في عام 1959 فاز فريق تمثيل مسرح جامعة الإسكندرية بمسابقة كأس الجامعات، وكان من يرأسه، ويقوم بالدور الرئيسي لعروضه هو ممثل طويل وأصلع، يدعى سمير غانم. بعدها بعام واحد، انتقلت الجائزة للقاهرة حيث يرأس فريق تمثيلها شاب آخر صغير الحجم وخفيف الروح اسمه، الضيف أحمد. قبل أن تنتقل الجائزة عام 1961 وسط منافسة بين مسرح القاهرة والإسكندرية إلى فريق جامعة عين شمس، وكان يرأسه شاب قصير وممتلئ الجسد وذو ضحكة مميزة، هو جورج سيدهم.
سنوات الضوء والمجد
تلك المصادفة في انتقال الجائزة بين ثلاث جامعات، وفي التباين الجسماني بين رؤساء فرق التمثيل الثلاثة، كانت لتمرُّ بشكل عابر وتظل في نطاق الصدفة، لولا المخرج محمد سالم. إذْ كان يعمل في التلفزيون المصري بعد إطلاقه مباشرة، وفي لحظة كانت تسمح بالأفكار والتجريب والمحاولات. وعليه فقد رأى سالم تلك المفارقة بين غانم والضيف وسيدهم، وبأنَّهم ثلاثي يكمل كل منهم الآخر. جمعهم سالم في البداية في عمل استعراضي موسيقي يحمل اسم "دكتور الحقني" ( كتبه الشاعر حسين السيد، ولحنه محمد الموجي، وكانا من رموز الموسيقى المصرية حينها). وبعد النجاح الساحق لهذا العرض، قرر سالم أن يشاركهم أعمالاً أخرى. وقتها، أصبح اسمهم "ثلاثي أضواء المسرح"، وكان جورج سيدهم هو من اقترح هذا الاسم. لا يوجد أجمل من الستينيات في حياة هذا الثلاثي.
ومن الصعب جداً أن تجد فيلماً رومانسياً أو كوميدياً، لا يشترك فيه هذا الثلاثي بخفة ومرح وضحك. تمثيلهم وحضورهم في أفلام "القاهرة في الليل" (1963) و"30 يوم في السجن" (1966) و"شاطئ المرح" (1966) و"الزواج على الطريقة الحديثة" (1968) لا يُنسَى. ولكن، لم يكن الأمر مقتصراً على السينما فقط، فقد تنقَّلوا منها إلى المسرح، وإلى حفلات أضواء المدينة التي تشاهدها مصر كلها، ثم إلى التلفزيون والفوازير. كانوا جزءًاً من التكوين الثقافي المصري في تلك اللحظة، ويقدمون كوميديا متقدمة جداً عن زمنها. وبين الثلاثة، كان سيدهم هو الأكثر موهبة في التمثيل، بحسب وصف الكاتب محمود السعدني في كتابه "المضحكون"، إذْ كان يراه "صاحب موهبة نادرة، تؤدي الدور بسهولة، ولكنه السهل الممتنع".
اقــرأ أيضاً
رحيل الضيف
استمرت سنوات "الأضواء" تلك حتى عام 1970، حينها وقع حادث مفاجئ وصادم وفارق، إذْ توفي الضيف أحمد في أبريل/ نيسان من نفس العام. وفي الوقت الذي كان من المفترض أن يلتقي الثلاثي في المسرح ليلاً من أجل بروڤة عمل جديد، فوجئ جورج سيدهم بمكالمة من زوجة الضيف، تخبره بشكل مقتضب أنها في "مستشفى العجوزة وأن الضيف مات". كان الأمر عاصفاً على المستوى الإنساني، لم يستطع سيدهم العمل لمدة عام كامل. ولاحقاً ازداد الأمر صعوبة، إذْ توفّي في سبتمبر/ أيلول من نفس العام الرئيس المصري جمال عبد الناصر. وانحسر بعد ذلك دعم الدولة للأفلام أو المسرح في ظل أجواء الحرب. فأصبحت الأمور أكثر صعوبة، وانفتح عالم في شكل الإنتاج الخاص به. وسيدهم الذي تعود أن يكون جزءاً من فريقٍ ثلاثي في عالم مفتوح خلال الستينيات، صار عليه في السبعينيات أن يكون بمفرده ضمن عالم جديد لا يعرف عنه شيئاً.
خفوت تدريجي
الملفت للغاية، أنَّ محمود السعدني تنبأ بعد وفاة الضيف مباشرةً أن سيدهم سينجح في العمل وحده، وسيشق طريقه إلى القمة بسهولة، لأنه "ممثل عظيم"، في مقابل توقعه أن سمير غانم سيخفت تماماً، لأنه "ليس جورج ولا الضيف ولكنه معهم. ولكي يستمر يجب أن يكون مع أحد". ولكن العكس تماماً هو ما حدث، استطاع سمير غانم أن يجد طريقه، من أدوار ثانوية في أفلام مهمة، إلى أعمال مسرحية، إلى بطولة أفلام تحمل كوميديا مميزة تخصه. بينما كان سيدهم يعاني من الاكتئاب وقلة الحركة وصعوبتها. ظلَّ طوال السبعينيات يظهر في أدوار بسيطة، أو في أدوارٍ ثانويّة مع غانم في أعمال عديدة، أشهرها مسرحية "المتزوجون" عام 1975. ومع الوقت وعبر السنين، قلت ظهوراته، واقتصرت على مشهد أو اثنين في بعض الأفلام أو المسلسلات، لم ينجح في التكيف مع الأوضاع الجديدة، أو أن يعرفه الناس كجورج سيدهم (كما حدث مع سمير غانم)، وظل إلى الأبد مربوطاً بثلاثي أضواء المسرح الذين لم يعودوا ثلاثة. ولتكتمل القصة الحزينة لحياته، فقد أصيب في أواخر التسعينيات بجلطة في المخ نتيجة لمشاكل عائلية، نتج عنها شللٌ تامّ في جسده، أثر على كلامه ونطقه، وأدى لابتعاده الكامل عن الفن، وقضاء الـ 20 عاماً الأخيرة من حياته في غيابٍ على كرسي متحرك.
سنوات الضوء والمجد
تلك المصادفة في انتقال الجائزة بين ثلاث جامعات، وفي التباين الجسماني بين رؤساء فرق التمثيل الثلاثة، كانت لتمرُّ بشكل عابر وتظل في نطاق الصدفة، لولا المخرج محمد سالم. إذْ كان يعمل في التلفزيون المصري بعد إطلاقه مباشرة، وفي لحظة كانت تسمح بالأفكار والتجريب والمحاولات. وعليه فقد رأى سالم تلك المفارقة بين غانم والضيف وسيدهم، وبأنَّهم ثلاثي يكمل كل منهم الآخر. جمعهم سالم في البداية في عمل استعراضي موسيقي يحمل اسم "دكتور الحقني" ( كتبه الشاعر حسين السيد، ولحنه محمد الموجي، وكانا من رموز الموسيقى المصرية حينها). وبعد النجاح الساحق لهذا العرض، قرر سالم أن يشاركهم أعمالاً أخرى. وقتها، أصبح اسمهم "ثلاثي أضواء المسرح"، وكان جورج سيدهم هو من اقترح هذا الاسم. لا يوجد أجمل من الستينيات في حياة هذا الثلاثي.
ومن الصعب جداً أن تجد فيلماً رومانسياً أو كوميدياً، لا يشترك فيه هذا الثلاثي بخفة ومرح وضحك. تمثيلهم وحضورهم في أفلام "القاهرة في الليل" (1963) و"30 يوم في السجن" (1966) و"شاطئ المرح" (1966) و"الزواج على الطريقة الحديثة" (1968) لا يُنسَى. ولكن، لم يكن الأمر مقتصراً على السينما فقط، فقد تنقَّلوا منها إلى المسرح، وإلى حفلات أضواء المدينة التي تشاهدها مصر كلها، ثم إلى التلفزيون والفوازير. كانوا جزءًاً من التكوين الثقافي المصري في تلك اللحظة، ويقدمون كوميديا متقدمة جداً عن زمنها. وبين الثلاثة، كان سيدهم هو الأكثر موهبة في التمثيل، بحسب وصف الكاتب محمود السعدني في كتابه "المضحكون"، إذْ كان يراه "صاحب موهبة نادرة، تؤدي الدور بسهولة، ولكنه السهل الممتنع".
استمرت سنوات "الأضواء" تلك حتى عام 1970، حينها وقع حادث مفاجئ وصادم وفارق، إذْ توفي الضيف أحمد في أبريل/ نيسان من نفس العام. وفي الوقت الذي كان من المفترض أن يلتقي الثلاثي في المسرح ليلاً من أجل بروڤة عمل جديد، فوجئ جورج سيدهم بمكالمة من زوجة الضيف، تخبره بشكل مقتضب أنها في "مستشفى العجوزة وأن الضيف مات". كان الأمر عاصفاً على المستوى الإنساني، لم يستطع سيدهم العمل لمدة عام كامل. ولاحقاً ازداد الأمر صعوبة، إذْ توفّي في سبتمبر/ أيلول من نفس العام الرئيس المصري جمال عبد الناصر. وانحسر بعد ذلك دعم الدولة للأفلام أو المسرح في ظل أجواء الحرب. فأصبحت الأمور أكثر صعوبة، وانفتح عالم في شكل الإنتاج الخاص به. وسيدهم الذي تعود أن يكون جزءاً من فريقٍ ثلاثي في عالم مفتوح خلال الستينيات، صار عليه في السبعينيات أن يكون بمفرده ضمن عالم جديد لا يعرف عنه شيئاً.
خفوت تدريجي
الملفت للغاية، أنَّ محمود السعدني تنبأ بعد وفاة الضيف مباشرةً أن سيدهم سينجح في العمل وحده، وسيشق طريقه إلى القمة بسهولة، لأنه "ممثل عظيم"، في مقابل توقعه أن سمير غانم سيخفت تماماً، لأنه "ليس جورج ولا الضيف ولكنه معهم. ولكي يستمر يجب أن يكون مع أحد". ولكن العكس تماماً هو ما حدث، استطاع سمير غانم أن يجد طريقه، من أدوار ثانوية في أفلام مهمة، إلى أعمال مسرحية، إلى بطولة أفلام تحمل كوميديا مميزة تخصه. بينما كان سيدهم يعاني من الاكتئاب وقلة الحركة وصعوبتها. ظلَّ طوال السبعينيات يظهر في أدوار بسيطة، أو في أدوارٍ ثانويّة مع غانم في أعمال عديدة، أشهرها مسرحية "المتزوجون" عام 1975. ومع الوقت وعبر السنين، قلت ظهوراته، واقتصرت على مشهد أو اثنين في بعض الأفلام أو المسلسلات، لم ينجح في التكيف مع الأوضاع الجديدة، أو أن يعرفه الناس كجورج سيدهم (كما حدث مع سمير غانم)، وظل إلى الأبد مربوطاً بثلاثي أضواء المسرح الذين لم يعودوا ثلاثة. ولتكتمل القصة الحزينة لحياته، فقد أصيب في أواخر التسعينيات بجلطة في المخ نتيجة لمشاكل عائلية، نتج عنها شللٌ تامّ في جسده، أثر على كلامه ونطقه، وأدى لابتعاده الكامل عن الفن، وقضاء الـ 20 عاماً الأخيرة من حياته في غيابٍ على كرسي متحرك.