ويعود تاريخ النقانق الساخنة إلى ستينيات القرن الـ 19، عندما بدأت الولايات المتحدة الأميركية بإعادة توحيد نفسها بعد الحرب الأهلية، وصارت هذه الشطائر اللذيذة جزءًا من هوية الأميركيين الجديدة. وعلى الرغم من أنك تستطيع العثور عليها اليوم في كل مكان حول الولايات المتحدة، إلا أنها ابتكرت للمرة الأولى على شاطئ مدينة كوني آيلاند في نيويورك، وفقًا لموقع "بي بي سي".
وتفتخر شركة "نايثن" Nathan في نيويورك بأنها أول من صنع النقانق الساخنة "الأصلية" عام 1916، لكن المؤرخ الأميركي مايكل كوين أشار إلى أن مهاجرًا ألمانيًا يدعى تشارلز إل فيلتمان وصل إلى الولايات المتحدة عام 1856، وكان يقدم النقانق الساخنة على امتداد عقود طويلة، قبل ظهور الشركة النيويوركية.
وكان فيلتمان مولعًا بالسجق البارد الذي كان شائعًا في وطنه، وافتتح مخبزًا في بروكلين عام 1865، وصار يكسب لقمة عيشه من تقديم الشطائر على شاطئ كوني آيلاند من عربة يجرها، قبل أن يطالبه عملاؤه ببيع الشطائر الساخنة، مما دفعه للتواصل مع صانع العربة عام 1867 طالبًا تعديل تصميمها، وصارت تتضمن موقد فحم مخصصا لطهي النقانق وصندوقًا معدنيًا لتسخين الخبز، وفقًا لريتشارد إف سنو، المحرر السابق في "مجلة التراث الأميركي" American Heritage Magazine.
وباع فيلتمان في ذلك الصيف حين كان الناس فيه يتعافون من آثار الحرب الأهلية قرابة 4000 من ابتكاره اللذيذ الذي كان تعديلًا للسجق البارد الذي يقدم في ألمانيا من دون خبز. وأضاف المهاجر الخبز له ليصبح تناوله على الشاطئ أسهل، ولم يطلق عليه اسمه الشهير "هوت دوغ" إلا بعد سنوات أثبت فيها نجاحًا مذهلًا.
ونمت عربة فيلتمان الصغيرة، لتصبح إمبراطورية كاملة بحلول نهاية القرن الـ 19، وتمكن من إنتاج ما يصل إلى 40 ألف شطيرة نقانق ساخنة يوميًا في مجمع "أوشن بافيليون كومبلكس" Ocean Pavilion Complex، وصار يمتلك 9 مطاعم على الأقل، بالإضافة إلى مجمع "بافيليون أند ألباين كومبلكس" Pavilion and Alpine Village السياحي الذي استضاف الرئيس الأميركي ويليام هوارد تافت ذات مرة، وفقًا لكتاب The Other Islands of New York City الذي كتبه شارون سيتز وستيوارت ميلر.
وتوفي فيلتمان عام 1910، بعد أن كسب ثروة ضخمة. وكانت شركته التي يديرها نجلاه تشارلز وألفريد توظف أكثر من 10 آلاف شخص آنذاك. وصار مطعم "فيلتمان"، بحلول العشرينيات من القرن الماضي، أكبر مطعم في العالم، قبل أن تبرز شركة منافسة من مكان لم تتوقعه عائلة فيلتمان.
وكانت عائلة فيلتمان قد وظفت مهاجرًا بولنديًا يدعى ناثان هاندوركر في بداية القرن الـ 20، وكانت مهمته تقطيع الشرائح قبل أن ينصحه صديقان له بفتح شركته الخاصة، فصار ينام على أرضية المطبخ في مطعم فيلتمان لتوفير المال، حتى تمكن من افتتاح متجره الخاص عام 1916، على بعد عدة مبان من مكان عمله القديم، بقرض قيمته 300 دولار أميركي، مستخدمًا وصفة عائلة زوجته لصناعة النقانق التي باعها بسعر أقل من سعر فيلتمان ليجذب أكبر عدد من الزبائن.
وصار متجر ناثان الوحيد الذي يبيع النقانق الساخنة، بعد أن أغلق مطعم فيلتمان أبوابه للأبد عام 1954، حين باعت عائلة فيلتمان ممتلكاتها التجارية في أربعينيات القرن الماضي، خلال فترة الكساد العظيم والحرب العالمية الثانية. إلا أن رجلًا من عائلة كوين نجح في الحصول على الوصفة المنسية، من جده الذي كان موظفًا مخلصًا لعائلة فيلتمان، واشترى اسمهم التجاري عام 2015، ليتمكن أخيرًا من إعادة افتتاح المطعم الشهير في موقعه الأصلي نفسه عام 2017، وصار يبيع ما قد يكون أفضل "هوت دوغ" قد تتذوقه في حياتك.