09 نوفمبر 2024
الرياض في إسطنبول
هل أراد ملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز، أن يدفع حرجا عن شخصه، عندما قال، أمس، في مجلس الشورى، إن المملكة طالما استضافت قمما تاريخية؟ هل كان يسوّغ استنكافه عن المشاركة في القمة الاستثنائية لدول منظمة التعاون الإسلامي (57 دولة)، والتي رفضت اعتراف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بإسرائيل عاصمةً لدولة الاحتلال الإسرائيلي؟ أم إنه أراد التذكير، إنْ نفعت الذكرى، بأن لبلاده مكانتها ودورها ووزنها، وإنْ دعت دولةٌ غيرُها إلى قمةٍ إسلاميةٍ بشأن القدس تستضيفها، ثم لُبّيت الدعوة؟ تُرى، هل أحدث هذا الكلام للملك أثرا لدى من سمعه، أو علم به، من أبناء الأمة، أم إن لا أحد اكترث به؟ هل هناك معنىً لقول الملك ما قال بالنظر إلى تمثيل الرياض في وزيرٍ غير مختص في هذه القمة التي أعلنت أن خطوة ترامب "الأحادية الجانب واللاغية وغير القانونية" هي انسحابٌ من دور واشنطن وسيطا في عملية السلام؟ ما الذي بالضبط كان سينتقص من اسم العربية السعودية، لو أن ملكها كان هو الذي بادر إلى أن تستضيف الرياض، أو مكة المكرمة، هذه التظاهرة السياسية، أو لو أنه طار إلى إسطنبول، وأعلن من هناك شجب ما أقدم عليه ترامب بشأن القدس؟.
يمكن أن تتناسل أسئلةٌ أخرى، لكنها على الأرجح ستُختتم بسؤال مقلق، ومحير ربما: لماذا صارت المملكة العربية السعودية تحترف مراكمة الخسران تلو الخسران، والخصم شبه اليومي من وزنها المفترض، ومن مكانتها السياسية الخاصة؟ لا شطط ولا تزيّد في إضافة بؤس الأداء السعودي في موضوعة القدس، بمناسبة الحماقة التي اقترفها رئيس الولايات المتحدة، إلى الرداءات التي تبدّى عليها هذا الأداء، وكذا السلوك السياسي السعودي في محاصرة قطر، وفي العبث بمؤسسة الحكم الراهنة في لبنان، وفي الرهانات الطائشة في اليمن، وفي الانكشاف الظاهر في سورية، وفي المرجلة الخائبة مع إيران، وفي الارتهان لحساباتٍ صغيرةٍ في غير موضوع، وفي البحث عن الأعداء والخصوم في غير ملف، وفي إقامة تحالفاتٍ غير محسوبةٍ مع هذا أو ذاك، هنا وهناك. ولكم يشعر واحدُنا بأسفٍ كثير، وهو يُشهر هذه الحقيقة التي لا يحتاج التأشير إليها إلى إجهاد الذهن، فهي ماثلةٌ قدّام كل الأعين والأسماع. وليس ثمّة عربي عاقل يشتهي هذا الحال للعربية السعودية، وهي التي طالما كان الأمل باقيا بأن الحكم يحتفظ بمقادير من الحذر والتحوّط والحكمة، تحميه من نقصان الهيبة وخفّة الوزن.
لم تُبادر تركيا إلى جمع ممثلي الأمة الإسلامية من أجل تأكيد موقفٍ مجمعٍ عليه يرفض قرار ترامب بشأن القدس، إلا لأن العربية السعودية استقالت، منذ زمن، من دورٍ قياديٍّ كثيرا ما توهمنا أنها أهلٌ له، ومعروفٌ أن أي فراغٍ في أي مساحةٍ إنما يملأه من يتقدّم لملئه، بجدارةٍ وكفاءة. وهذه الاستباحة الواسعة التي تُزاولها إيران في غير بلدٍ عربيٍّ ما كانت لتصير، لو أن البدن العربي غير مريضٍ بالاهتراء الذي نرى في أداء السعودية ومصر، مثلا. ولذلك ليس ثمّة أي تجنّ على الرياض، إذا ما رأى واحدُنا في التدنّي المتعمّد لتمثيلها في قمة إسطنبول الإسلامية أمس سلوكا يدلّ على عطبٍ ثقيلٍ في صناعة القرار السياسي السعودي، وعلى إيلاء أصحابه الحسابات الصغرى على الجوهريّ من قضايا الأمة. أما تباهي الملك سلمان بمؤتمرات قممٍ تاريخيةٍ استضافتها المملكة، فإنه يفيد بأن هذا العطب أثقلُ مما نتخيّل. وإذا كان من مقاصد الملك، في إشارته هذه، أن الرياض استضافت القمة الأميركية الإسلامية في مايو/ أيار الماضي، فإن أرطال هذا العطب ستصير صعبةً على العدّ، ذلك أن تلك القمة معلومةُ التفاصيل، ولا يُرمى واحدُنا بسوء الظن إذا ما قال إن الحصار الذي صنعته المملكة، وحليفتها الراهنة الإمارات، ضد دولة قطر هو من عقابيل تلك القمة. ولا يكون المرء سيئ الطويّة، لو قال إن طيران دونالد ترامب من الرياض، إبّان تلك القمة، إلى مطار بن غوريون في دولة الاحتلال الإسرائيلي كان القفزة الأولى باتجاه قرار نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.
أما عن القرارات التي انتهت إليها قمة إسطنبول الإسلامية، فهي محمودةٌ لا ريب، وغير كافيةٍ طبعا، وذات قيمةٍ لا شك، ومحدودة الأثر على الأرجح. وأول ما يحتاجه النقاش بشأنها إهمال فداحة الأداء السعودي، وهذا يحتاج مزاجا آخر.