، الذين يبدون مصرين على انتزاع المنطقة بعد التفاهم مع أميركا وإسرائيل. كما أنه من المرجح أن تزيد موسكو من تصعيدها مع انتهاء كأس العالم لكرة القدم باستخدام سياسة الأرض المحروقة للاستيلاء على المنطقة. وفي هذا الوقت، فإن فصائل المعارضة تفاوض وهي مثقلة بعبء مئات آلاف النازحين الذين يهيمون على الحدود الأردنية المغلقة بوجوههم، الأمر الذي يجعل من مهمة الفريق المفاوض تحسين شروط التفاوض بما يضمن الحد الأدنى من أمن المدنيين.
إلا أن عضو المجلس العسكري في الجيش السوري الحر، أيمن العاسمي، أكد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الفصائل العسكرية في الجبهة الجنوبية تتعرض لضغوط دولية عن طريق بعض القيادات للعودة إلى المفاوضات كل مرة بشروط استسلام. وأوضح أن الروس يقدمون في كل مرة نوعاً من التنازلات الصورية، مبيناً أن ما يجري الآن لا يسمى تفاوضاً، فغرفة عمليات المنطقة الجنوبية قبلت الذهاب هذه المرة للتفاوض على عدم تسليم السلاح بالمطلق، فيما سيكون موضوع معبر نصيب قابلاً للنقاش، لأن الثوار في المنطقة الجنوبية لم يعد لهم من ضمانة سوى السلاح بعد تخلي العالم عنهم. وأضاف العاسمي "لكن بعدما كان قرار المنطقة الجنوبية المواجهة، ورفض التفاوض بشروط هي عبارة عن استسلام، بدأ الروس يرون أن الأمر في المنطقة الجنوبية مختلف عن باقي المناطق، فلجأوا إلى كل وسائل الضغط"، معتبراً أن "إغلاق الحدود دليل على أنه يتم استخدام العامل الإنساني للتأثير على قرار المواجهة من عدمه لدى فصائل الجيش الحر". وتابع "نحن وقعنا في الجبهة الجنوبية بين مصالح إسرائيل ومصالح المحتل الروسي والإيراني، بالترافق مع سكوت عربي مذل ومقزز". واعتبر العاسمي أن "هذا النوع من المفاوضات لن ينتج عنه إلا عودة المعارك"، مؤكداً أن "التفاوض لن يكون إلا بحدود ما يحفظ للناس أمنها وكرامتها ومنع النظام والمليشيات من الانتقام".
في هذا الوقت، تواصلت، أمس الثلاثاء، الاشتباكات بين مقاتلي غرفة "العمليات المركزية في الجنوب" من جهة، وقوات النظام والمليشيات المُساندة لها من جهة أخرى، قبل أن تخف حدة الاشتباكات مع بدء المفاوضات. ودارت اشتباكات عنيفة في محيط بلدة طفس، مع محاولة قوات النظام التقدم نحو البلدة، بحسب مصادر ميدانية في درعا، أكدت أن قوات النظام جددت محاولات تقدمها باتجاه بلدة طفس، شمال غرب درعا البلد، وذلك بعد يوم شهد اشتباكات عنيفة في محيط البلدة، قالت غرفة "العمليات المركزية في الجنوب" إنها كبدت خلالها القوات المهاجمة خسائر مادية وبشرية. وفيما غاب الطيران الحربي عن أجواء محافظة درعا، فإن انفجاراً عنيفاً هَزَّ ثكنة عسكرية تابعة لقوات النظام شمال المحافظة، سمع دويه بريف المحافظة الشمالي. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الانفجار وقع في "محيط منطقة المحجة الخاضعة لسيطرة قوات النظام، في القطاع الشمالي من ريف درعا، والقريبة من منطقة اللجاة. ولم ترد معلومات حتى الآن عما إذا كان الانفجار ناجماً عن استهداف لمستودعات أسلحة في المنطقة، أم نتيجة انفجار عرضي ناجم عن خلل فني، حيث شوهدت أعمدة دخان تتصاعد في سماء المنطقة".