وقالت المصادر، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الجمعيات تلقت تهديدات بالتضييق على عملها الخيري والتلويح بغلقها، من قبل مسؤولي وزارة التضامن، والأجهزة الشرطية محل اختصاصها، في حالة عدم الالتزام بتوفير هذا العدد من الناخبين، وهو الأمر الذي يستهدف حشد نحو 4 ملايين ونصف المليون من أصحاب العوز والحاجة، لوجود ما يزيد عن 45 ألف جمعية على مستوى الجمهورية.
واضطر المسؤولون عن الجمعيات في المحافظات المختلفة إلى إخطار الأسر التي يتكفلون بإعالتها بمبالغ محددة شهرياً بضرورة الحضور باكراً أمام مقراتها في يوم الانتخاب الأول، وبحوزة كل فرد منهم بطاقة "رقم قومي" سارية، بعد الاتفاق مع مكاتب النقل والسياحة على استئجار "أتوبيسين" لنقل هؤلاء المواطنين البسطاء إلى مقار انتخابهم.
في موازاة ذلك، كشفت مصادر إعلامية، في حديث خاص، أن النظام يستهدف حشد هؤلاء الناخبين الفقراء، بالإضافة إلى قرابة خمسة ملايين ناخب من العاملين في الجهاز الإداري للدولة، في الساعات الأولى من أول أيام التصويت، لأخذ أكبر عدد من الصور و"الفيديوهات" التي تظهر طوابير الناخبين، باعتبار أن هذه الانتخابات هي الأكثر مشاركة من سابقاتها، على خلاف الحقيقة. وأضافت المصادر أن "أعضاء مجلس النواب، وأصحاب المصانع والمتاجر والشركات الخاصة من الموالين للسيسي، سيعملون على حشد المواطنين في اليوم الأول، من خلال توفير (باصات) لنقل العاملين إلى اللجان الانتخابية، مع إحداث حالة من الصخب، والشعبية الزائفة، بترديد الأغاني على أبواب اللجان اعتماداً على موالاة هيئة الانتخابات، وغض الطرف المتوقع عن التجاوزات الدعائية".
وأفادت المصادر بأن "وسائل الإعلام الموالية للنظام ستسعى جاهدة للترويج لمشاركة نحو 20 مليوناً من المصريين في اليوم الأول للتصويت، بإيعاز من الأجهزة الاستخباراتية التي تديرها من وراء ستار، تمهيداً لإعلان هيئة الانتخابات نسبة مشاركة أعلى من انتخابات الولاية الأولى للسيسي في العام 2014، والتي قيل حينها إن أكثر من 25 مليون مصري أدلوا بأصواتهم فيها".
كذلك أشارت المصادر إلى أن الترويج لهذه الأرقام في نهاية اليوم الأول أمر ضروري، تحسباً لضعف إقبال الناخبين المتوقع في ثاني وثالث أيام التصويت، على غرار ما حدث خلال أيام تصويت المصريين في الخارج، إذ جرى حشد الموالين في طوابير في الساعات الأولى مع ضعف إقبال واضح لاحقاً، في حين عمد إعلام النظام إلى نشر الصور ذاتها المأخوذة من اليوم الأول.
واختتمت المصادر حديثها قائلة إن "وكلاء الوزارات، ومديري العموم في الأجهزة الحكومية، نبهوا الموظفين بضرورة المشاركة في الانتخابات الرئاسية، وإظهار الحبر الفوسفوري على أصابعهم أمام رؤسائهم المباشرين، مع التحذير بأنه في حالة عدم ذهاب الموظف للتصويت على مدار الأيام الثلاثة، سيتم حسم يوم عمل منه، وذلك دون سند من القانون أو لوائح العمل المنظمة".
ويدفع النظام المصري الحالي برئاسة عبد الفتاح السيسي، بقوة، من أجل عملية الحشد في الانتخابات الرئاسية، لكن هذه المرة ليس فقط من خلال دعوات المشاركة والنزول خلال أيام الاقتراع. وعلى الرغم من حملات الترويج والدعاية للسيسي خلال الفترة الحالية، إلا أن ثمة تخوفات من عدم تأثيرها على المواطنين بشكل كبير، ما يدفعهم لعدم التصويت في الانتخابات الرئاسية. وعلمت "العربي الجديد" من مصادر متطابقة، بوجود تعليمات من جهات سيادية وأمنية في الدولة، لكل الوزارات والمؤسسات الحكومية والجهاز الإداري للدولة، بضرورة حشد الموظفين للمشاركة في الانتخابات.
وقالت المصادر إن هذه التعليمات نقلها كبار المسؤولين في تلك المؤسسات والوزارات للموظفين خلال الأيام القليلة الماضية، من أجل ضمان أكبر حشد ممكن للسيسي في الانتخابات الرئاسية. وأضافت أن أهم شيء في هذه التعليمات هي المشاركة بصفة أساسية، مع الإشارة إلى التصويت للسيسي بالتأكيد، باعتبار أن منافسه موسى مصطفى موسى ليس أهلاً لقيادة البلاد.
وتابعت أن هذه التعليمات لم تكن مكتوبة، وإنما جاءت شفهية لكل مديري العموم، مع التأكيد على ضرورة التحدث إلى الموظفين والعمال فور تلقي هذه التعليمات، حتى تكون هناك فرصة كبيرة لإقناع كل الموظفين والتأكد من نزولهم.
وكانت تعليمات مماثلة خرجت من جهات عليا في الدولة لكل مؤسسات الدولة والوزارات، بضرورة نزول الموظفين لإجراء توكيلات تأييد للسيسي في مكاتب الشهر العقاري، لتجميع أكبر عدد ممكن من التوكيلات.
وثارت ضجة كبيرة فور كشف هذه المحاولات من خلال تصوير بعض التعليمات المكتوبة التي علقها بعض المسؤولين في محافظات عدة على جدران المصالح الحكومية، وتحديداً في الإدارات التعليمية.
وأكدت المصادر نفسها أن ضغوطاً شديدة مورست على الموظفين في هذا الاتجاه خلال الأيام القليلة الماضية، وتتزايد كلما اقترب موعد التصويت الأسبوع المقبل.
ولفتت المصادر إلى أن بعض الموظفين في إحدى الوزارات المهمة رفضوا هذه التعليمات باعتبارها تتعارض مع رغبة كل مواطن وحريته، فيما لم يتحدث عدد من الموظفين عن ذلك خوفاً من أزمة مع مديريهم. وأشارت إلى أن هناك حالة قلق انتابت المسؤولين، خوفاً من تهرب الموظفين والعمال من التصويت خلال أيام الاقتراع الثلاثة، وسط تشديدات على ضرورة النزول بقوة.
وفي وقت سابق، كشفت "العربي الجديد" عن تجميع أجهزة أمنية وسماسرة انتخابات لبطاقات الرقم القومي من الناخبين في بعض الأحياء الشعبية في القاهرة الكبرى وبعض المحافظات، لإجبارهم على المشاركة والتصويت في الانتخابات.
ودعا السيسي الشعب المصري إلى مشاركة واسعة في الانتخابات الرئاسية من خلال فيلم دعائي تحت اسم "شعب ورئيس 2018"، والذي أُذيع لأول مرة مساء الثلاثاء الماضي.
وكرر السيسي دعوته مرة أخرى للمشاركة القوية في الانتخابات، وبالأخص السيدات، خلال احتفالية عيد الأم وتكريم الأم المثالية.
وعلّق قيادي في الجبهة المدنية الديمقراطية على ما يجري قائلاً إن مسألة إجبار الموظفين على المشاركة في التصويت للسيسي، أمر متوقع وليس جديداً على الأنظمة الديكتاتورية.
وأضاف القيادي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، في تصريحات خاصة، أن ممارسات النظام الحالي من أجل إسكات كل الأصوات التي تعارض وجوده أو قررت مقاطعة الانتخابات، والقمع المتزايد، تدفعه للقيام بأي شيء لتحقيق ما يريده. وتابع أن محاولات الأجهزة الأمنية والإعلامية التابعة للنظام الحالي للحشد للسيسي لن تعكس وجود شعبية له، لأن كل الممارسات معروفة للمجتمع الدولي، وأيضا للمواطنين المصريين.
وأشار إلى أن الشعب أكثر وعياً ولن يشارك في هذه المسرحية الهزلية لتعرية السيسي تماماً دولياً، خلافاً لما يريد من إظهار وجود شعبية كبيرة له في الداخل، رغم الفشل في كل الملفات وعلى كل المستويات المعيشية والاقتصادية.
إلى ذلك، يكثّف الموالون للنظام الحالي، وتحديداً عبر تحالف "دعم مصر"، صاحب الأغلبية في مجلس النواب، من تنظيم المؤتمرات الدعائية في مختلف المحافظات خلال الأيام المقبلة، قبل فترة الصمت الانتخابي.