ميركل تحتوي معارضيها: توزيع مبكر للإرث السياسي

04 مارس 2018
اعتمدت ميركل المناصفة في توزيع الوزارات (ستيفاني لوس/فرانس برس)
+ الخط -
أقدمت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، مع إعلانها أسماء وزراء حزبها في الحكومة الائتلافية المرتقبة، على ما يمكن تسميته بالانتقال المنظّم للسلطة داخل الحزب المسيحي الديمقراطي، لتبرهن مرة أخرى ومع زعامتها للحزب على مدى 18 عاماً، أنها الشخص القادر على القبض على مكامن الخلل وامتصاص غضب معارضيها واستيائهم. وجاء المؤتمر الخاص للمندوبين الذي عقد مطلع الأسبوع الحالي بأقل خسائر ممكنة عليها بعد أن دأبت على خوض الكثير من النضالات، كما ومواجهتها للكثير من النقاشات حول مستقبلها وحزبها غير المريح، لتقوم بتوزيع المناصب على أقرب الموالين لها ولطموحاتها، واستيعابها لأبرز معارضيها في صفوف الحزب.


ويبدو واضحاً أنّ تحسّن وضعية ميركل داخل حزبها ترجم على أرض الواقع، بعدما لاقت ورقة التحالف مع الاشتراكي تأييداً واسعاً بين المندوبين البالغ عددهم 1000 شخص تقريباً، ولم يعارضها سوى 27 مندوباً. حتى أنّ الأمر وصل بالبعض للتساؤل عمّا إذا كان هناك من معارضين داخل المسيحي الديمقراطي أساساً، بعد أن كانت علت خلال الفترة الأخيرة داخل الحزب، بعض الأصوات المطالبة لميركل بالتفكير بالرحيل، ومجاهرتهم بأنّ ألمانيا لا تعيش في نظام ملكي. وكل هذه الأصوات جاءت بعد إعلان الاتفاق مع الاشتراكي وتنازلها ومفاوضي حزبها عن وزارات مهمة، منها المالية، للغريم التقليدي (الاشتراكي)، واعتُبرت أنها ساهمت في سياسة تعويم شريكها المستقبلي في الائتلاف، في وقت نظر الكثيرون إلى الاتفاق على أنه نجاح للأخير.

وفي هذا السياق، دافعت المستشارة الألمانية، وخلال مؤتمر المندوبين، وبكثير من الموضوعية، عن نسخة متجددة من "غروكو"، الذي حاربت من أجله بشدة، لتؤكد على أنه كان المطلوب تقديم تنازلات لقيام حكومة مستقرة تؤمن حاجات المواطنين، بحيث سيكون في المستقبل مزيد من الدعم للعديد من القطاعات الحيوية. علماً أنّ الأمر سيبقى مرهوناً بنتائج تصويت أعضاء الاشتراكي على المشاركة في حكومة ائتلافية مع الاتحاد المسيحي، وفي حال موافقة الأكثرية، فمن المتوقّع أن تبصر الحكومة النور خلال أسابيع قليلة.

ويعتبر خبراء في الشؤون الاستراتيجية الأوروبية، أنّ النتائج في المؤتمرات الحزبية عادة ما تعتبر مقياساً للدعم في الحزب، ودليل التأييد المستمر لميركل ما حصلت عليه الأمينة العامة الجديدة للحزب، رئيسة وزراء ولاية زارلاند، أنغريت كرامب كارنبور، والتي اقترحتها المستشارة للمنصب بعد استقالة الأمين العام السابق بيتر تاوبر أخيراً بداعي المرض، والتي نالت 99 في المائة من أصوات المندوبين.


كذلك، آثرت ميركل، التي شاركت بأكثر من 30 مؤتمراً لحزبها منذ العام 1990 وحقّقت الكثير لألمانيا وحزبها، منها تخطي البلاد لأزمة اليورو بتليين السياسة النقدية ومواجهتها أخيراً وحيدة أزمة فتح الحدود للاجئين، تعيين أحد أهم المعارضين لسياستها، ينز شبان، وزيراً للصحة، وعمدت إلى اعتماد المناصفة في توزيع الوزارات الست التي حصل عليها المسيحي الديمقراطي بين الرجال والنساء، ما اضطرها إلى التضحية بأسماء معروفة، مثل وزير الداخلية توماس دي ميزيير، فضلاً عن استعانتها بمسؤولين حزبيين من الشباب الواعد وأصحاب الخبرة والكفاءة.


وفي هذا السياق، يجزم متابعون بأنّ ميركل أصابت، ووجّهت رسالة للمطالبين بتجديد الحزب بتعيين وجوه مقربة منها وكفوءة ومرغوبة داخل المسيحي في الحكومة، من يوليا كلوكنر، التي سيتم تكليفها بوزارة الزراعة، إلى المحنّك بيتر ألتماير، رئيس ديوان المستشارية، الذي سيشغل وزارة الاقتصاد والطاقة، في حين أبقت على أورزولا فون ديرلاين في وزراة الدفاع، لتستعيد ثقة الجنود، فضلاً عن الخبيرة في العلوم المالية أنيا كارليتزيك، ومهمتها تطوير المدارس والجامعات ومعاهد الأبحاث.

ويعتبر العديد من الباحثين في العلوم السياسية أنّ ميركل، ومن خلال قراراتها، تحاول توزيع إرثها السياسي، إلّا أن ما كان لافتاً هو عدم استعانتها بأية شخصية من الولايات الشرقية للوزارة. ويضيف هؤلاء أن المستشارة تمكّنت وبلا أدنى شكّ، من سحب الزخم من القاعدة إلى القمة، أي من الجمعيات واتحاد الشباب، لأن المكلفين الجدد يتمتعون بحضور في ولاياتهم. كما استطاعت إرضاء المحافظين والنساء والشباب. أمّا بخصوص عدم وجود وزير من شرق البلاد، فيعتبر مراقبون أنها ربما اعتبرت نفسها كمستشارة تمثل تلك الولايات.

هذا الأمر عارضه آخرون، وطالبوا ميركل بأن تمعن النظر بحال الولايات الشرقية، وكيف تمكّن اليمين الشعبوي من تعبئة الجمهور ضد الأحزاب التقليدية. وبالتالي كان عليها مصالحة الناس فيها، لأن الأمر أولاً يتعلّق بالمبدأ والرمزية، ولأنّ التكامل مع تلك الولايات يجب أن يكون بالأهمية ذاتها مع الولايات الغربية، خصوصاً من موقعها كمستشارة لها سلطة إصدار المبادئ التوجيهية ووضع الخطوط العريضة لعمل الحكومة، فهناك أزمة تمثيل واقعية ولا يمكن اعتبار أنها تمثلهم. والآن كل الأنظار ستكون نحو الحزب الاشتراكي الذي عليه أن يتحمّل عبء التمثيل الحكومي الرمزي للشرق، حيث يعاني من أزمة حضور وجمهور.


في المحصلة، يمكن التأكيد على أنّ مسؤولية المستشارة ميركل ووضعها خلال ولايتها الرابعة، والمفترض أن تكون الأخيرة، ليست سهلة، وعليها التحلّي بالكثير من المرونة في الداخل لتأمين الاستقرار الحكومي في المستقبل. كما أنّ همّها سيتركّز ليس فقط على التضامن داخل حزبها، إنّما أيضاً مراعاة وضع الاشتراكي الذي يعاني من تراجع تأييده على مستوى البلاد، حيث يمني الحزب اليميني الشعبوي "البديل من أجل ألمانيا" النفس بقضم مزيد من مناصري الاشتراكي والمسيحي الديمقراطي بعد أن والاهم لسنوات. وبات "البديل" حالياً ينافس الاشتراكي على المركز الثاني بين الأحزاب الألمانية في استطلاعات الرأي، بعدما رفع أعرق الأحزاب الألمانية شعارات وحمل ملفات أوروبية وليس داخلية في مشروعه.

وعلى الصعيد الأوروبي، وفي حال حصول الائتلاف المتجدد، تنتظر ميركل وشريكها أيضاً الكثير من الملفات، بينها الإصلاح وتعزيز الاستثمارات بالتعاون مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، للحدّ من البطالة في القارة العجوز، إلى مواجهة دول شرق أوروبا ومجموعة "فيسغراد" الرافضة لاقتراح المستشارة بربط تعزيز المناطق الضعيفة هيكلياً داخل التكتل الأوروبي، بقبولهم استقبال اللاجئين، إلى دور برلين في ضخّ الأموال للصندوق الأوروبي لسدّ فجوة ميزانيته التي ستفوق العشرة مليارات يورو سنوياً، مع قرب خروج بريطانيا، رابع مموّل لخزينته بعد إيطاليا وفرنسا وألمانيا، من التكتل الأوروبي.