يُشكّل الملصق الرسميّ الخاص بمهرجان "كانّ" السينمائي، كما بمهرجانات دولية أساسية وغير أساسية، حالة فنية مستقلّة بحدّ ذاتها، لأنها الانعكاس البصري الأول والأهم للمهرجان، ولمضمونه ولجوهر دوراته. حالة فنية مُثيرة للتكهّنات، إذْ تجعل كثيرين ينتظرون ما ستُسفر عنه لغة الإبداع البصري في ابتكار الصورة الأقدر على تقديم كل دورة بأفضل شكلٍ ممكن.
فبين استعادة ماضي السينما والتنبّه إلى راهن سينمائي، وإلى الأجواء العامة للمهرجان في كلّ دورة، تعجز التوقّعات عن مقاربةٍ مُسبقةٍ، تبقى بعيدةً عن النتاج النهائيّ للملصق المعتَمد.
للدورة الـ71 (8 ـ 19 مايو/أيار 2018) للمهرجان الدولي المنتظر (كانّ)، تمكّنت مُصمِّمة غرافيك شغوفة بالفن السابع تُدعى فلور ماكان (27 عامًا) من ابتكار الأجمل، بمنحها الملصق لمسة الـ"بوب" الخاصّة بها.
اختارت صورة فوتوغرافية التقطها جورج بيار (1927 ـ 2003) أثناء تصوير "بيارو المجنون" للفرنسي السويسري جان ـ لوك غودار (1930) عام 1965، يظهر فيها الثنائي آنا كارينا (1940) وجان ـ بول بلموندو (1933)، عندما يُطلّ كلّ واحد منهما من سيارته لتقبيل الآخر.
المعروف عن فلور ماكان انجذابها إلى عوالم مختلفة ومتكاملة، تتمثّل بثقافة الـ"بوب" والتصاميم الفنية والسينما. ولا تزال تعمل خارج أطر المؤسّسات والوظائف، فتعيد ـ غالبًا ـ تصميم ملصقات أفلام قديمة بتقنية الـ"ديجيتال"، وتتعامل مع شركات فرنسية وأميركية، كـ"يونيفرسال" و"آرتي" و"قناة باراماونت" وESPN وغيرها.
اقــرأ أيضاً
"إنه إعلان حبّ للسينما"، كما قيل مع الإعلان عن الملصق الرسمي للمهرجان قبل أسابيع قليلة. علمًا أن فلور ماكان أنجزت مرارًا ملصقات سينمائية عديدة لحساب "معهد لوميير" في المدينة الفرنسية "ليون" (حيث تُقيم منذ أعوام مديدة)، الذي يتبوّأ المندوب العام لمهرجان "كانّ" تييري فريمو (1960) فيه منصب المدير العام ومدير النشر: "تواصلنا، أحدنا مع الآخر، أكثر من مرة في وقتٍ سابق. لكننا لم نتكلّم مجدّدًا في مرحلة لاحقة"، تقول ماكان في تصريحات صحافية فرنسية مختلفة، مضيفة أن فريمو نفسه اتصل بها مطلع العام الجاري، طالبًا منّها التفكير بتصميمٍ "يُمكن تنفيذه"، فإذا بها تختار الصُورة والألوان، بعد تبادلها أفكارًا ونقاشات عديدة معه.
في الوقت نفسه، تؤكّد ماكان على اشتغالها لوحدها، بخصوص هذا الملصق. تشير إلى أن مهرجان "كانّ" راغبٌ في منح مُصمِّم الـ"غرافيك" حيّزًا خاصًا به للتعبير عن نفسه، في ابتكاره الملصق المطلوب. مع هذا، تتواصل ماكان ـ طوال الوقت ـ مع تييري فريمو، وتتحدّث معه ـ طويلاً ـ عن "البصريّات التي تؤثّر فينا". تقول: "هناك تجارب عديدة مع صُوَر أخرى وألوان أخرى. بصريات كثيرة تمّ تناولها. نحن نرغب في البحث في الاحتمالات كلّها، والرسائل كلّها، والأساليب الممكنة كلّها. بشكل عام، شعرتُ أني حرّة جدًا في عملي على هذا الملصق. لم تكن هناك حواجز، بل على العكس. التبادل بيننا سلسٌ بخصوص التصميم. كنت أعلم أن الهمّ الأساسي لدى إدارة المهرجان كامنٌ في ضرورة أن يتنفّس الملصق شغف السينما".
تعترف ماكان بمشاهدتها "بيارو المجنون" منذ وقتٍ بعيد، وبعدم مشاهدتها إياه مجدّدًا: "لكنه حضر في ذهني فور تكليفي العمل على تصميم الملصق"، فإذا بها تستعين بصُوَر فوتوغرافية مختلفة لجورج بيار، مختصّة بتصوير الفيلم: "ألوان الفيلم جميلة، والثنائي متحوّل حينها إلى أيقونة مثالية في المشهد الفرنسي". هذا تحريضٌ لها على اختيار تلك الصورة تحديدًا، والاشتغال عليها: "منجذبة إلى شعريتها وجمالها"، كما تقول، مضيفة أن "اختيار القبلة" يعكس ـ فعليًا ـ "حب السينما".
وعن إمكانية حضورها الدورة المقبلة للمهرجان، تقول فلور ماكان إنها لم تفكّر بالمسألة لغاية الآن، مشيرة إلى رغبتها في ذلك: "متأكّدة أنها ستكون لحظة انفعالية جميلة وقوية جدًا. بصفتي مُصمِّمة غرافيك "سينيفيلية"، هذه خطوة كبيرة".
أما "بيارو المجنون" ـ وهو إنتاج فرنسي إيطالي (1965) بلغت ميزانيته (بحسب القيمة الخاصة بعملة تلك الأيام) نحو 300 ألف دولار أميركي (شاهده في فرنسا مليون و310 آلاف و579 مُشاهدًا) ـ فيروي حكاية فردينان غريفون الذي يعيش حياة رتيبة مع زوجته وأولاده، مضفيًا عليها (الحياة الرتيبة) بعض السخرية المريرة، إثر خسارته وظيفته في التلفزيون. ذات مساء، بعد عودته من سهرة اجتماعية عادية للغاية عند عائلة زوجته، يكتشف أن جليسة أطفاله صديقة قديمة له تُدعى ماريان، فيُقرّر التخلّي عن كلّ شيء، والذهاب معها في رحلة كبيرة إلى جنوب فرنسا، حيث تختلط أمور عديدة: تجارة الأسلحة والمؤامرات السياسية واللقاءات المتنافرة، كما يتخلّلها توقّف في مدنٍ وبلدات ريفية، وتمزّقات انفعالية وعاطفية.
يُذكر أن السينمائي والكاتب الأميركي صامويل فولر (1912 ـ 1997) يظهر في بداية الفيلم: "طلب غودار مني أن أكون أنا نفسي في مشهد كوكتيل في "بيارو المجنون". كنت هناك أعمل على مشروع لم أتمكّن من إنجازه لاحقًا"، بحسب قول له في لقاء صحافي عام 1968. يُضيف: "العمل مع مخرج مثله رائع. تحديدًا: العمل معه يُشعرك بالحيوية. في ما يتعلّق بي، كنتُ أشعر فعليًا بالثقة".
المعروف أن جان ـ لوك غودار مُشارك في كتابة السيناريو مع ريمو فورلاني (1927 ـ 2009)، وهو مقتبس عن رواية "هاجس (شيطان الساعة 11)" للأميركي ليونيل وايت (1905 ـ 1985) صدرت ترجمتها الفرنسية عام 1963. لكن غودار قال يومها إنّ الاقتباس حرّ.
فبين استعادة ماضي السينما والتنبّه إلى راهن سينمائي، وإلى الأجواء العامة للمهرجان في كلّ دورة، تعجز التوقّعات عن مقاربةٍ مُسبقةٍ، تبقى بعيدةً عن النتاج النهائيّ للملصق المعتَمد.
للدورة الـ71 (8 ـ 19 مايو/أيار 2018) للمهرجان الدولي المنتظر (كانّ)، تمكّنت مُصمِّمة غرافيك شغوفة بالفن السابع تُدعى فلور ماكان (27 عامًا) من ابتكار الأجمل، بمنحها الملصق لمسة الـ"بوب" الخاصّة بها.
اختارت صورة فوتوغرافية التقطها جورج بيار (1927 ـ 2003) أثناء تصوير "بيارو المجنون" للفرنسي السويسري جان ـ لوك غودار (1930) عام 1965، يظهر فيها الثنائي آنا كارينا (1940) وجان ـ بول بلموندو (1933)، عندما يُطلّ كلّ واحد منهما من سيارته لتقبيل الآخر.
المعروف عن فلور ماكان انجذابها إلى عوالم مختلفة ومتكاملة، تتمثّل بثقافة الـ"بوب" والتصاميم الفنية والسينما. ولا تزال تعمل خارج أطر المؤسّسات والوظائف، فتعيد ـ غالبًا ـ تصميم ملصقات أفلام قديمة بتقنية الـ"ديجيتال"، وتتعامل مع شركات فرنسية وأميركية، كـ"يونيفرسال" و"آرتي" و"قناة باراماونت" وESPN وغيرها.
"إنه إعلان حبّ للسينما"، كما قيل مع الإعلان عن الملصق الرسمي للمهرجان قبل أسابيع قليلة. علمًا أن فلور ماكان أنجزت مرارًا ملصقات سينمائية عديدة لحساب "معهد لوميير" في المدينة الفرنسية "ليون" (حيث تُقيم منذ أعوام مديدة)، الذي يتبوّأ المندوب العام لمهرجان "كانّ" تييري فريمو (1960) فيه منصب المدير العام ومدير النشر: "تواصلنا، أحدنا مع الآخر، أكثر من مرة في وقتٍ سابق. لكننا لم نتكلّم مجدّدًا في مرحلة لاحقة"، تقول ماكان في تصريحات صحافية فرنسية مختلفة، مضيفة أن فريمو نفسه اتصل بها مطلع العام الجاري، طالبًا منّها التفكير بتصميمٍ "يُمكن تنفيذه"، فإذا بها تختار الصُورة والألوان، بعد تبادلها أفكارًا ونقاشات عديدة معه.
في الوقت نفسه، تؤكّد ماكان على اشتغالها لوحدها، بخصوص هذا الملصق. تشير إلى أن مهرجان "كانّ" راغبٌ في منح مُصمِّم الـ"غرافيك" حيّزًا خاصًا به للتعبير عن نفسه، في ابتكاره الملصق المطلوب. مع هذا، تتواصل ماكان ـ طوال الوقت ـ مع تييري فريمو، وتتحدّث معه ـ طويلاً ـ عن "البصريّات التي تؤثّر فينا". تقول: "هناك تجارب عديدة مع صُوَر أخرى وألوان أخرى. بصريات كثيرة تمّ تناولها. نحن نرغب في البحث في الاحتمالات كلّها، والرسائل كلّها، والأساليب الممكنة كلّها. بشكل عام، شعرتُ أني حرّة جدًا في عملي على هذا الملصق. لم تكن هناك حواجز، بل على العكس. التبادل بيننا سلسٌ بخصوص التصميم. كنت أعلم أن الهمّ الأساسي لدى إدارة المهرجان كامنٌ في ضرورة أن يتنفّس الملصق شغف السينما".
تعترف ماكان بمشاهدتها "بيارو المجنون" منذ وقتٍ بعيد، وبعدم مشاهدتها إياه مجدّدًا: "لكنه حضر في ذهني فور تكليفي العمل على تصميم الملصق"، فإذا بها تستعين بصُوَر فوتوغرافية مختلفة لجورج بيار، مختصّة بتصوير الفيلم: "ألوان الفيلم جميلة، والثنائي متحوّل حينها إلى أيقونة مثالية في المشهد الفرنسي". هذا تحريضٌ لها على اختيار تلك الصورة تحديدًا، والاشتغال عليها: "منجذبة إلى شعريتها وجمالها"، كما تقول، مضيفة أن "اختيار القبلة" يعكس ـ فعليًا ـ "حب السينما".
وعن إمكانية حضورها الدورة المقبلة للمهرجان، تقول فلور ماكان إنها لم تفكّر بالمسألة لغاية الآن، مشيرة إلى رغبتها في ذلك: "متأكّدة أنها ستكون لحظة انفعالية جميلة وقوية جدًا. بصفتي مُصمِّمة غرافيك "سينيفيلية"، هذه خطوة كبيرة".
أما "بيارو المجنون" ـ وهو إنتاج فرنسي إيطالي (1965) بلغت ميزانيته (بحسب القيمة الخاصة بعملة تلك الأيام) نحو 300 ألف دولار أميركي (شاهده في فرنسا مليون و310 آلاف و579 مُشاهدًا) ـ فيروي حكاية فردينان غريفون الذي يعيش حياة رتيبة مع زوجته وأولاده، مضفيًا عليها (الحياة الرتيبة) بعض السخرية المريرة، إثر خسارته وظيفته في التلفزيون. ذات مساء، بعد عودته من سهرة اجتماعية عادية للغاية عند عائلة زوجته، يكتشف أن جليسة أطفاله صديقة قديمة له تُدعى ماريان، فيُقرّر التخلّي عن كلّ شيء، والذهاب معها في رحلة كبيرة إلى جنوب فرنسا، حيث تختلط أمور عديدة: تجارة الأسلحة والمؤامرات السياسية واللقاءات المتنافرة، كما يتخلّلها توقّف في مدنٍ وبلدات ريفية، وتمزّقات انفعالية وعاطفية.
يُذكر أن السينمائي والكاتب الأميركي صامويل فولر (1912 ـ 1997) يظهر في بداية الفيلم: "طلب غودار مني أن أكون أنا نفسي في مشهد كوكتيل في "بيارو المجنون". كنت هناك أعمل على مشروع لم أتمكّن من إنجازه لاحقًا"، بحسب قول له في لقاء صحافي عام 1968. يُضيف: "العمل مع مخرج مثله رائع. تحديدًا: العمل معه يُشعرك بالحيوية. في ما يتعلّق بي، كنتُ أشعر فعليًا بالثقة".
المعروف أن جان ـ لوك غودار مُشارك في كتابة السيناريو مع ريمو فورلاني (1927 ـ 2009)، وهو مقتبس عن رواية "هاجس (شيطان الساعة 11)" للأميركي ليونيل وايت (1905 ـ 1985) صدرت ترجمتها الفرنسية عام 1963. لكن غودار قال يومها إنّ الاقتباس حرّ.