تواصل صناعة الدراما والسينما في تركيا نجاحها. إذ ارتفع إنتاج الأفلام السينمائية، وفق إحصاءات رسمية تركية، سنوياً إلى 140 فيلماً، لتحتل تركيا المرتبة الأولى أوروبياً بالإنتاج السينمائي، والثانية عالمياً، بعد الولايات المتحدة بالإنتاج الدرامي، بعد إنتاج نحو سبعين مسلسلاً سنوياً.
وقد بدأ أخيراً، الترويج للمسلسل التاريخي "كوت العمارة" الذي يؤرخ لمعركة العثمانيين مع بريطانيا فيما يعرف بإسم معركة الكوت جنوب شرقي العاصمة العراقية بغداد عام 1917، ومن المفترض أن يبدأ عرضه في شهر يناير/كانون الثاني الجاري، على قناة "تي آر تي" الرسمية الناطقة بالتركية.
ويقول منتج "كوت العمارة" محمد بوزداغ، "بعد تحضير الكادر والممثلين البالغ عددهم 200 ممثل وعلى مدى عامين، سيبدأ التصوير والبث في أكبر مدينة سينمائية في إسطنبول، بعد أن بنينا كوت العمارة من جديد، فنصبنا آلاف الخيم وصنعنا آلاف البنادق وكميات الذخيرة"، متوقعاً خلال تصريحات صحافية، أن يلقى العمل، الإقبال ذاته الذي حققه "قيامة أرطغرل" والذي أنتجه بوزداغ أيضاً.
ويتوقع الممثل التركي، موسى شاغرجان، أن يلقى "كوت العمارة" إقبالاً داخل تركيا وخارجها، بعد دبلجته للغات أخرى، منها العربية، لأن هذه المعركة بنظر الأتراك، تعتبر ثاني أكبر انتصار للعثمانيين في الحرب العالمية الأولى، بعد معركة جناق قلعة، وفيها استسلم أكثر من 13 ألف جندي بريطاني، بعد الحصار، للجيش العثماني.
ويقول الممثل التركي، شاغرجان لـ"العربي الجديد" اليوم "وبعدما أصبحت الدراما صناعة متطورة في تركيا، تعود على البلاد بأكثر من 300 مليون دولار صادرات سنوياً، بات الاعتماد على المتلقي الخارجي أيضاً. فبعض المسلسلات، الاجتماعية والتاريخية، ترجمت إلى لغات بلاد الشام وشمال أفريقيا وأوروبا الشرقية والغربية وآسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، وتم خلال العامين الأخيرين، ترجمة 150 فلماً ومسلسلاً في 100 دولة مختلفة، وتم مشاهدتها من 500 مليون شخص".
ويعتبر الممثل التركي، أن حكومة بلاده تدعم صناعة الدراما، وخاصة الأعمال التاريخية منها، حيث تضاعف الإنتاج خلال الأعوام الثمانية الماضية، معتبراً أن بعض الأعمال الدرامية الاجتماعية، يتم إنتاجها للخارج أكثر من الداخل. فمسلسل "العشق الممنوع " مثلاً، يبعد عن العادات التركية، لكنه لاقى رواجاً وانتشاراً على القنوات التلفزيونية العربية والأوروبية.
وأشار شاغرجان، إلى أن السينما التركية ما زالت "مظلومة" في المنطقة العربية، إذ قلما اتجهت شركات الدبلجة للسينما كما الدراما، مبيناً أن حجم الإنتاج السينمائي تعدى مليار دولار، في ذكرى مئوية السينما بتركيا العام الماضي.
ويتعدى، بحسب مختصين، الإنتاج المرئي في تركيا، نشر الثقافة والربح المالي، إذ بدأت الدراما خاصة ومنذ سنوات، بمحاولة تسويق نظرة أخرى عن الدولة العثمانية، بعيداً. ففي حين كان يصور إمام المسجد على أنه مخادع ومرتش، والفتاة المحجبة على أنها خادمة أو مشردة بالشوارع، أعادت الدراما لفئات المجتمع حقوقهم، عبر تنوع الأدوار وعكس التطور الذي تعيشه تركيا على الصعد كافة.
وترى السيناريست السورية، سلام محمد، أن الهواجس القومية وتسويق سياسة الدولة وحلم المئوية، باتت ترمى على عاتق الدراما، حيث "عززت الدراما موقع القومية لدى الأتراك وعلى نحو غير مباشر ومدروس" مسشتهدة بمسلسل "حريم السلطان"، و"جيهان قلعة"، و"فيلينتا".
ولفتت كاتبة الدراما السورية محمد، إلى أن مسلسل "قيامة أرطغرول" لعب دوراً مهماً في تصويب النظرة حول نشأة الدولة العثمانية، وأعاد طرح مقولات أن هذه الجمهورية التركية الحديثة المؤسسة عام 1923 إنما جاءت امتداداً لدولة وحضارة، وأن من أسسوا هذه الدولة أسسوها على أصول أخلاقية وثقافية إسلامية، بغض النظر عن التحول الذي شهدته الدولة لاحقاً.
وحول عوامل نجاح الدراما التركية وانتشارها في أكثر من 100 دولة حول العالم، تضيف السيناريست محمد، "لنوضح، بالبداية، أن تقنية العمل في تركيا، تختلف عمّا اعتدناه في المنطقة العربية، فهنا يقسم العمل إلى مواسم، وبناء على قياسات الرأي ومدى المتابعة والتسويق الخارجي، يتم إنتاج أجزاء أخرى أو توقيفه".
وتضيف: "هنا في تركيا، تتم كتابة الحلقة وتصويرها ومنتجتها وعرضها، خلال أسبوع، فعقد الكاتب والكادر مفتوح ومرتبط بمدى نجاح العمل، فضلاً عن نظام الورشة، وليس لكاتب واحد أن يستأثر بالعمل. ولعل مثال الحلقة 94 من قيامة أرطغرل، حينما احترق مكان التصوير فتأجل العرض، دليل على طريقة العمل أول بأول بتركيا".
وترى محمد، أنه من عوامل بلوغ الدراما التركية هذا النجاح، سقف الرقابة المفتوح، "كما أن الميزانيات هنا مفتوحة وهائلة، مضاف لذلك التقنية المتطورة والطبيعة الرائعة ونظام الورش".
وختمت الكاتبة السورية، إن الاهتمام الرسمي والرعاية التي يتلقاها الفنانون في تركيا، زادت من إبداعهم وعطائهم، "فأن يكرّم رئيس الدولة كادر مسلسل وأن يرافق ممثلون الرئيس بزياراته الرسمية، وغير ذلك من حالات الدعم المعنوي، كلها تزيد من تكامل ونجاح هذه الصناعة التي باتت تشكل رقماً كبيراً بالصادرات التركية ويتم الاعتماد عليها للترويج للصناعة والسياحة وحتى للسياسة".
اقــرأ أيضاً