كان مونتانارو مشغوفاً بالمشترك المتوسطي بين أغاني وموسيقى التروبادور الشهيرة في بروفانس، جنوب شرق فرنسا، والموسيقى التي عثر عليها في لقائه عدوان في الجنوب الفلسطيني، حيث ولد في رفح.
أنجز الاثنان ألبومهما الموسيقي عام 1999. وفي أحد مقاهي غزة، اقترح عدوان على مونتانارو أن يحمل العمل اسم "شيشة"، تيمناً بالمقهى المزدحم بروّاده، والشيشة العامرة بينهم.
كان عدوان قد أسس حضوراً في الساحة الفنية الفلسطينية، لدى عودته إلى قطاع غزة عام 1994، متخصصاً في الصوت وآلة العود وأصول التلحين، من كلية الفنون الجميلة في طرابلس الليبية.
ألف للمسرح، ثماني مسرحيات أولاها "الطاحونة" للمخرج حسين الأسمر. قدم الشارة الموسيقية لأول مسلسل فلسطيني "ليالي الصيادين"، ومجموعة من الأغنيات لتلفزيون فلسطين، والأفلام السينمائية العربية والفرنسية مثل، "العطش" و "فتافيت الخبز للحمام" و "غزة تحت الأرض" و"العابرون على جلد غزة".
يواصل عدوان لقاءاته وتجاربه مع الموسيقيين الفرنسيين، وهذه المرة مع المطربة فرنسية فرانسواز اتلان التي ينجز معها ألبوماً حمل اسم "نوى"، تلاه ألبوم "متيّم".
وصولاً إلى 2006، سيكون الفنان أمام نقلة جديدة، متمثلة في عرض "نوى" على مسرح دار الأوبرا في العاصمة البلجيكية بروكسل.
بيد أن غزة كانت تشهد حصاراً منعه من الخروج، فقررت الأوبرا تأجيل العرض، إلى أن استطاعت إخراجه.
يلتقي عدوان مدير الأوبرا في بروكسل، برنار فوكول، وهو ذو سمعة جيدة بين عازفي الأورغ في العالم، والذي اضطلع بتسجيل كل أعمال الموسيقي الألماني الكلاسيكي يوهان سباستيان باخ.
شكل الاثنان -فوكول وعدوان- دويتو أورغ وعود، في عمل مشترك باسم "غربة"، جالا به في عدة دول أوروبية.
هذه الأيام، يجوز القول إنها الأيام الأوبرالية لمنعم عدوان. صحيح أنه غزير الإنتاج، منكبّ كلياً على التأليف الموسيقي والغنائي في عدة ساحات، إلا أن الأوبرا وضعته أمام تحد جديد. فهي "كتاب مقدس" لدى الأوروبيين -كما يقول- وهو يريد فتح الكتاب وإضافة صفحة عربية فيه.
الأوبرا تشغله كثيراً، بعد نجاحه في ثلاثة أعمال أوبرالية، آخرها "أورفيو والمجنون" التي ستواصل عروضها حتى 2023.
ما فتح شهيته الإبداعية تأليفه موسيقى لأوبرا موزارت الناقصة. فما حكاية عدوان مع الأوبرا، وتأليفه لأول عمل بلغة عربية خالصة؟
حين انتقل برنار فوكول من بروكسل إلى بروفانس، ليصبح مديرا لدار الأوبرا هناك، طلب من عدوان تشكيل كورال من المهمشين والمشردين.
شكل عدوان كورالاً سمّاه "ابن زيدون" ليشارك في أوبرا "زايد" لموزارت. سكارى، وخريجو سجون، ومهاجرون دون أوراق ثبوتية، سيكون عليهم أن يؤدوا في الأوبرا الناقصة مشهد دخول العبيد قصر السلطان العثماني، تصاحبهم موسيقى شرقية ألفها منعم عدوان.
يقول عدوان إن أوبرا "زايد" كتبها موزارت عام 1780 ومات 1791 دون أن يكملها، ثم في عام 1799 عثرت عليها زوجته بين مخطوطاته. وهي تروي قصة حب جمعت السلطان العثماني سليمان بجاريته "زايد" Zaide، التي دوماً يحتال لرؤيتها، ولكن لوجود فارق طبقي كان يستحيل على السلطان الإعلان عن هذه العلاقة.
ويضيف "كان على الكورال أن يغني النص باللغة الألمانية ولكن بموسيقى عربية. فبعد "إنترو" الأوركسترا الكلاسيكية يغني العبيد ومعهم الجارية زايد في طريق عودتهم للنوم، وبعدها يتسلل السلطان لرؤية جاريته.
كيف استقبل عملك؟
أثار آراء صحفية متباينة. هناك من رحّب وهناك من تحفّظ، ولكن الأثر الإيجابي كان واضحاً، بعد تسليط الضوء على أصحاب قضية مهاجرين لا مفر من مواجهتها. لقد حصل جميع المشاركين في الكورال على حقوقهم وأوراقهم الثبوتية.
هذه التجربة حفزتني لدخول عالم الأوبرا الذي نفتقده في عالمنا العربي، والذي يمكنه أن يشكل ثورة ثقافية حقيقية قد تغير معايير الفن في مجتمعاتنا.
وصفت بالصحافة الفرنسية بأنك تقدم أوبرا للمستقبل. هل تغير في بنية الأوبرا الكلاسيكية؟
معايير الأوبرا لا تتغير، فهي الحاضنة الأم لكل الفنون، ولكن وبكل بساطة، اقتحام الشعر العربي والموسيقى العربية لهذا العالم الأوبرالي يعني ما يعنيه لجمهور الأوبرا الكلاسيكية. هذا يملي عليه طريقة قراءة جديدة لها من اليمين الى اليسار، ناهيك عن الخصائص المصاحبة لكاريزما النص العربي.
لماذا لم تعرض أوبرا لك في الوطن العربي؟ هل تخشى من ذائقة الجمهور؟
لا على العكس تماماً. في أوروبا ملايين العرب، وكانوا من أوائل الحضور لأعمالي، لدرجة أن مديرة دار الأوبرا في مدينة ليل كارولين سونرييه وأثناء عروض أوبرا "كليلة ودمنة"، قالت إنها سعيدة للغاية برؤيتها جمهوراً جديداً لم تتعوده الأوبرا من قبل. وهي تلمح إلى وجود نساء محجّبات في القاعة، وهذا يعني التصاق العرب بثقافتهم في المهجر، ولكن السياسة العامة في الوطن العربي غير معنية بالفن الحقيقي، فشدة النور قد تصيبهم بالعمى.
أورفيو والمجنون
أوبرا "أورفيو والمجنون" تشتمل على قصتي حب، عربية "المجنون وليلى" ويونانية "أورفيو ويوروديتش".
كذلك الأمر فإنها تشتمل على عالم موسيقي تقاسم فيه عدوان الشغل مع الموسيقي الهولندي ديك فاندرآست. أحدهما يؤلف الموسيقى ويلحن الأغنيات عربياً، والثاني سيضطلع بالغناء الكلاسيكي الأوبرالي.
كيف وقع هذا التناغم بينك وبين رفيقك فاندرآست؟
كان هناك اتفاق عفوي، إما أن أفتح لفاندرآست الباب أو يفتح هو، لتلافي الاصطدام موسيقياً والمحافظة على وحدة الخط الدرامي. وهنا أقول إن الاختلاف الثقافي يثري ويعطي صورة موسيقية جديدة تتقبلها الأذن.
بلغة المقامات؟
مثلا، هناك مقام العجم الشرقي يقابل الماجور الغربي، ومقام النهاوند يقابله الماينور الغربي، مع إضافة بعض الزخارف الشرقية واستدراج الجمل الموسيقية الكلاسيكية لربع التون، ما يعطيها شكلاً مميزاً مختلفاً وذا رونق.
معلوم أن المغني لؤي السروجي أدى دور قيس، والمغنية ناي البرغوثي دور ليلى، وأدى المغني يوهان دوبروك دور أورفيو، بينما الفنانة جوديت فا أدت دور يوروديتش.
واشتمل العمل على مجموعتي أوركسترا، واحدة شرقية والثانية غربية مع كورال من مئتي فرد.
المشروع الذي ينخرط فيه فناننا اليوم هو أوبرا "منطق الطير" للشاعر المتصوف فريد الدين العطار، الذي يعود فيه مجددا للتعاون مع الشاعر السوري فادي جومر، بعد مشاريع عديدة سابقة بينهما، منها أوبرا "كليلة ودمنة".
يقول عدوان إن أوبرا "منطق الطير" ستقدم على مسرح بروفانس، مبيناً أن الفكرة الأساسية تقوم على سعي الطيور الحثيث في بحثها عن الإله، الذي تجده أخيراً في داخلها.
ما الطريق الذي تسلكه حتى تضمن ألا تكرر نفسك؟
بالقراءة والتعلم الدائم والاستماع لكل موسيقى العالم، بما في ذلك الذي لا تستسيغه الأذن. أحياناً استمع كمن يتجرع الدواء أو كمن يبحث عن بعض ذرات الذهب في كومة من الطمي.
بلد العميان
يستعد منعم عدوان لعمل جديد مستقى من قصة "بلد العميان" للكاتب البريطاني هربرت جورج ويلز. المبصر الذي يحل في قرية عميان، فيكون نشازاً بينهم، ويخبرونه أن المشكلة الوحيدة تكمن في عينيه المبصرتين. من المنتظر أن يقدم هذا العمل في 2021.
"بلد العميان" هل يمثل لك بعداً شخصياً؟
من المؤلم أن تغترب في العيش بين الأهل خاصة. وعندما يحمل المحيط اللون الموحد ذاته، فتعجز كل الأحلام عن المرور. إما أن أقبل بما يمليه الواقع علي وأتخلص من عيني، وإما أن أنجو بهما وأخسر ما أخسره.