حمل اللاجئون الفلسطينيون معهم تراثهم إلى مخيمات الشتات، وتناقلوه من جيل إلى جيل، وكانت الأغاني الشعبيّة التراثيّة الفلسطينيّة حاضرة دائماً في مختلف المناسبات وخاصة الأغاني التي كانت مشهورة قبل النكبة.
أغنية "جفرا" اشتهرت بين أبناء الشعب الفلسطيني وصارت تختلف كلماتها مع الحفاظ على اللحن وعلى كلمة "جفرا" وارتبطت بالمناسبات سواء الوطنيّة أو الاجتماعيّة. الدكتور ثائر الغضبان فلسطيني من قرية كويكات في شمال فلسطين لجأ أهله إلى لبنان بعد النكبة، وعلى الرغم من أنه رجل أعمال ناجح إلا أنه ناشط في الحفاظ على التراث الفلسطيني، لأنه يعتبره نوعاً من أنواع النضال والتمسك بالهوية الفلسطينيّة.
في حديث مع "العربي الجديد"، يقول: "عرف الفلسطينيون أغنية "جفرا" عام 1935 من خلال الشاعر أحمد عزيز علي الحسن ابن قرية كويكات، قضاء مدينة عكا الفلسطينيّة، حيث أطلق على حبيبته التي تزوجها فيما بعد لقب "جفرا" وكان يتغنى بها وبجمالها بعد أن تم الانفصال".
ويضيف الغضبان: "قصة "جفرا" هي كباقي القصص التي حدثت مع أبناء القرى الفلسطينيّة، حيث كان الشاعر أحمد عزيز الحسن شاباً وسيماً ويملك صوتاً جميلاً، أحب ابنة عمه رفيقة نايف الحسن وهي وحيدة أهلها ووافقوا على الزواج بها، وكما هي العادة في فلسطين بعد أسبوع من الزواج تقوم العروس بزيارة أهلها وهذه الزيارة تُعرف بـ "ردّة الإجر" وعند المساء طلبت والدة العروس أن تبقى في بيت أهلها وقد وافق أحمد عزيز على أن يصطحبها في اليوم الثاني، لكن في اليوم الثاني رفضت والدتها أن تعود مع العريس وطلبت منه أن تنام عندها وافق العريس لأنه يعلم حب الأم لوحيدتها، وفي اليوم الثالث عاد ليأخذها رفضت الوالدة وحصل شجار بين العريس ووالد العروس أدى إلى إصابة العريس في رأسه، وعندها تدخل كبار القرية لحل الإشكال، إلا أن والدة العروس وجهت إليهم كلاماً غير لائق عندها فرضوا على الشاعر أحمد عزيز أن يطلقها".
ويقول الغضبان: "رغم ذلك بقي أحمد عزيز يحب رفيقة وصار يقول شعراً وغزلاً يعبر فيه عن مدى حبه لها إلا أنه اختار اسم "جفرا" بدلاً من اسمها خوفاً من أن تعرف العائلة أنه ما زال يحبها، لكن أهل القرية كانوا يعرفون أنه يقصد بكلامه رفيقة التي أحبها".
ألّف أحمد عزيز كتابه الأول بعنوان "جفرا" وكان يحتوي الكتاب على أغانٍ للدبكة وقصائد غزل وعتابا صارت تُغنّى في الأعراس الشعبيّة وفي كل القرى الفلسطينيّة. وانتشرت أغاني "جفرا" في القرى الفلسطينيّة كافة وخاصة في شمال فلسطين، وكانت تُغنى "جفرا" بمواويل الغزل من قبل النساء والرجال في الأعراس، كما كان الشعراء يتنافسون في الغناء مع أحمد عزيز حتى الصباح.
أما بعد النكبة فأخذ أحمد عزيز يغني للأرض والوطن ويتذكر الآباء والأجداد في ربوع الوطن فلسطين، وغنى للثورة وبطولات الثوار، وألّف كتاباً ثانياً كان يُباع في المدن الفلسطينية، وصار كتاب الشاعر الشعبي أحمد عزيز علي الحسن الملقب بـ "راعي الجفرا" يباع في كافة المدن والقرى الفلسطينية وفي البلدان العربية المجاورة مثل لبنان وسورية والأردن.