إذا بحثت في جميع المدن في العالم، ستجد لها قصصها الشعبية وأساطيرها. القصص الشعبية والأساطير التراثية موجودة في حياتنا كأنها مسلمات، كل مدينة في الوطن العربي لها قصصها الشعبية، التي تناقلتها أجيال عن أجيال، هي قصص مليئة بالخيال والفنتازيا تربينا عليها منذ الصغر. لم تكن القصص الشعبية وليدة لحظتها، ولكنها تراكمات قديمة من نصوص تراثية وأساطير عربية، بداية من ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة والقصص الشعبية القديمة، وحتى النصوص والقصص القرآنية ومعجزات الأنبياء وقصَّة أصحاب الفيل، والإسراء والمعراج، كلها قصص مبنية على فكرة الخيال والتخيُّل لما هو غير ممكن تصديقه أو تخيله في الظروف العادية. وكل ذلك يؤكد وجود مساحة من الخيال والفانتازيا في تاريخنا الشعبي والأدبي والديني. والسينما ما هي إلا مساحة من نقل وتأريخ للواقع والحياة في فترة زمنية، ربما كانت فترة زمنية في المستقبل البعيد، أو الماضي السحيق، مساحة من الخيال، كل ما يحدث هو محض خيال، والخيال مساحة لا حدود لها، تسمح لك بالتحرك بكل حريتك وإبداعك مهما كان، رغم وجود الخيال في ثقافتنا، ورغم وجود السينما في الوطن العربي منذ بداية انتشارها في العالم، لكن كانت دائماً سينمانا العربية تفتقد أفلام الخيال العلمي والفانتازيا والأساطير.
هذا يفتح تساؤلاً لماذا تفتقر السينما العربية لأفلام الخيال العلمي والفانتازيا؟ رغم توفّر الأساسيّات من خيال شعبي وأدبي، وصناعة السينما، ورغم المحاولات المحدودة والتي كانت تقدم باستحياء وعلى فترات مختلفة، وبمعالجات تفقدها روح الخيال العلمي والفانتازيا، إلا أنها لم تكن كافية لتقديم شكل يعتبر من أهم الأشكال السينمائية الناجحة والمحققة للإيرادات والجماهيرية.
كانت البدايات في منتصف الأربعينيات. وهي أفلام منحت خطا درامياً خيالياً جديداً يتفاعل مع الواقع الملموس. أخفت الشخص كي يتحرك وسط الناس بكل حرية مثل "طاقية الإخفاء" 1944، أو أظهرت مساحة لا نراها؛ مثل "سفير جهنم" 1945، وتجسيد يوسف وهبي لشخصية الشيطان، أو خلق مساحة من القوى الخارقة مثل فيلم "السبع أفندي" في بداية الخمسينيات.
سمات البداية كانت تقديم رسالة إنسانية وأخلاقية من وراء هذه الفانتازيا والخيال، أكثر من البحث عن أسئلة فلسفية، الفكرة فقط في تقديم خطوط درامية جديدة على المشاهد، وكعادة السينما العربية منذ بدايتها، كانت أفكار الأفلام أغلبها أفكارا قادمة من الغرب، بعد تمصيرها بشكل أو بأخر.
كانت سينما الخيال العلمي والفانتازيا، دائماً تتحّرك بعد العلم، لم تخلق عالمها الخاص، وتترك العنان للخيال، لكنّها تتأثر بالحياة العلمية في الخارج وتحاول نقلها، مثل ما حدث عند هبوط أوّل مركبة فضائية على القمر عام 1959. في نفس العام، قدم اسماعيل ياسين فيلم "رحلة إلى القمر"، وهو أول فيلم عربي يقدم فكرة الخيال العلمي، لكن في إطار كوميدي، لتظلّ فكرة المعالجة الكوميدية هي الناجحة في تقديم الخيال العلمي والفانتازيا في العالم العربي. فنجد أيضاً "المجانين الثلاثة" 1970 لفرقة الثلاثة أضواء المسرحية، قدموها قبل ذلك في عمل مسرحي تحت اسم "حدث في عزبة الورد"، والتي تقوم على تجربة علمية، وأيضاً "قاهر الزمن" 1987، أو فيلم "آدم والنساء" 1971، وأثر القنبلة النووية في شكل كوميدي اجتماعي.
ونجد أرض النفاق 1968 و"أونكل زيزو حبيبي" 1977، أو حتى فيلم "هاء" 1961، والذي يتحدث عن دواء يعيد الشخص إلى فترة شبابه، إلا أن المعالجة كانت كوميدية أيضًا.
إذاً، هذا النوع من السينما، يعيش في الكوميديا والرسالة الأخلاقية، أي تم دمج هذا النوع مع الأفلام الكوميدية، كشكل جديد للكوميديا، أو أفلام اجتماعية تناقش معضلة أخلاقية، مثل "جري الوحوش" 1987. وهنا اتجهت السينما إلى مساحة من التخيل المسموح به، التخيل في إطار ديني محدد له سلفاً الطريق والنهاية. كانت البداية مُبشّرة نوعاً ما، مثل "سفير جهنم" و"طريد الفردوس" 1965 لفريد شوقي، أو حتى في إطار كوميدي قصير ومسرحي مثل مسرحية سمير غانم وجورج سيدهم "روميو وجوليت" 1973.
اقــرأ أيضاً
عند طرح سؤال عن فقر السينما العربية لهذا النوع، تكون الإجابة معروفة ومعادة. ديباجة محفوظة تسرد بأكملها أو مقتطف منها، بداية من عدم وجود كتابة أدبية جيدة تصلح في هذا الاتجاه، أو ضعف الإمكانات المادية والسينمائية لصناعة فيلم يكون بقدر كافٍ من الجودة والإتقان، ونهاية بعدم الإقبال الجماهيري على هذا الشكل من الأفلام. بالطبع، هي مشاكل حقاً تواجه هذا الشكل من الأفلام، لكن هي فقط ما أدى إلى ذلك؟ أعتقد أنها أسباب غير كافية، أسباب ظاهرية أكثر مما هي أسباب حقيقية لها علاقة بصلب الموضوع.
الخيال العلمي والفانتازيا، بحث خارج حدود العقل البشري، حدود العلم المتاح، تجسيد المستقبل؛ مخاوفه وحروبه وهواجسه، ورفاهيته إن وجدت، وكل ذلك مبني على أسس علمية ولو بنسبة ضئيلة. البداية هي فتح باب التخيل، وهنا يصطدم الخيال بحدود الدين والمجتمع، حدود لا يمكن تجاوزها، لأنها معروفة ومسلم بها، مثل كيف تكون نهاية الكرة الأرضية "يوم القيامة"؟
كلها أمور يخاف المبدع أياً كانت وظيفته في العمل أن يقترب منها، وعندما يقترب منها، يكون لتقديم رسالة دينية أو أخلاقية، يتقرب منها في حدود المعروف منها والمسموح. هي تخيل لما هو يعرفه، وليس خيالا كامل التكوين، ربما كان فيلم "طريد الفردوس" هو أكثر الأعمال صدامية في تلك المنطقة، لكنها صدامية محددة وخادعة، وللأسف تمت معالجتها بشكل غير جيد، ولم يحقق نجاحاً أو شهرة.
كانت البدايات في منتصف الأربعينيات. وهي أفلام منحت خطا درامياً خيالياً جديداً يتفاعل مع الواقع الملموس. أخفت الشخص كي يتحرك وسط الناس بكل حرية مثل "طاقية الإخفاء" 1944، أو أظهرت مساحة لا نراها؛ مثل "سفير جهنم" 1945، وتجسيد يوسف وهبي لشخصية الشيطان، أو خلق مساحة من القوى الخارقة مثل فيلم "السبع أفندي" في بداية الخمسينيات.
سمات البداية كانت تقديم رسالة إنسانية وأخلاقية من وراء هذه الفانتازيا والخيال، أكثر من البحث عن أسئلة فلسفية، الفكرة فقط في تقديم خطوط درامية جديدة على المشاهد، وكعادة السينما العربية منذ بدايتها، كانت أفكار الأفلام أغلبها أفكارا قادمة من الغرب، بعد تمصيرها بشكل أو بأخر.
كانت سينما الخيال العلمي والفانتازيا، دائماً تتحّرك بعد العلم، لم تخلق عالمها الخاص، وتترك العنان للخيال، لكنّها تتأثر بالحياة العلمية في الخارج وتحاول نقلها، مثل ما حدث عند هبوط أوّل مركبة فضائية على القمر عام 1959. في نفس العام، قدم اسماعيل ياسين فيلم "رحلة إلى القمر"، وهو أول فيلم عربي يقدم فكرة الخيال العلمي، لكن في إطار كوميدي، لتظلّ فكرة المعالجة الكوميدية هي الناجحة في تقديم الخيال العلمي والفانتازيا في العالم العربي. فنجد أيضاً "المجانين الثلاثة" 1970 لفرقة الثلاثة أضواء المسرحية، قدموها قبل ذلك في عمل مسرحي تحت اسم "حدث في عزبة الورد"، والتي تقوم على تجربة علمية، وأيضاً "قاهر الزمن" 1987، أو فيلم "آدم والنساء" 1971، وأثر القنبلة النووية في شكل كوميدي اجتماعي.
ونجد أرض النفاق 1968 و"أونكل زيزو حبيبي" 1977، أو حتى فيلم "هاء" 1961، والذي يتحدث عن دواء يعيد الشخص إلى فترة شبابه، إلا أن المعالجة كانت كوميدية أيضًا.
إذاً، هذا النوع من السينما، يعيش في الكوميديا والرسالة الأخلاقية، أي تم دمج هذا النوع مع الأفلام الكوميدية، كشكل جديد للكوميديا، أو أفلام اجتماعية تناقش معضلة أخلاقية، مثل "جري الوحوش" 1987. وهنا اتجهت السينما إلى مساحة من التخيل المسموح به، التخيل في إطار ديني محدد له سلفاً الطريق والنهاية. كانت البداية مُبشّرة نوعاً ما، مثل "سفير جهنم" و"طريد الفردوس" 1965 لفريد شوقي، أو حتى في إطار كوميدي قصير ومسرحي مثل مسرحية سمير غانم وجورج سيدهم "روميو وجوليت" 1973.
عند طرح سؤال عن فقر السينما العربية لهذا النوع، تكون الإجابة معروفة ومعادة. ديباجة محفوظة تسرد بأكملها أو مقتطف منها، بداية من عدم وجود كتابة أدبية جيدة تصلح في هذا الاتجاه، أو ضعف الإمكانات المادية والسينمائية لصناعة فيلم يكون بقدر كافٍ من الجودة والإتقان، ونهاية بعدم الإقبال الجماهيري على هذا الشكل من الأفلام. بالطبع، هي مشاكل حقاً تواجه هذا الشكل من الأفلام، لكن هي فقط ما أدى إلى ذلك؟ أعتقد أنها أسباب غير كافية، أسباب ظاهرية أكثر مما هي أسباب حقيقية لها علاقة بصلب الموضوع.
الخيال العلمي والفانتازيا، بحث خارج حدود العقل البشري، حدود العلم المتاح، تجسيد المستقبل؛ مخاوفه وحروبه وهواجسه، ورفاهيته إن وجدت، وكل ذلك مبني على أسس علمية ولو بنسبة ضئيلة. البداية هي فتح باب التخيل، وهنا يصطدم الخيال بحدود الدين والمجتمع، حدود لا يمكن تجاوزها، لأنها معروفة ومسلم بها، مثل كيف تكون نهاية الكرة الأرضية "يوم القيامة"؟
كلها أمور يخاف المبدع أياً كانت وظيفته في العمل أن يقترب منها، وعندما يقترب منها، يكون لتقديم رسالة دينية أو أخلاقية، يتقرب منها في حدود المعروف منها والمسموح. هي تخيل لما هو يعرفه، وليس خيالا كامل التكوين، ربما كان فيلم "طريد الفردوس" هو أكثر الأعمال صدامية في تلك المنطقة، لكنها صدامية محددة وخادعة، وللأسف تمت معالجتها بشكل غير جيد، ولم يحقق نجاحاً أو شهرة.