16 سبتمبر 2024
ليبيا في الأمم المتحدة
أبو القاسم علي الربو
"إذا لم يتم تشريع القانون قريبا، فإننا لن نستمر في هذا النهج، إذ ثمّة سبلٌ أخرى لتحقيق التغيير السياسي، وسوف نتبناها من دون تردّد، وبكل حماس بالتأكيد".. أثارت هذه الجملة التي أوردها الممثل الخاص للأمين العام إلى ليبيا، غسّان سلامة، في إحاطته أمام مجلس الأمن، في 5 سبتمبر/ أيلول الجاري، تساؤلاتٍ كثيرة بشأن ما يرمي إليه سلامة، وعن ماهية السبل الأخرى التي يمكن تبنّيها، ويمكن أن تؤتي أكلها في تغيير سياسي، يرفضه القابعون في مجلس النواب، والذين يأتمرون بأوامر الحاكم العسكري بالرجمة ولا يقبله المتمترسون خلف أبواب أبي ستة في طرابلس.
جاءت هذه الإحاطة في وقت شهدت فيه العاصمة الليبية طرابلس، والتي كانت، إلى وقت غير بعيد، تشهد تحسّنا ملحوظا من الناحية الأمنية مقارنةً بباقي المناطق الليبية، قتالا عنيفا وُصف بأنه الأشرس والأعنف منذ عام 2014. إذ اندلعت فجأة مواجهاتٌ عنيفةٌ على محاور عدة بالقرب من العاصمة طرابلس، أدّت، في ما أدّت إليه، إلى مقتل أكثر من 60 شخصا وتشريد وفقدان ونزوح الآلاف. هذه الحرب التي لا يعرف أحد أسبابها أو دوافعها أو الجهات المموّلة لها، بدأت فجأة في أكثر من محور، ففي جنوب العاصمة، وبالتحديد في منطقة أبو سليم، استطاعت قوات ما يعرف باللواء السابع السيطرة على جزءٍ كبير ومهم من هذه الأحياء، بعد تراجع كتيبة الأمن المركزي تحت وطأة القصف المستمر بالأسلحة الثقيلة والصواريخ، كما أن الوضع في شرق العاصمة وغربها لم يختلف كثيرا، حيث أفضى إلى سيطرة شبه تامة لقوات
اللواء السابع، والقوات المساندة لها، أمام انسحابٍ كبيرٍ لقوات ما تعرف بكتيبة ثوار طرابلس. وقد حاول مجلس رئاسة حكومة الوفاق، بعد أن أعلن حالة الطوارئ، أن يخفّف، ولو مؤقتا، من حدّة هذه الاشتباكات، خصوصا أن اقترابها من وسط العاصمة قد يؤدي إلى كارثة إنسانية، إذا ما أضيفت إليها حالات الفرار التي شهدتها سجون مختلفة داخل العاصمة، ولعل أهمها فرار 400 سجين من سجن الرويمي. وأغلب حالات الفرار سجلت لمحكومين بالإعدام أو السجن المؤبد، وهم في غالبيتهم مجرمون تم القبض عليهم في أوقات مختلفة، لارتكابهم جرائم قتل وخطف. وقد تزامن إعلان حالة الطوارئ مع صدور قراراتٍ عديدة، حاول المجلس الرئاسي، من خلالها، تكليف أجسام ومسمّيات عسكرية ومدنية عديدة، للفصل بين هذه القوات، وفرض إعلانٍ لوقف إطلاق النار بينها، وبقدر ما فشلت هذه الأجسام في إيقاف النزيف، فإنها أثبتث مدى التخبط الذي يعانيه المجلس في طرابلس.
ساد الوضع في الشرق الليبي صمتٌ غريبٌ خيم على مجلس النواب الذي أجل جلسته المقرّرة لمناقشة الاستفتاء على الدستور، مبرّرا ذلك بعدم استطاعة نواب المنطقة الغربية الحضور، نظرا لتوقف الرحلات الجوية من مطار معيتيقة وإليه، نتيجة الاشتباكات الحاصلة بالقرب منه، على الرغم من أن الليبيين لا يعوّلون على هذا المجلس، ويتفقون تماما مع وصف غسّان سلامة لهم بقوله إن كثيرين من أعضاء مجلس النواب يخفقون في القيام بعملهم على النحو الواجب، ويسعون إلى تخريب العملية السياسية لتحقيق مآرب شخصية، خلف ستار الإجراءات، مضيفا إن النواب ليس لديهم النية في ترك مناصبهم، وقد وضعوا أحكاما قانونية تضمن بقاءهم في السلطة إلى الأبد. أما الحاكم الفعلي في المنطقة الشرقية، خليفة حفتر، فلم يكتف بالصمت، بل استغل انشغال الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي بما يحصل في العاصمة، واستهدف مدينة درنة بغارات جوية راح ضحيتها مدنيون أبرياء، وهو الوضع الذي تطرّق إليه مبعوث الأمين العام قائلا إن مدينة درنة في الشرق الليبي تشهد اشتباكات متفرقة، وقصف جوي، وتعمل الأمم المتحدة على تسيير وتقديم المساعدات الإنسانية للأهالي المتضرّرين.
وبقراءة تحليلية لإحاطة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، يلاحظ أن الغموض هو الصفة الغالبة التي يردّدها الجميع في الداخل والخارج، ولم يعط في إحاطته أي تفسيرات واضحة، ولم يسم أو يتهم جهات أو مكونات بعينها في التسبّب في هذه الحرب التي دفع ثمنها الباهظ المدنيون، بل وأدّت إلى تهجير ونزوح. وقد انتظر الليبيون هذه الجلسة، لعلها تبدّد الاستغراب والغموض الذي يعيشه الليبيون، وخصوصا ذلك المتعلق بالصمت المريب من الدول الغربية والأمم المتحدة، والذي ليس هناك شك في علمهما بخفايا هذه التحرّكات منذ بدايتها، ففي عالم اليوم لا شيء يحدث على المستوى العسكري، أو المدني، من دون علم الأقمار الصناعية، والتصوير الدقيق بالطائرات، سواء كانت بطيار أو بدونه، والتي يدرك الليبيون تماما إنها
تغطّي أجواءهم من دون حسيب أو رقيب، مستغلة عجز الحكومات الليبية المختلفة، والتي عبر عنها النائب في المجلس الرئاسي، أحمد معيتيق، عندما صرّح أن المجلس الرئاسي والحكومة الليبية لا يعرفان هوية الطائرة التي قصفت مدينة ترهونة في بداية هذه الأحداث، معزيا ذلك إلى قلة الإمكانات.
لم يثن هذا الصمت المريب الأمم المتحدة عن إشارتها إلى أن صبرها بدأ ينفد أمام الوضع المأساوي للشعب الليبي، وخصوصا أمام الانتقادات المتزايدة التي تواجهها في عجزها عن إيجاد حل لهذه المعاناة، واكتفائها بإدارة الأزمة من خلال مبعوثيها على مدى السنوات الماضية، الأمر الذي أدّى إلى تفاقم المشكلات بشكل غير مسبوق، لخّصها المبعوث الأممي في: انتشار المدافع الثقيلة والدبابات داخل الأحياء السكنية في كل مناوشةٍ تتم بين المليشيات المتناحرة. أزمة مستمرة تظهر إلى السطح في كل مرة في منطقة الهلال النفطي، والتي كانت بالفعل تهديدا كاد يودي بالبلاد إلى هوة الانقسام. يدفع النساء والأطفال والشيوخ والمرضى فاتورة تفشي العنف والاقتتال بين هذه المليشيات. أصبح الجنوب الليبي مسرحا وساحة للعمليات العسكرية والاقتتال بين القوات التشادية الحكومية وقوات المعارضة. تدهور حاد في الظروف المعيشية للمواطن إلى أن أصبح كل يوم يمر على كثيرين منهم محنةً. قيام عناصر مسلحة منضوية اسميا تحت إشراف وزارة الداخلية باختطاف موظفين وتعذيبهم وقتلهم، من مؤسسات سيادية.
ويظل ما قامت به الأمم المتحدة من خلال مبعوثيها وتحديدها المشكلات الليبية غير مهم لغالبية الليبيين، لأنهم يعيشون هذه المشكلات، ويواجهون هذه الصعوبات كل يوم، ولا يحتاجون لمن يذكّرهم بها، ويعدّدها على مسامعهم، بقدر حاجتهم لمساعدة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في حماية المدنيين الذين تعهّدوا بحمايتهم ودعمهم للخروج من هذا النفق، وقد طال انتظارهم ضوءا فيه، حتى وإن كان في آخره.
جاءت هذه الإحاطة في وقت شهدت فيه العاصمة الليبية طرابلس، والتي كانت، إلى وقت غير بعيد، تشهد تحسّنا ملحوظا من الناحية الأمنية مقارنةً بباقي المناطق الليبية، قتالا عنيفا وُصف بأنه الأشرس والأعنف منذ عام 2014. إذ اندلعت فجأة مواجهاتٌ عنيفةٌ على محاور عدة بالقرب من العاصمة طرابلس، أدّت، في ما أدّت إليه، إلى مقتل أكثر من 60 شخصا وتشريد وفقدان ونزوح الآلاف. هذه الحرب التي لا يعرف أحد أسبابها أو دوافعها أو الجهات المموّلة لها، بدأت فجأة في أكثر من محور، ففي جنوب العاصمة، وبالتحديد في منطقة أبو سليم، استطاعت قوات ما يعرف باللواء السابع السيطرة على جزءٍ كبير ومهم من هذه الأحياء، بعد تراجع كتيبة الأمن المركزي تحت وطأة القصف المستمر بالأسلحة الثقيلة والصواريخ، كما أن الوضع في شرق العاصمة وغربها لم يختلف كثيرا، حيث أفضى إلى سيطرة شبه تامة لقوات
ساد الوضع في الشرق الليبي صمتٌ غريبٌ خيم على مجلس النواب الذي أجل جلسته المقرّرة لمناقشة الاستفتاء على الدستور، مبرّرا ذلك بعدم استطاعة نواب المنطقة الغربية الحضور، نظرا لتوقف الرحلات الجوية من مطار معيتيقة وإليه، نتيجة الاشتباكات الحاصلة بالقرب منه، على الرغم من أن الليبيين لا يعوّلون على هذا المجلس، ويتفقون تماما مع وصف غسّان سلامة لهم بقوله إن كثيرين من أعضاء مجلس النواب يخفقون في القيام بعملهم على النحو الواجب، ويسعون إلى تخريب العملية السياسية لتحقيق مآرب شخصية، خلف ستار الإجراءات، مضيفا إن النواب ليس لديهم النية في ترك مناصبهم، وقد وضعوا أحكاما قانونية تضمن بقاءهم في السلطة إلى الأبد. أما الحاكم الفعلي في المنطقة الشرقية، خليفة حفتر، فلم يكتف بالصمت، بل استغل انشغال الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي بما يحصل في العاصمة، واستهدف مدينة درنة بغارات جوية راح ضحيتها مدنيون أبرياء، وهو الوضع الذي تطرّق إليه مبعوث الأمين العام قائلا إن مدينة درنة في الشرق الليبي تشهد اشتباكات متفرقة، وقصف جوي، وتعمل الأمم المتحدة على تسيير وتقديم المساعدات الإنسانية للأهالي المتضرّرين.
وبقراءة تحليلية لإحاطة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، يلاحظ أن الغموض هو الصفة الغالبة التي يردّدها الجميع في الداخل والخارج، ولم يعط في إحاطته أي تفسيرات واضحة، ولم يسم أو يتهم جهات أو مكونات بعينها في التسبّب في هذه الحرب التي دفع ثمنها الباهظ المدنيون، بل وأدّت إلى تهجير ونزوح. وقد انتظر الليبيون هذه الجلسة، لعلها تبدّد الاستغراب والغموض الذي يعيشه الليبيون، وخصوصا ذلك المتعلق بالصمت المريب من الدول الغربية والأمم المتحدة، والذي ليس هناك شك في علمهما بخفايا هذه التحرّكات منذ بدايتها، ففي عالم اليوم لا شيء يحدث على المستوى العسكري، أو المدني، من دون علم الأقمار الصناعية، والتصوير الدقيق بالطائرات، سواء كانت بطيار أو بدونه، والتي يدرك الليبيون تماما إنها
لم يثن هذا الصمت المريب الأمم المتحدة عن إشارتها إلى أن صبرها بدأ ينفد أمام الوضع المأساوي للشعب الليبي، وخصوصا أمام الانتقادات المتزايدة التي تواجهها في عجزها عن إيجاد حل لهذه المعاناة، واكتفائها بإدارة الأزمة من خلال مبعوثيها على مدى السنوات الماضية، الأمر الذي أدّى إلى تفاقم المشكلات بشكل غير مسبوق، لخّصها المبعوث الأممي في: انتشار المدافع الثقيلة والدبابات داخل الأحياء السكنية في كل مناوشةٍ تتم بين المليشيات المتناحرة. أزمة مستمرة تظهر إلى السطح في كل مرة في منطقة الهلال النفطي، والتي كانت بالفعل تهديدا كاد يودي بالبلاد إلى هوة الانقسام. يدفع النساء والأطفال والشيوخ والمرضى فاتورة تفشي العنف والاقتتال بين هذه المليشيات. أصبح الجنوب الليبي مسرحا وساحة للعمليات العسكرية والاقتتال بين القوات التشادية الحكومية وقوات المعارضة. تدهور حاد في الظروف المعيشية للمواطن إلى أن أصبح كل يوم يمر على كثيرين منهم محنةً. قيام عناصر مسلحة منضوية اسميا تحت إشراف وزارة الداخلية باختطاف موظفين وتعذيبهم وقتلهم، من مؤسسات سيادية.
ويظل ما قامت به الأمم المتحدة من خلال مبعوثيها وتحديدها المشكلات الليبية غير مهم لغالبية الليبيين، لأنهم يعيشون هذه المشكلات، ويواجهون هذه الصعوبات كل يوم، ولا يحتاجون لمن يذكّرهم بها، ويعدّدها على مسامعهم، بقدر حاجتهم لمساعدة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في حماية المدنيين الذين تعهّدوا بحمايتهم ودعمهم للخروج من هذا النفق، وقد طال انتظارهم ضوءا فيه، حتى وإن كان في آخره.
دلالات
مقالات أخرى
13 اغسطس 2024
07 يوليو 2024
15 مارس 2024