في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 1981، وبينما كان العالم يتابع تبعات اغتيال الرئيس المصري أنور السادات، كان الممثل والملحن المصري منير مراد مريضاً في فراشه. بعدها بـ11 يوماً رحل في بيته، ولم يشارك في جنازته إلا عدد قليل من المشيّعين، بينما اكتفت الصحف بمساحة صغيرة جداً في صفحاتها الداخلية تعلن فيه خبر الرحيل. فمن يهتمّ لوفاة ملحن وإن موهوب، بينما البلاد تغلي سياسياً من شمالها إلى جنوبها؟
اليوم يعود اسم منير مراد ورفيق دربه فتحي قورة، وذلك بسبب إعادة توزيع جزء من الأغاني التي عملا عليها، واستخدامها من قبل فرق وفنانين شباب، أو توظيفها في سياقات درامية مختلفة في الأفلام والمسلسلات المصرية.
كرّر مراد في مسيرته مغازلة محمد عبد الوهاب بأساليب مختلفة كوميدية، سواء في الأفلام أو في المقابلات. وقد كانت بداية هذا الغزل غير المباشر في واحد من أفضل ما قدمه منير مراد في السينما، أي "استعراض الكورة، يا حضرات المستمعين"، من فيلم "نهارك سعيد" (1955). أثناء هذا "الاسكتش" أو المشهد الطويل (7 دقائق)، وبينما يعلّق مراد موسيقياً على مباراة كرة قدم، ومن دون أي إنذار يقوم بتأدية المذهب الرئيسي من أغنية "انسى الدينا"، التي لحنها وغناها محمد عبد الوهاب في فيلم "رصاصة في القلب" (1944 ــ كلمات مأمون الشناوي).
تخلل الاسكتش أيضاً استعادة لأغنية "واحد اتنين"، التي غنتها شادية في فيلم "ليلة الحنة" (1951 ـ كلمات أبو السعود الأبياري وألحان منير مراد). وحتى اليوم، لا يزال هذا المشهد واحداً من أشهر ما قدمته السينما المصرية في تلك الفترة، وحمل إمضاء منير مراد وفتحي قورة بمساعدة مصمم الاستعراضات جان تيو، وتحت إشراف وإخراج فطين عبد الوهاب.
بعدها بـ 20 عاماً عاد نفس الثنائي (مراد ــ قورة) إلى "المزاح" مع عبد الوهاب، فقدّما استعراضاً يحاكي أوبريت "مجنون ليلى" التي لحنها عبد الوهاب، وغناها مع أسمهان. العمل الأصلي ظهر في فيلم "يوم سعيد" (1938)، وقام أحمد علام بدور "قيس"، وفردوس حسن بدور "ليلى"، وعباس فارس بدور "عم ليلى"، وشاركت أسمهان بصوتها فقط.
فما الذي فعله مراد وقورة؟ في بداية فيلم "البحث عن المتاعب" (1975)، تقدم صفاء أبو السعود أوبريت "مجنون ليلى"، بصحبة شفيق جلال "قيس"، ومحمود شكوكو "عم ليلى"، لكن مع كلمات ساخرة بدل الأصلية، ولحن شبيه بلحن عبد الوهاب مع إضافة لمسات شرقية وشعبية للّحن. لم يكتف الثنائي الساخر بهذ التعديلات، بل في منتصف الأغنية أدخلا كلمات من أغانٍ أخرى لحنها عبد الوهاب لليلى مراد.
هل كان عبد الوهاب وحده ضحية منير مراد؟ طبعاً لا، ففي فيلم "هارب من الزواج" (1964) بطولة فؤاد المهندس وشويكار، قدم الثنائي الدائم مراد وقورة أغنية "ياسو"، التي غناها فؤاد المهندس، في مشهد فرحه على الفتاة كاتينا (قامت بدورها الفنانة هيلين) على لحن يوناني. لكن كما هي عادته وفي منتصف الأغنية، يختار مراد "تويست" غريباً، فيدخل لحن كمال الطويل لأغنية "حكاية شعب" (1960 ــ غناء عبد الحليم حافظ وكلمات أحمد شفيق كامل)، بينما يغيّر قورة بعض كلمات أغنية حكاية شعب ويستبدلها بعبارات من وحي الفيلم: "هي حكاية حب ودار/ زي حكاية قهوة وبار/ حب كاتينا في شهر آذار".
الأمر نفسه كرره مراد وقورة مراراً مع محمد الموجي أيضاً، وغيره من الملحنين الكبار. لكن في عام 1961، تحوّل منير مراد (وهو شقيق ليلى مراد) إلى ملحّن "رصين" بعد تلحينه أغنية "بأمر الحب" لعبد الحليم حافظ، إثر خلاف هذا الأخير مع محمد الموجي على الأجر، وانسحاب الملحن الشهير من العمل.
ومن يراقب ألحان مراد يعرف أنه متأثر بأكثر من ملحن مصري. ولعل ما يوضح فهم منير لكل الملحنين في عصره أو من سبقوه هو قدرته المبهرة على تقليد أي واحد منهم بنجاح كبير: ألحان مبهجة في حال كان يقلد محمد فوزي، مقدمة موسيقية متشابكة في حالة السنباطي، وتراجع لصوت العود مع الشيخ زكريا أحمد مع تركيز على الصوت.