وطاول العدوان الإسرائيلي في اليومين الماضيين منازل ومؤسسات مدنية وأمنية ومواقع للمقاومة. وذهب الاحتلال الإسرائيلي مبكراً في عدوانه الأخير لقصف المنازل واستهداف المؤسسات الإعلامية والأمنية، في تصعيد لم يكن له شبيه في الاعتداءات الأخيرة التي اقتصرت على استهداف مواقع المقاومة ومراصدها على الحدود. ولعل الاحتلال الإسرائيلي أراد الضغط على المقاومة بهذه الأفعال لوقف ردها على العدوان، لكنها ردت عليه بتوسيع دائرة إطلاق الصواريخ، وإنّ لم توصلها إلى تل أبيب وعمقه الاستراتيجي. وقد طاولت صواريخها مدينة عسقلان المحتلة، موقعة عدداً من القتلى والجرحى. وخلال ساعات العدوان، الذي بدأ بتسلل قوة إسرائيلية خاصة شرقي خان يونس جنوب القطاع مساء الأحد الماضي، استشهد 14 فلسطينياً وأصيب نحو 30 آخرين، ودمر الاحتلال مقر قناة "الأقصى" التابعة إلى حركة "حماس" ومقراً أمنياً لجهاز الأمن الداخلي وثمانية منازل سكنية. ووفق مكتب الإعلام الحكومي في غزة، فإنّ إجمالي غارات قوات الاحتلال على قطاع غزة تعدت 150 غارة جوية، وتم قصف 80 مؤسسة، منها مبانٍ حكومية وبنايات سكنية ومقرات مدنية ومؤسسات إعلامية وأراضٍ زراعية ومواقع للمقاومة الفلسطينية. وسبق الهدوء النسبي، نشر فصائل المقاومة الفلسطينية عدة فيديوهات لعمليات إطلاق رشقات من الصواريخ على الأراضي المحتلة، وعملية تدمير باص يقل جنوداً إسرائيليين إلى الشرق من جباليا شمال القطاع، وعملية "كمين العلم" التي نُفذت في 17 فبراير/شباط الماضي وتبنتها رسمياً "ألوية الناصر صلاح الدين"، الذراع العسكرية للجان المقاومة الشعبية.
وخلال الاتصالات مع الوسطاء المصريين والأمميين للتوصل لتثبيت وقف إطلاق النار، أكدّ المتحدث باسم حركة "حماس"، حازم قاسم لـ"العربي الجديد"، أنّ الاحتلال ومستوطنيه لن يعيشوا في أمان بينما يتعرض المدنيون الفلسطينيون في قطاع غزة لكل هذا القتل والتدمير والحصار، مشدداً على أنّ المقاومة بشكل موحد تقوم بممارسة حقها في الرد على جرائم الاحتلال ولن تتنازل عن هذا الحق. وأوضح قاسم أنّ جرائم الاحتلال الإسرائيلي المتزايدة واستهدافه للمناطق المدينة دفع المقاومة لتوسيع مجال ردها، مؤكداً في الوقت ذاته أنه "في حال واصل الاحتلال هذه الجرائم ستقوم المقاومة بالرد عليه بما تراه مناسباً". وبالنسبة لقاسم فإنّ "الوسطاء الذين يرغبون في عودة الهدوء إلى قطاع غزة، فالعنوان واضح أمامهم، وعليهم أن يتحركوا باتجاه الطرف الذي بدأ العدوان وما زال يواصل جرائمه ضد القطاع، وعليهم أن يلجموا الاحتلال ويوقفوا جرائمه وألا يسمحوا للاحتلال باستغلال وساطتهم كغطاء للقيام بأعمال عدوانية كما حدث في خان يونس".
وقال الكاتب والمحلل السياسي، مصطفى الصواف، لـ"العربي الجديد"، إن الواقع الذي عايشه الميدان كان خطيراً للغاية، وكان مهيَّأً لإمكانية اندلاع معركة كبيرة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال، إلا أنّ الاحتلال وصلته مجموعة من الرسائل، سواء عملية ضرب الباص بالصاروخ الموجه شرق جباليا، أو الصواريخ التي استهدفت مستوطنات غلاف غزة. وأشار الصواف إلى أنّ المقاومة أوصلت رسائلها للاحتلال عبر قصف المناطق المحتلة في العام 1948، إلا أنها في الوقت ذاته أظهرت أنها "لا تريد معركة وحرباً"، فهي تعمل على الدفاع عن شعبها، وتُبقى الكرة في ملعب الاحتلال، إما بفهم هذه الرسائل أو المعاندة.
وما قامت به المقاومة الفلسطينية منذ مساء الإثنين الماضي فاجأ الجميع، بما في ذلك الشارع الفلسطيني. فرغم حديثها المتكرر عن تطور في إمكانياتها، إلا أن قدرتها الصاروخية تميزت هذه المرة بدقة الإصابة وإيقاع الضرر في صفوف المستوطنين الإسرائيليين، وفق الصواف. وأوضح أنّ الاحتلال بات يدرك أن المواجهة العسكرية مع المقاومة بغزة ليست نزهة، مع هذا التطور الحاصل في قدراتها، لافتاً إلى أنّ الاحتلال يعيش حالة من الانقسام داخل أوساط الحكومة الإسرائيلية، وهم يعتقدون أنه حتى بعملية عسكرية واسعة في القطاع فالأمور ستعود بعدها لذات الوضعية، ونجاح المقاومة في إفشال عملية التسلل في خان يونس جنوبي القطاع وما تبعها يعزز فشل الاحتلال. وبشأن الوساطات لاحتواء الأمور، أوضح الصواف أنها لم تنقطع، إلا أن الشيء الأهم حالياً هو مدى التزام الاحتلال، خصوصاً وأنه من بادر بخرق التفاهمات عبر عملية التسلل التي أدت لاستشهاد 7 مقاومين فلسطينيين الأحد الماضي. وعن إمكانية تدهور التفاهمات بخصوص التهدئة وعودتها لنقطة الصفر، والتي كان يجريها وسطاء مصر وقطر والأمم المتحدة وبدت في مهب الريح مع التصعيد الأخير، فإن الصواف استبعد حدوث ذلك، موضحاً أنّ الوسطاء يستمرون في العمل، إلا أن مهمتهم الأكبر اليوم تبقى في ضرورة احتواء ولجم الاحتلال ووضع ضوابط تضمن التزامه مستقبلاً بالتهدئة وعدم خرقها.