ومع إقرار موازنة 2018، من قبل الرئيس محمود عباس، والتي قيل إنها تشتمل على دمج عشرين ألف موظف من موظفي حكومة "حماس" السابقة في غزة، إلا أنّ ذلك لم يعطِ للحركة الإسلامية مؤشراً على جدية المصالحة من قبل السلطة.
وتشير بعض المصادر إلى أنّ حكومة الوفاق الوطني أعدّت موازنتين، الأولى تتضمّن العشرين ألف موظف الذين سيجري دمجهم، والثانية مشابهة لموازنة سنوات الانقسام، وبحال تمّت المصالحة، على غير المتوقّع، فإنه سيجري استخدام الموازنة الأولى، لكن الراجح أنّ الحكومة ستعتمد الموازنة بدون غزة، في ظلّ مؤشرات التعثر المستمر للمصالحة.
وعرض الموازنة نفسه، أحدث حالة من تبادل الاتهامات بين نواب كتلة "حماس" البرلمانية وحكومة الوفاق، واتهم برلمانيو غزة الحكومة بالفساد لأنها لا تعرض الموازنة على المجلس التشريعي، لكن الحكومة تقول إنّ المجلس معطّل ولم يجرِ التوافق على عرض الموازنة عليه.
وتحدّث قبل أيام عضو المكتب السياسي لحماس خليل الحية، عن تقدّم في ملف الموظفين، ومثله أعلن مسؤول ملف المصالحة في فتح عزام الأحمد، لكنّ هذا التقدّم لم يرتبط بأي فعل على الأرض، ولم يعلن أي من الطرفين تفاصيله.
ولم تحقّق زيارة وفد حركة "حماس" للقاهرة أي جديد في الملف، كما أنّ السلطة الفلسطينية لا تزال تشترط تسلّمها القطاع كاملاً قبل أية حلحلة للأزمات فيه. وبين الموقفين، تتزايد معدلات الفقر والبطالة والعوز الذي بات يضرب نحو مليوني فلسطيني يعيشون في حصار مطبق منذ اثني عشر عاماً.
وأجلت حركة "فتح" إلى أجل غير مسمى، زيارة كان يفترض أنّ يقوم بها أعضاء في لجنتها المركزية، للقطاع، للقاء قيادة حركة "حماس"، من دون إبداء الأسباب، لكن التوتر الإعلامي بين الطرفين عاد ومعه عادت ملامح الاتهامات المتبادلة والتعثر لملف المصالحة والملفات المرتبطة به.
ولا تزال السلطة الفلسطينية متمسّكة بفرض العقوبات على القطاع، وهي التي أدت إلى خنق السكان وانهيار شبه تام في الجانبين الاقتصادي والمعيشي، في ظلّ اعتماد 70 ألف موظّف وأسرهم (ربع سكان القطاع) على رواتب السلطة الفلسطينية الشهرية المحولة لموظفيها.
ووسع الوفد الأمني المصري الموجود في قطاع غزة منذ ستة أيام دائرة لقاءاته، لتشمل أطيافاً أخرى وشخصيات وطنية وفصائلية ورجال إصلاح، في مسعى لإيجاد حلّ للأزمات التي طرأت على ملف المصالحة، لكن يبدو أنّ ذلك لم يحقق شيئاً حتى الآن.
وتتكتم مصر على فحوى حوارات وفدها الأمني في غزة، الذي التقى معظم الفصائل، من دون خروج بيانات من الوفد أو الفصائل التي التقت به. لكن كان لافتاً أنّ الوفد الأمني المصري في لقائه مع رجال الإصلاح والعشائر، طلب منهم إيجاد وسيلة للضغط على الطرفين، كما أنّه رفض تحميل أي طرف المسؤولية عن تعثّر المصالحة، رغم ما كان يُحكى عن رغبة مصر في إعلان الطرف المعطل للمصالحة.
وفي الشارع الغزّي، بات الإحباط سيّد الموقف، وتلاشت مع مؤشرات التعثّر المستمر للمصالحة، كل محاولات صناعة الأمل بغدٍ أفضل لمليوني فلسطيني، ومعه تتزايد المخاوف من شن إسرائيل عدواناً عسكرياً واسعاً على القطاع مع استمرار تحليق الطيران الاستطلاعي والحربي في أجواء وسماء غزة.
وباتت المفاضلة في غزة بين الموت في عدوان أو الموت جوعاً وقهراً، وكأن فارض الأمرين يحاول إيصال الفلسطينيين إلى أنّ السياسة إن تدخّلت في أقوات الناس، حوّلت حياتهم إلى "جحيم"، وكأنه كذلك يجري دفعهم إلى القبول والتسليم بما قد يأتي لاحقاً من تصفية للقضية الفلسطينية.
ويفهم الشعب الفلسطيني كذلك، أنّ المطلوب قبل تصفية القضية وطرح مبادرات تسوية جديدة، إلهاؤه بمشاغل الحياة اليومية القاسية، لكن ما لا يفهمه أن يكون الإلهاء والإشغال بيد الفلسطيني نفسه، بعيداً عن تمتين الجبهة الداخلية التي كان يُحكى عن العمل من أجل تقويتها كثيراً من دون فعل على أرض الواقع.
وبات الشارع الغزّي يطلب من حركة "حماس" المسيطر الفعلي على الأرض، الإقرار بأن لا مصالحة في الأفق، والعمل على إخراج القطاع من الأزمات التي يعيشها السكان، ومواجهة الأزمات المفروضة على مليوني فلسطيني بطرق مختلفة، إلى جانب المطالبة بإعلان موقف مما يجري على الأرض ومما كان يجري في القاهرة، في ظلّ تعتيم الحركة على الأمور كافة.
ورغم محاولات الكثير من الشباب الفلسطيني الخروج بتظاهرات للضغط على طرفي الانقسام للمضي في المصالحة وترتيب البيت الداخلي، إلا أنّ أجهزة الأمن في غزة عملت جاهدة في الفترة الأخيرة على منع أي تحرّك جماهيري يمكن أنّ ينقلب ضد حركة "حماس"، وسط ما تقول إنها مخاوف من أنّ يكون البعض مدفوعاً بأجندات خارجية.
وكانت بعض التحرّكات الجماهيرية في الشارع، حققت نوعاً من الضغط، لكن سرعان ما جرى تحويلها إلى قضايا هامشية، مع الضغط الأمني الذي أفشل كل محاولات تطويرها لتصبح حراكاً أوسع، ضد الانقسام ومع المصالحة والسعي لحل الأزمات التي يعيشها الناس.
ووسط كل هذا المشهد الضبابي، تغيب الفصائل الفلسطينية المؤثرة على الساحة من غير طرفي الانقسام الرئيسيين، وخصوصاً حركة "الجهاد الإسلامي"، و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" عن المشهد، وكأن ما يجري لا يعنيها، في ظلّ مؤشرات حقيقية على أنّ الحاضنة الشعبية للفصائل باتت تتآكل شيئاً فشيئاً ومعها بات الشارع الفلسطيني ينتظر الخلاص، وأي خلاص ينهي الأزمات المركبة التي باتت سيفاً مسلطاً على رقاب الفلسطينيين.