أنجز المخرج والكاتب المسرحي السوري، عمر بقبوق، أخيراً مسرحيته "خيال كورديللو"، ليستعيد فيها تقليد مسرح الدمى "كراكوز وعواظ"، مستفيداً من تقنيات "فيديو السيلفي"، ليتركنا أمام عرض متعدد الوسائط، يقام في مكانين؛ الأول هو بيروت، في "زيكو هاوس" حيث أدى الشخصيات وحرك الدمى نادر عبد الحيّ، والثاني في سراقب السورية في صالة "باريش" حيث حرّك الدمى وأدى وليد أبو راشد. ما يجمع العرضين الذي صممت فضاءهما نور عويتي أن الجمهور يشاهد نهايات مختلفة للعرض عبر هواتفه النقالة، إذ تظهر شخصيات متعددة من أماكن متعددة لتلعب دور "السبعي" الذي لا نعرف من هو.
يتضح من اسم العرض أنه تحيّة للفنان السوري زكي كورديللو الذي اعتقله النظام السوري وابنه مهيار عام 2012، وما زال مصيرهما مجهولاً حتى الآن؛ فكورديللو، كان واحداً من الأسماء البارزة في مسرح خيال الظلّ؛ الشكل المسرحي الموجه للأطفال في الوقت الحاليّ، والذي كان سابقاً واحداً من أبرز أشكال الفرجة والنقد الاجتماعيّ.
يتبنى بقبوق في العرض خصائص عروض "كراكوز وعواظ" التقليديّة، لا تلك المتداولة حالياً، بل الأصلية، حيث السباب والبذاءة واللغة شديدة السوقيّة، والتي تميز الشخصيتين اللتين تؤديان حكاية الخوف من الاعتقال، ليختبئا بداية داخل خزان مياه فارغ، ثم يعتقل "كراكوز"، ثم يسافر خارجاً حيث يسكن "السبعي"، ليتحادث مع عواظ الذي سافر لمكان آخر بفعل الشتات عبر الفيديو تشات، قبل أن يصل "السبعي" في نهاية العرض ليحتل المشهد من خلال ظهوره بأشكال وقصص متعددة عبر شاشات هواتف الجمهور الذكية.
يحيل العرض إلى سياسات النظام لسوري المرتبطة بالاختفاء، وكيف "يتلاشى" أعداؤه، أو من يشكّ بتهديدهم له، ليبدو السوريون الخاضعون لسيادة النظام السوري خائفين، مُطيعين، كالممثلين أنفسهم في المسرحية، الذين لا نراهم، بل نرى ظلالهم تتحدث وتتحرك، أشبه بالكثير من السوريين الذين يعيشون في الخفاء ويظهرون للعلن، كما "السبعي"، فقط أمام الهاتف النقال، الذي يراه الجمهور على هواتفه النقالة، يخاطب كل فرد على حدة. الأهم أن "السبعي" تلعب دوره أربع شخصيات مختلفة، وكأن المختفين في الظل ليسوا أنماطاً وكتلة بشريّة متجانسة، بل مطاردين وهاربين مختلفين، كـ "السبعي" الذي تتعدد أوجهه وشخصياته ومكان وجوده.
التقت "العربي الجديد" عمر بقوق في مكان إقامته الجديد، باريس، وأكد رغبته بإعادة العرض مرة أخرى على نطاق أوسع، حيث سيقدم في مدن أكثر. سألناه عن العقبات التي واجهها حين أخرج عرضاً يدور في مكانين، وهو غير حاضر إلا في واحد منهما؛ فأجاب: "كانت الفكرة منذ البداية أن نخلق شرطاً مسرحياً جديداً يلائم واقع السوريين اليوم، فالمسرح فعل مدني، يتطلب الاستقرار والتمدن، وواقع السوريين اليوم في ظل الشتات يجعل تقديم عرض جديد للجمهور السوري أمراً صعباً؛ وذلك ما حدث معنا في العروض السابقة التي قدمتها في بيروت، حيث كانت غالبية الجمهور من اللبنانيين، وهو الأمر الذي جعلني أتعاون مع المخرجة اللبنانية لينا أبيض في العرض السابق (رجل الثلج المبني للمجهول)، لتلعب دور الدراماتورج اللبناني الذي يقوم بتقريب النص من الجمهور اللبناني قدر الإمكان. وبعدما لقي العرض مراجعات إيجابية من الجمهور اللبناني وسلبية من الجمهور السوري، أعدت التفكير في الأمر".
تابع: "سألت نفسي: كيف يمكن أن نقدم عرضاً للجمهور السوري اليوم؟ حاولت أن أستفيد من تقنيات وسائل التواصل الاجتماعي لأجمع الجمهور السوري في عرض واحد وبأماكن متعددة. وقد اخترت قضية العزلة التي يعيشها السوريون، أينما كانوا، سواء في الداخل أو المعتقلات أو دول اللجوء كموضوعة للعرض، ولجأت لشكل خيال الظل التقليدي، للتذكير بالفنانين المعتقلين في سورية، كزكي كورديللو وابنه، لأضفي نوعاً من الأصالة على العرض، ليبقى سورياً شكلاً ومضموناً".
أضاف بقبوق أن "عدم قدرتي على الحضور إلى أحد أماكن العرض شَكَّلَ عقبة بالتأكيد أمام تطوير العرض، ولم يكن من السهل إيجاد فنان موهوب وملتزم ولديه الرغبة والفضول لخوض التجربة، ولكن منذ أن بدأ وليد أبو راشد بالعمل معنا تمكنّا من اختصار المسافات، بالرغم من أن شروط العمل غير مثالية، ولكن كانت هناك رغبة مشتركة بخلق عرض سوري يخترق الحدود الجغرافية، وهذه الرغبة هي التي حملت العرض حتى النهاية".
اقــرأ أيضاً
يتضح من اسم العرض أنه تحيّة للفنان السوري زكي كورديللو الذي اعتقله النظام السوري وابنه مهيار عام 2012، وما زال مصيرهما مجهولاً حتى الآن؛ فكورديللو، كان واحداً من الأسماء البارزة في مسرح خيال الظلّ؛ الشكل المسرحي الموجه للأطفال في الوقت الحاليّ، والذي كان سابقاً واحداً من أبرز أشكال الفرجة والنقد الاجتماعيّ.
يتبنى بقبوق في العرض خصائص عروض "كراكوز وعواظ" التقليديّة، لا تلك المتداولة حالياً، بل الأصلية، حيث السباب والبذاءة واللغة شديدة السوقيّة، والتي تميز الشخصيتين اللتين تؤديان حكاية الخوف من الاعتقال، ليختبئا بداية داخل خزان مياه فارغ، ثم يعتقل "كراكوز"، ثم يسافر خارجاً حيث يسكن "السبعي"، ليتحادث مع عواظ الذي سافر لمكان آخر بفعل الشتات عبر الفيديو تشات، قبل أن يصل "السبعي" في نهاية العرض ليحتل المشهد من خلال ظهوره بأشكال وقصص متعددة عبر شاشات هواتف الجمهور الذكية.
يحيل العرض إلى سياسات النظام لسوري المرتبطة بالاختفاء، وكيف "يتلاشى" أعداؤه، أو من يشكّ بتهديدهم له، ليبدو السوريون الخاضعون لسيادة النظام السوري خائفين، مُطيعين، كالممثلين أنفسهم في المسرحية، الذين لا نراهم، بل نرى ظلالهم تتحدث وتتحرك، أشبه بالكثير من السوريين الذين يعيشون في الخفاء ويظهرون للعلن، كما "السبعي"، فقط أمام الهاتف النقال، الذي يراه الجمهور على هواتفه النقالة، يخاطب كل فرد على حدة. الأهم أن "السبعي" تلعب دوره أربع شخصيات مختلفة، وكأن المختفين في الظل ليسوا أنماطاً وكتلة بشريّة متجانسة، بل مطاردين وهاربين مختلفين، كـ "السبعي" الذي تتعدد أوجهه وشخصياته ومكان وجوده.
التقت "العربي الجديد" عمر بقوق في مكان إقامته الجديد، باريس، وأكد رغبته بإعادة العرض مرة أخرى على نطاق أوسع، حيث سيقدم في مدن أكثر. سألناه عن العقبات التي واجهها حين أخرج عرضاً يدور في مكانين، وهو غير حاضر إلا في واحد منهما؛ فأجاب: "كانت الفكرة منذ البداية أن نخلق شرطاً مسرحياً جديداً يلائم واقع السوريين اليوم، فالمسرح فعل مدني، يتطلب الاستقرار والتمدن، وواقع السوريين اليوم في ظل الشتات يجعل تقديم عرض جديد للجمهور السوري أمراً صعباً؛ وذلك ما حدث معنا في العروض السابقة التي قدمتها في بيروت، حيث كانت غالبية الجمهور من اللبنانيين، وهو الأمر الذي جعلني أتعاون مع المخرجة اللبنانية لينا أبيض في العرض السابق (رجل الثلج المبني للمجهول)، لتلعب دور الدراماتورج اللبناني الذي يقوم بتقريب النص من الجمهور اللبناني قدر الإمكان. وبعدما لقي العرض مراجعات إيجابية من الجمهور اللبناني وسلبية من الجمهور السوري، أعدت التفكير في الأمر".
تابع: "سألت نفسي: كيف يمكن أن نقدم عرضاً للجمهور السوري اليوم؟ حاولت أن أستفيد من تقنيات وسائل التواصل الاجتماعي لأجمع الجمهور السوري في عرض واحد وبأماكن متعددة. وقد اخترت قضية العزلة التي يعيشها السوريون، أينما كانوا، سواء في الداخل أو المعتقلات أو دول اللجوء كموضوعة للعرض، ولجأت لشكل خيال الظل التقليدي، للتذكير بالفنانين المعتقلين في سورية، كزكي كورديللو وابنه، لأضفي نوعاً من الأصالة على العرض، ليبقى سورياً شكلاً ومضموناً".
أضاف بقبوق أن "عدم قدرتي على الحضور إلى أحد أماكن العرض شَكَّلَ عقبة بالتأكيد أمام تطوير العرض، ولم يكن من السهل إيجاد فنان موهوب وملتزم ولديه الرغبة والفضول لخوض التجربة، ولكن منذ أن بدأ وليد أبو راشد بالعمل معنا تمكنّا من اختصار المسافات، بالرغم من أن شروط العمل غير مثالية، ولكن كانت هناك رغبة مشتركة بخلق عرض سوري يخترق الحدود الجغرافية، وهذه الرغبة هي التي حملت العرض حتى النهاية".
سألنا بقبوق أيضاً عن الجماليات التي كان يبحث عنها حين دمج شكلين من الاتصال في العرض (المشاهدة في الصالة وفيديو السيلفي). أجاب: "قبل 3 سنوات، أنجزت بحثاً عن فيديو السيلفي بدعم من اتجاهات – ثقافة مستقلة، التي دعمت العرض أيضاً، وحاولت في البحث أن أكتشف جماليات هذا الشكل الفني المحدث، الذي يقوم فيه المؤدي بجميع الأدوار (الكتابة، الأداء، الإخراج)، وعندما اخترت فكرة العزلة والتلاشي كموضوع للعرض، فإن فيديو السيلفي كان الأكثر ملاءمة للفكرة، فحضور الممثل على الشاشة وغيابه عن الخشبة، بعد تخفيه وراء الدمى والظلال، هو استعراض فني لثنائية الحضور والغياب، ناهيك عن التجربة التي حاولنا فيها أن نفتح أفقاً جمالياً من خلال شرط الفرجة، ما بين العرض الأصيل الحي، والعرض ما بعد الحداثوي الإشكالي بحضوره وغيابه. إنها تجربة، ربما تستمر بعروض أخرى، ومن خلال إضافة أشكال فنية أخرى لتطوير شكل المسرح الذي نسعى لتقديمه".