على ضفاف نهر دجلة، وسط بغداد، تقع إحدى أقدم الجامعات التي عرفها العالم، تم تأسيسها في 1230 للميلاد، وافتتحها العباسيون في 1233 واستقطبت الطلاب من مختلف أنحاء العالم لدراسة مختلف العلوم، وأطلق عليها "المدرسة المستنصرية"، نسبة إلى الخليفة العباسي المستنصر بالله، وتعد اليوم واحدة من المعالم القليلة المتبقية من الحقبة العباسية في بغداد.
وشيدت المدرسة المستنصرية على مساحة تبلغ نحو 5 آلاف متر مربع على نهر دجلة بجانب قصر الخلافة. وتتألف من طابقين مع عشرات الغرف والقاعات الدراسية وأروقة كبيرة وحدائق، إضافة إلى خدمات أخرى للطلاب، كالحلاق والحمام ومطبخ عام ومكتبة تضم أكثر من 450 ألف كتاب بمختلف العلوم، مع أول عامين من افتتاح المدرسة.
وكانت أول مكان لتدريس الفقة على المذاهب الأربعة في "مدرسة واحدة"، بينما تخصصت المدارس الأخرى في تدريس مذهب محدد من هذه المذاهب.
ويقول الباحث خلدون البغدادي: "كانت مركز إشعاع حضاري وعلمي كونها المدرسة التي شملت كل العلوم آنذاك (التأريخ والفيزياء والكيمياء والرياضيات والفلك وعلوم القرآن والسنة النبوية والمذاهب الفقهية والنحو... إلخ)، حتى سميت دار المعرفة، ولها ينتسب كبار علماء العرب والمسلمين وغيرهم من الأمم الأخرى، التي أوفد طلابها للدراسة فيها آنذاك.
ويضيف لـ"العربي الجديد": "العمران الذي تميزت به المدرسة ما زال تحفة ومحط اهتمام الباحثين في التاريخ حتى هذا اليوم، ويمكن للزائر أن يشاهد براعة الفن والخطوط والنقوش الموجودة على الجدران".
ويأسف فاضل المهدي، الرجل البغدادي الخمسيني، على حال المدرسة المستنصرية التي يقول عنها: "من هذه المدرسة كان يشع العلم إلى كل العالم. العراق بلد العلم والحضارات. نحن بلد السومريين والأكديين والبابليين، ومعروف أن الحضارة العراقية أقدم حضارة في العالم". ويضيف: "ولكن مع الأسف لم نر أي اهتمام بهذه المعالم الحضارية، فالمدرسة المستنصرية مثال حي على الإهمال الحكومي".