مع اقتراب القوات العراقية والبيشمركة الكردية من حدود مدينة الموصل، على مسافات متباينة من محاورها الأربعة، تصل الى نحو 21 كيلومتراً فقط من المدينة عبر المحور الشمالي الشرقي، بدأ تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذي أكمل نحو عامين ونصف العام على احتلاله المدينة، سلسلة إجراءات غير مسبوقة، استخبارياً وعسكرياً.
في غضون ذلك، تستمر جهود حركة التمرد الشعبية داخل الموصل على التنظيم، من خلال التركيز على محاولة إخراج أكبر قدر ممكن من الأهالي من المدينة، عبر تهريبهم من طرق زراعية وصحراوية مختلفة. في هذا السياق، كشفت مصادر محلية، داخل الموصل، عن أن "داعش" عزز دفاعاته حول المدينة من خلال حقول ألغام واسعة طوّق بها المدينة من جميع المحاور، إضافة إلى نشر عشرات القناصة وحفر خنادق ضيقة على الطريقة الأفغانية (حفر عميقة تكفي لشخص واحد فقط)، فضلاً عن تفجير الجسور التي من الممكن أن يستخدمها الجيش والبيشمركة لاقتحام المدينة وتدمير طرق مختلفة وتلغيمها. وداخل المدينة بدأ التنظيم عملية توزيع جديدة لقواته، عبر تغيير مقراتهم بالكامل، ونشر قوات بالداخل، ومنع تجمّع أكثر من خمسة عناصر في مكان واحد خشية القصف.
وتقابل الإجراءات العسكرية تلك، وفقاً للمصادر عينها، عمليات وصفتها بالاستخبارية، تتمثل باعتقال أي شخص يشك بعدم ولائه للتنظيم والتحقيق معه، إضافة إلى إخضاع مكاتب تزويد خدمة الإنترنت لإشراف "داعش". وفي وقتٍ أكدت فيه مصادر، من داخل الموصل، أن تهريب أكبر عدد ممكن من السكان هو هدف أساسي لرجال المدينة، خصوصاً المقاومة، إذ يرون أن وجود العائلات يعيق عمل المقاومة كما يعيق عملية تحرير المدينة.
في هذا الصدد، أشار الشيخ القبلي، حسن العكيلي، أحد سكان الموصل الموجودين خارج المدينة، وهو على اتصال بأفراد من قبيلته داخل المدينة، أن "بعض الرجال من أصحاب الخبرة الميدانية بأمور الجيش، حملوا على عاتقهم تطهير طرق من الألغام لتهريب العائلات من المدينة".
وأكد العكيلي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "العملية ليست سهلة، لكنها سهّلت وتُسهّل خروج العائلات"، مشيراً إلى أن "داعش يملك خبرة في تلغيم الطرق والمباني وكل شيء، لذلك من الصعب إيجاد منفذ غير ملغم، وهو ما أدى لمقتل عائلات في أثناء هروبها من عدد من مناطق سيطرة داعش".
ويوم الإثنين أكدت وسائل الإعلام العراقية، أن ثلاثة نازحين قُتلوا على إثر محاولتهم الهرب من قضاء الشرقاط، التابع لمحافظة صلاح الدين، شمالي البلاد. وسبب مقتل الأشخاص الثلاثة كان انفجار عدد من العبوات، زرعها "داعش" على الطريق المؤدي إلى مناطق صلاح الدين. وتُعتبر الشرقاط من الأقضية المهمة التي يحاول الجيش العراقي تحريرها من التنظيم، وتقع على مسافة 115 كيلومتراً، جنوب الموصل.
وبحسب مصادر من داخل القضاء نزحت في وقت سابق، نوّهت لـ"العربي الجديد"، إلى أن "عدداً قليلاً من عناصر داعش موجودون في القضاء، من دون تحديد عدد معين، لكنهم مسلحون ويحاولون فرض وجودهم على السكان".
من جهته، أوضح العقيد السابق في الجيش العراقي، فاضل اللهيبي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "القناصة والألغام هي خطة تنظيم داعش التي يعتمدها للحفاظ على وجوده داخل مناطق سيطرته، وضد السكان الذين يمنعهم من مغادرة تلك المناطق، لأنهم حصن مهم يتخذهم ضد هجمات القوات العراقية، وطيران التحالف الدولي". اللهيبي، الذي نجح في الهرب من الموصل قبل عام، لفت إلى أنه "على تواصل مع سكان الموصل، ويعرف جيداً ما يدور فيها".
وأشار اللهيبي إلى أن "داعش يعاني ضغوطاً كبيرة، داخلية وخارجية، متمثلاً بوجود مقاومة تشتد هجماتها يوماً بعد آخر، ثم الضغوط الخارجية المتجسدة بقوات مسلحة كبيرة تحيط بالمدينة، وتستعد لاقتحامها، ترافقها تغطية جوية خطيرة".
وأضاف أن "ذلك ما دعا قيادات داعش إلى اتخاذ تدبيرين مهمين. الأول تأمين طريقة انسحاب قياداته وعناصره المهمة إلى داخل الأراضي السورية، مع بدء الاقتحام في حال كسر خطوط الدفاع. والثاني تشديد الخناق على السكان ونشر القناصين على مشارف الأحياء السكنية، وزرع كمية هائلة من الألغام".
يشار إلى أن القوات العراقية تستعد لمعركة الموصل، التي تعتبر أهم معركة تخوضها ضد "داعش"، كون الموصل مركز التنظيم، وأكثر مدنه تحصيناً. وتشارك في المعركة قوات التحالف الدولي بقيادة القوات الأميركية عبر غطاء جوي، يواصل ضرب أهداف لـ"داعش" نجح من خلالها في قتل عدد من كبار قادة التنظيم.