أفيال ناميبيا... تصدير غير قانوني إلى الإمارات

تحقيق

أندريا يوتي

أندريا جيلوتي
أندريا يوتي
صحافي إيطالي من فريق The New Arab
تحقيق

إد كارون

إد كارون
إد كارون
صحافي من فريق The New Arab
تحقيق

نادين طلعت

نادين طلعت
نادين طلعت
صحافية من فريق The New Arab
تحقيق

جون جروبلر

جون جروبلر
جون جروبلر
صحفي استقصائي ناميبي
تحقيق

تابيثا ساندرز

تابيثا ساندرز
تابيثا ساندرز
صحافية مستقلة تقيم في واشنطن
02 أكتوبر 2022
أفيال ناميبيا... كيف انتهى المطاف بها في الإمارات؟
+ الخط -

يكشف التحقيق عن انتهاك عملية بيع أفيال ونقلها من ناميبيا إلى الإمارات، لمبادئ اتفاقية الاتجار الدولي بالأنواع المهدّدة بالانقراض (سايتس)، والتي تحث على عدم انتزاع الحياة البرية من بيئاتها الطبيعية وبقائها في موائلها.

- تمتد حديقة سفاري الشارقة على رقعة من ثمانية كيلومترات مربّعة، ما جعل القائمين عليها يصفونها بـ"أكبر سفاري في العالم خارج أفريقيا"، إذ تتسع لنحو 50 ألف حيوان من 120 فصيلة مختلفة، وتعِد الحديقة الجمهور بـ"محاكاة أصقاع أفريقيا الحقيقية" في قلب الصحراء العربية.

ويضم حوز الأفيال بالحديقة، والمسمّى "وادي النيجر"، 13 فيلًا أفريقيًّا برّيًّا، تراها معًا تحت أفياء مظلّات كبيرة، حيث راحتها الوحيدة من أشعة الشمس الساطعة، ومن حرارةٍ قد تناهز الـ 50 درجة مئوية خلال أيام الصيف العادية في الإمارات.

وتُعد تلك الأفيال جزءاً من مجموعة برية أكبر صُدِّرت من ناميبيا إلى الإمارات في مارس/ آذار من هذا العام، وتحديدًا من موطنها الطبيعي في كامنجاب، شمال غربي ناميبيا، بعد صيدها مطلع سبتمبر/ أيلول 2021، ثمّ احتجازها لستة أشهر في الحجر الصحي.

وخُدّرت الأفيال قبل تحميلها في حاويات شحن ونقلها على متن طائرة إلى وجهتها الأخيرة، حديقة سفاري الشارقة، وحديقة العين للحيوانات في أبوظبي، المملوكتين للدولة، والمروج لهما على أنهما ضمن جهود الإمارات الأوسع للحفاظ على الحياة البرية؛ لكن عملية البيع تلك لم تخدم سوى غايات تجارية تحت غطاء الحفاظ على الحياة البرية، وانتهكت أيضًا مبادئ توجيهية دولية تحث على عدم انتزاع الحياة البرية من بيئاتها الطبيعية، كما يكشف التحقيق.

الصورة
حوز الأفيال
حوز الأفيال المسمّى "وادي النيجر" في سفاري الشارقة (العربي الجديد)

البحث عن الربح

يأتي الاتجار بالحيوانات البريّة في المرتبة الرابعة عالميًا من حيث أكثر أنواع التجارة غير المشروعة درًّا للأرباح في العالم، بقيمة تقدّر بنحو 15 مليار دولار أميركي سنويًّا، وبينما تُقدّم ناميبيا على أنها دولة ذات سياسات استثنائية لإدارة الحفاظ على الحيوانات البرية، ومن الممكن استنساخ نموذجها عبر القارة الأفريقية، لكنها خففت في الآونة الأخيرة القواعد المتعلقة بصيد وبيع الحيوانات البرية، إذ أعلنت في الثالث من ديسمبر/ كانون الأول 2020، عن مزاد لبيع 170 فيلًا "تسبب المشكلات للسكان"، على أن تُقدم العروض حتى موعد أقصاه 29 يناير/ كانون الثاني 2021، وحددت وزارة البيئة والغابات والسياحة متطلّباتها باصطياد عائلات الحيوانات مجتمعة، وعلى يد محترفين مؤهلين، وباتباع كلّ القواعد الإرشادية الدولية.

الصورة
مزاد
إعلان عن مزاد بيع الأفيال الناميبية (العربي الجديد)

وفي 15 فبراير/ شباط 2022 أعلنت الوزارة رسميًّا أن 57 من الـ 170 فيلًا بيعت إلى مزايدين فائزين، 37 منها استُلم ثمنها بالفعل، بما فيها الـ 22 فيلًا المرصودة للإمارات، وتقدّر قيمة الصفقة بالمجمل بنحو 50 مليون دولار ناميبي (2.76 مليون دولار أميركي)، كما يقول تاجر حيوانات بريّة من جنوب أفريقيا لـ"العربي الجديد"، مشترطًا عدم الكشف عن اسمه، مضيفًا: "هذا المبلغ معقول بالقياس إلى عدد الأفيال".

الصراع على المياه

يقول نائب مسؤول إدارة الموارد الطبيعية في وزارة البيئة والغابات والسياحة كولغار سيكوبو إن عدد الأفيال في ناميبيا ارتفع من 7000 في عام 1995 إلى 16 ألفًا بحلول 2004؛ ثم إلى 24 ألفًا في 2019، في ردّه على أسئلة للصحافي الناميبي جون غوبلر، وهو أحد معدّي التحقيق.

و"ينمو مجتمع الأفيال بنحو 3.3% سنويًّا"، كما يقول سيكوبو، لكن نسبة نمو تناهز 3.3% على مدار 24 عامًا، بدءًا من 1995، ستكون نتيجتها نحو 15 ألف فيل في المجموع وليس كما ذكر، إذ تمثّل الأرقام التي استشهد بها سيكوبو نموًّا مرتفعًا بنسبة 5.3% القريبة من الحد النظري الأقصى للنمو لفصيلة الأفيال الأفريقية، والبالغ 7%.

تبرر الحكومة الناميبية بيع الأفيال بارتفاع مخاطر احتكاكها بالسكان

وتحتاج الأرقام الحكومية الرسمية إلى التدقيق فيها، إذ شهدت الأفيال الناميبية تعدّيًا بشريًّا متزايدًا على موطنها، وجفافًا يتكرر مرّة كل جيل، وهو ما لا يحاكي الظروف المثالية التي تحتاجها للتكاثر، من أمطار غزيرة وسلام بعيدًا عن إزعاج البشر.

وإذا ما قارنّا تلك الأرقام بما نراه في كينيا، حيث يفاخر المسؤولون بتحقيق نجاح كبير في تقييد الصيد الجائر وزيادة قطعان الأفيال لديها؛ من ذروة الصيد الجائر في 2014 إلى 36 ألفًا و280 فيلًا في 2021، نجد أنها تعادل نسبة نمو بمقدار 2.76% سنويًّا، أي نحو نصف نسبة النمو المفترضة في ناميبيا.

زيادة على ذلك، فإن ناميبيا معروفة بامتلاكها عددًا صغيرًا وفريدًا من الأفيال "المتكيفة مع الصحراء"، والتي تطوف جداول الأنهار سريعةَ الزوال في منطقة كونين، حيث كامنجاب.

في تعليله أسباب نزع الأفيال من منطقة كامنجاب يقول مدير العلاقات العامة في وزارة البيئة والغابات والسياحة روميو مايوندا، لـ"العربي الجديد": "حساباتنا تستند إلى القدرة الاستيعابية للمنطقة إزاء عدد الحيوانات. السبب وراء اختيار تلك المنطقة تحديدًا، ومن ضمنها كامنجاب، هو عدد الأفيال الكبير جدًّا هناك".

لكن في المقابل، أظهرت الدراسات البيئية أن عدد الأفيال "المتكيفة مع الصحراء" في تلك المنطقة تراجع بشكل حاد في الأعوام الأخيرة، بسبب الجفاف الشديد والصيد وسوء إدارة الحماية البيئية، وعملية التصدير من شأنها أن تهدد وجود تلك المجموعة.

وتؤكد الحكومة الناميبية أن الدافع وراء بيع أفيال البلاد البريّة هو ارتفاع الاحتكاكات الخطرة بينها وبين السكان عبر البلاد، وهو ما يتعارف على تسميته بـ"صراع الأفيال والبشر"، إذ تزعم الحكومة الناميبية أن الأفيال في الأقاليم التي أُخذت منها دُفعت بفعل الجفاف إلى المناطق الزراعية بحثًا عن الماء، ملحقة أضرارًا بالبنية التحتية والمحاصيل، ومشكّلة تهديدًا للمزارعين المحليين.

وتقول غيل تومسون، المستشارة لدى غرفة البيئة في ناميبيا، إنه "مع وجود 180 مزرعة يقدّر أنها تأثرت بحركة الأفيال يمكن أن تصل كلفة الأضرار في البنية التحتية إلى 9 ملايين دولار ناميبي (498 ألف دولار)؛ بالاستناد إلى تقديرات معتدلة تعادل 50 ألف دولار ناميبي للمزارع في السنة".

الصورة
أفيال 4

لكن مزيدًا من المقارنة مع كينيا يطرح تساؤلات حول صحة كون "صراع الفيلة والإنسان" الدافع وراء البيع، ففي كينيا ثمة عدد أكبر من الأفيال (36.280 فيلًا في 2021) في مقابل (24.000 فيل ناميبي في 2019)، وعدد أكبر بكثير من البشر يصل إلى 53.77 مليون نسمة في كينيا مقابل 2.54 مليون نسمة في ناميبيا يعيشون في رقعة أكبر بمساحة 824.292 كم²، بينما مساحة كينيا 580.367 كم²؛ ومع أنهم يواجهون صعوبات في إدارة الحيوانات البرية، فإنهم لم يلجؤوا إلى التخلص من الأفيال، كما أنه بينما تحظر كينيا الصيد الترفيهي تسمح ناميبيا بذلك.

ويطعن دعاة الحفاظ على البيئة وخبراء الحيوانات البريّة كذلك بادعاءات الحكومة الناميبية بتفاقم "صراع الأفيال والبشر"، ويعتقدون أنها مجرد رواية للتغطية على البيع المدفوع بغايات مالية.

في حالات كتلك، فإن لوائح وبروتوكولات الحفاظ على الحياة البرية في معاهدة الاتجار الدولي بالأنواع المهددة بالانقراض (سايتس)، وهي المعاهدة الدولية الرئيسية الوحيدة بشأن الاتجار بالحيوانات البرية الموقّع عليها من قبل ناميبيا والإمارات، تنص على أن مجموعات الأفيال التي تحدث المشكلات يجب أن تُنقل داخل البلد نفسه، أو على الأقل في مناطق جنوب القارة الأفريقية؛ وأن المساحات البريّة أو المحميات الخاصة يجب أن تكون وجهتها النهائية، حتى تبقى الأفيال قريبة من موطنها الأصلي قدر الإمكان، وهو ما يسمى بحماية الحيوانات البرية في مكانها الأصلي.

وفي حالة الأفيال المرسلة إلى الإمارات، تقول تومسون إن عمليات النقل المحلية كان يمكن أن تكون خيار الوزارة الأول، إذ علم "العربي الجديد" أن عدة عروض قدّمت إلى الوزارة لإعادة نقل الأفيال داخل ناميبيا، ومن بينهم عرض روب روي رومي، ولاورا ماكلستر براون، وهما باحثان أميركيان يرأسان مشروع الحفاظ على أفيال الصحراء الناميبية، وقد درسا قطعانها منذ عقود، وحينما طرحت الحكومة المزاد، قدّما عرضًا لإعادة توطين قطعان كامنجاب "المسبّبة للمشكلات" غربًا، بهدف تعزيز تجميع جينات القطعان هناك، لكنهما لم يتلقّيا أي جواب من الوزارة.

لدى سؤاله حول المنظمات غير الحكومية والجهات التي عرضت نقل الأفيال، كان تفسير مسؤول الموارد البشرية في الوزارة مايوندا أن العروض وصلت متأخرة جدًّا، وتساءل: "لماذا ينتظرون حتى تتخذ الحكومة قرارًا بإعلان مزاد؟ إشكاليات الصراع بين الإنسان والحيوانات البرية ما زالت مستمرة في اللحظة التي نتحدث فيها".

وفي أواخر يوليو/ تموز زار "العربي الجديد" المناطق الزراعية في كامنجاب للتحدث إلى المزارعين وغيرهم من أفراد المجتمع حول تجربتهم مع "صراع الأفيال والبشر"، وما إذا كانوا يرغبون في إقصاء الأفيال أم لا.

الصورة
أفيال 5
الأفيال خلال بحثها عن المياه في المزارع (العربي الجديد)

خلال 32 مقابلة أجريت كانت ثمة نقاط تتكرر مرارًا: يواجه المزارعون مشكلة مياه، لكن الصراع مع الفيلة هو أحد أعراض الأمر وليس المسبب الرئيسي للأمر؛ ثانيًا لا يحصل المزارعون على مساعدة كافية من الحكومة؛ ثالثًا تتسبب الأفيال بإصابات للناس فقط حينما يتصرّفون إزاءها بعدوانية من البداية؛ رابعًا هم لا يريدون رحيل الأفيال، ليس لأسباب عاطفية وحسب، بل لأن وجودها يجذب السياح.

واتسمت سنوات الجفاف العشر الأخيرة بكونها قاسية للغاية على أهالي المنطقة، بمن فيهم أرون إيكوروا، وهو مزارع من دريهوك أوبستال نفقت جميع أبقاره، ووجد نفسه الآن مجبرًا على الاكتفاء بتربية الماعز وحدها، والتي تشرب كميات أقل من الماء ولكنها تجلب أيضًا أموالًا أقل.

وكافحت الأفيال بدورها أيضًا خلال سنوات الجفاف، إذ اندفعت مرغمة إلى برك المياه العذبة، مثل الصهاريج الخرسانية الكبيرة المفتوحة من الأعلى، والتي يضخّ المزارعون المياه فيها ويسمونها بـ"السدود"، وتأتي الأفيال من أجل الشرب، ثم تغادر من دون إحداث أضرار، رغم أن هذا بحد ذاته يمثّل مشكلة، إذ يجبر مزارعين مثل إيكوروا على استخدام المزيد من وقود "الديزل" الشحيح أصلًا: "تشتري الديزل (لتضخ المياه) للماعز، ثم تأتي الأفيال وتشرب المكان بأكمله".

وتزداد الأمور سوءًا حينما تصطحب الأفيال صغارها التي لا تستطيع بلوغ فوّهة الصهريج: "الأفيال الكبيرة تمد خراطيمها وتشرب، لكن حين تكون مع الأفيال الصغيرة التي لا تستطيع الوصول إلى الأعلى، فإنها تسحب الأنبوب خارجًا وتتدفق المياه كلها إلى الخارج"، كما يقول مايكل ناوتيب من مزرعة "دريهوك بوس إين".

وتحوي مزرعة ناوتيب نقطة مياه تابعة للحكومة دمّرتها الأفيال في الليلة التي سبقت زيارة "العربي الجديد". تمامًا كما يحدث في كل مرة، كان عليه إصلاحها بنفسه، من دون أي مساعدة مالية من الحكومة. ويقول "لم نتلق أي مساعدة من أي أحد، تخيّلوا أن تتكرر هذه الأضرار لمدة 20 عامًا".

وتوضح ليديا برومر؛ وهي شريكة في ملكية نزل "هواب فالي"، حيث تصطحب السياح في رحلات استكشاف للحياة البرية؛ والفيلة هي عامل الجذب الرئيسي لهم، أنه "لو توفّرت نقاط مياه من أجلهم، ليكون بوسعهم الشرب والانتعاش، أشكّ في أن صراعات كتلك كانت ستحدث بالفعل".

وكانت مزرعة "روسبورت"، التي تديرها عائلة أويراس المكان الوحيد الذي واجه فيه "العربي الجديد" مشاعر معادية للأفيال بالكامل، إذ تقول سالونيكا أويراس إن الأفيال حطمت خزان المياه الذي تمتلكه، وداهمت مرارًا مزرعة الخضراوات.

ومن المفترض أن يذهب قسط من الأموال المكتسبة من الحيوانات البرية في ناميبيا إلى الصندوق الائتماني لمنتجات الطرائد، بحيث يتم إنفاقه في مساعدة الناس في مناطق الطرائد على التعايش مع الحيوانات البرية، وبحسب بيان صادر عن وزارة البيئة والغابات والسياحة في 15 فبراير/ شباط هذا العام، فقد تم دفع 4.4 ملايين دولار ناميبي (243 ألف دولار أميركي) من مبيعات الأفيال هذه إلى الصندوق الائتماني.

رغم ذلك، فإن العديد من المزارعين الذين تحدث معهم "العربي الجديد" قالوا إنهم لا يتلقّون حاليًّا أي مساعدة من الحكومة، ولم يسمعوا عن الصندوق الائتماني المذكور.

استملاك عائلات كبيرة بسرعة كبيرة

سعى معدّو التحقيق إلى الحصول على رد من رئيسة وحدة معاهدة الاتجار الدولي بالأنواع المهددة بالانقراض في وزارة البيئة والمياه الإماراتية منى الشامسي، ورئيسة دائرة الاتصالات في هيئة البيئة والمحميات الطبيعية الإماراتية في الشارقة حصة الشامسي، ورئيسة الهيئة هناء سيف السويدي، والمكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، والمدير العام لحديقة العين للحيوانات مبارك الهاجري، ورئيسة الخدمات البيطرية في هيئة البيئة جين باد، ووزيرة التغير المناخي والبيئة مريم بنت محمد المهيري، ومسؤول التثقيف في سفاري الشارقة دانييل أولوغلين، لكن لم يتلقّوا أي رد.

مالك حديقة " Maguari-One"، الشركة التي جرى التعاقد معها لتصميم حديقة سفاري الشارقة، هو مواطن هولندي واسمه كوين بروير، وهو أيضًا الرئيس السابق للجمعية الأوروبية لحدائق الحيوان والأحواض السمكية، وتضمنت تصميمات بروير سياج "وادي النيجر" للأفيال في الحديقة، لكنه لم يكن بدوره أيضًا متاحًا للتعليق حتى وقت النشر.

واعتمدت حديقة العين من قبل الجمعية الأوروبية المذكورة، في حين تأمل سفاري الشارقة، وفق تقارير، أن تصبح عضوًا، وبحسب مصادر متعددة، فقد شارك مشغّل حديقة حيوانات هولندي آخر، هو بول فيركامن، في عملية اتخاذ القرار، ويعد فيركامن مدير العمليات في مركز حماية وإكثار الحيوانات العربية المهددة بالانقراض، التابع لهيئة البيئة والمحميات في الإمارات، وهو أيضًا عضو في مجلس الجمعية الأوروبية ذاتها، ولم يكن فيركامن أيضًا متاحًا للتعليق حتى وقت النشر.

لكن مدير الاتصالات في الجمعية الأوروبية لحدائق الحيوان دافيد ويليامز ميتشيل صرّح، لـ"العربي الجديد"، بأن الجمعية "تتكون من مؤسسات، لا أفراد"، مردفًا: "ليس لدينا تفويض بالتحقيق في أفعال الأشخاص الذين يعملون لفائدة أعضائنا ما لم تكن أفعالهم تتم بشكل جليّ نيابة عن عضو بعينه".

أثناء التخطيط لاقتناء الأفيال الأفريقية تجاهلت حدائق السفاري الإماراتية تحذيرات من جمعيات حدائق حيوان معتمدة مثل الهيئة الأوروبية، وهمّشتها في عملية صناعة القرار.

ويقول منسق برنامج الفيلة المنقولة خارج بيئتها الأصلية في الهيئة الأوروبية لحدائق الحيوان أرني لورنز، لـ"العربي الجديد"، إنه في حدود عام 2019 اتصل به مدير علوم الحياة في حديقة العين مارك كريغ، ويؤكد لورنز أنه أوضح للأخير بشكل قاطع أنه "ليست ثمة عمليات توريد (من أفريقيا) ضمن برامج استيلاد وتربية حيوانية"، ويشرح لورنز أن الهيئة الأوروبية استوردت بالفعل أفيالًا في السابق، لكن برامج الاستيلاد والتربية لم تكن ناجحة، ولم يكن مارك كريغ متاحًا للتعليق حتى وقت النشر.

وعلى عكس الحيوانات الأفريقية تأقلمت الأفيال الآسيوية بشكل جيد في منشآت الهيئة الأوروبية، وفق لورنز، لدرجة أنهم اضطروا لوقف تكاثرها من أجل تجنب الاكتظاظ، واقترح لورنز بشكل غير رسمي على كريغ وفيركامن نقل الأفيال الآسيوية إلى حدائق الحيوان الإماراتية، لكنه أبلغ بأنهم معنيّون فقط بالأفيال الأفريقية.

تبدو تلك الثيمة الأفريقية، المدفوعة بغايات سياحية، للحديقيتن الإماراتيتين أكثر أهمية من نجاح برامج الاستيلاد والتربية. لذلك، كانت حدائق الحيوان الإماراتية مستعدة لدفع ثمن باهظ. يلخّص لورنز "فلسفة" ما جرى في مقولة: "لدي المال، وأريد الحصول عليها (الأفيال)، ولا أكترث إن كان ذلك سينجح". النتيجة كانت صفقة مربحة أنجزت عبر وسطاء بدلًا من التبادل غير التجاري بين حدائق الحيوانات.

الصورة
سفاري الشارقة
خريطة سفاري الشارقة في الإمارات (العربي الجديد)

كان واضحًا كذلك منذ البداية أن حدائق الحيوان الإماراتية كانت معنية باستملاك عائلات كبيرة من ذوات الأنياب العاجية في أقرب وقت ممكن، ولم تكن في وارد العمل على إنتاجها عبر برامج استيلاد وتربية، يقول لورنز: "لقد طلبوا عائلات كبيرة، ونحن لا نمتلك عائلات في هذه اللحظة ضمن برامج الاستيلاد، لذا قلنا إن لدينا بعض الإناث الأكبر سنًّا، وربما عندنا مجموعات متاحة من المرشحين للتزاوج. إلا أن هذا يستغرق وقتًا، إذ عليك أن تسجل في قائمة انتظار، لكنهم أرادوا فقط الأفيال وقد بنوا كل شيء بشكل مسبق". ويشتكي لورنز من أن حديقة العين للحيوانات كانت تتملّص في الفترة التي سبقت الاستيراد، وأنه علم بالأمر حينما صار واقعًا.

لم توافق الهيئة الأوروبية على مشاركة الشكويين الداخليتين اللتين قدّمهما لورنز بشأن حديقة العين مع معدي التحقيق، وبعد أشهر من الأخذ والرد مع الهيئة، والتي واصل "العربي الجديد" خلالها مشاركة المعلومات ومساءلة أدوار بعض أعضائها في تلك الصفقة، قررت الهيئة الأوروبية وقف عضوية حديقة العين في 15 من سبتمبر/ أيلول.

بيان الهيئة الأوروبية أكد أن عملية استيراد الأفيال الناميبية تضمنت "انتهاكات متعددة" لقواعد الهيئة. أشارت الهيئة كذلك إلى نقص الشفافية، وإلى قرار المضي قدمًا في الاستيراد رغم معارضة الهيئة الأوروبية، باعتبارهما سببين آخرين في إنهاء عضوية حديقة الحيوان الإماراتية.

قد يتمّ إنهاء العضوية رسميًّا مع نهاية هذا العام، لكن لحديقة العين الحق في الاستئناف. وقد يُعلن أيضًا عن مزيد من الإجراءات بحق بعض أعضاء الهيئة الأوروبية في الاجتماع السنوي للجمعية المقرر في 30 سبتمبر/ أيلول، بحسب مصادر التحقيق.

انتهاك للمعاهدات الدولية

في أغسطس/ آب من عام 2019 صوّت 183 عضوًا في معاهدة "سايتس" تأييدًا لقرار بوقف عمليات تصدير الأفيال الأفريقية الحية، لكن ناميبيا صوّتت ضد القرار الذي أقر بأغلبية الثلثين، وبعد عام واحد أعلنت ناميبيا عن خططها لاصطياد 170 فيلًا بريًّا وبيعها في المزاد.

لم يكن هذا التصرف غريبًا على ناميبيا؛ فقد باعت في السابق أفيالًا برية للمكسيك وكوبا. وتقود زمبابوي الأجندة المؤيدة للتجارة في المنطقة، مع عمليات تصدير لـ 140 فيلًا إلى أسوجة مغلقة غير مفهومة في الصين على مدى سبع سنوات. مع ذلك، فإن تلك الصفقات أجريت قبل القرار الذي صدر في 2019، وأكد أن تلك التبادلات لم تكن ولا يمكن أن تكون في مصلحة الحيوانات.

الصورة
أفيال 6
الفيلة الناميبية في سفاري الشارقة (العربي الجديد)

كل الأصناف التي تشملها معاهدة "سايتس" مدرجة في ثلاثة ملاحق يتوافق كل منها مع مستوى الحماية المطلوب، بحيث يشمل الملحق الأول الأصناف الأكثر عرضة للخطر. وبالنظر لكونها أكبر كمًّا وأن أعدادها أكثر استقرارًا، تندرج الأفيال الناميبية ضمن الملحق الثاني، ما يعني أنها "ليست بالضرورة مهددة بالانقراض، ولكن ينبغي التحكم في الاتجار بها لتجنب استخدامها بشكل غير متناسب مع قدرتها على النجاة".

ويتيح الملحق الثاني الاتجار بالحيوانات البرية، لكن التعديل الذي أقرّ في 2019 يمنع بشكل صريح تصدير الأفيال من ناميبيا، فضلًا عن بوتسوانا وزمبابوي وجنوب أفريقيا، إلى أي بلد لا توجد فيه الأفيال بشكل طبيعي، إلا في حالة وجود فائدة واضحة تتعلق بالحفاظ عليها.

ولا توجد أعداد كبيرة من الأفيال في الإمارات، وضمن تلك الشروط، سيكون من الصعب للغاية تبرير أن استيراد الأفيال الأفريقية إلى أحواز في حدائق الحيوان من شأنه أن يقدّم فائدة تتعلق بالحفاظ عليها.

وسعت العديد من مجموعات رعاية الحيوانات والحفاظ عليها بشكل مستقل للحصول على آراء قانونية بشأن ما إذا كانت صفقة الأفيال البرية غير قانونية بموجب أحكام "سايتس"، وحصل "العربي الجديد" على نسخة من فتوى قانونية قدّمتها شركة المحاماة المختصة في قضايا البيئة " Cullinan & Associates"، بالنيابة عن مجموعة "EMS Foundation"، وهي مجموعة للعناية بالحيوان مقرّها جنوب أفريقيا، توصل المحامون فيها إلى استنتاج مفاده أنه بالنظر إلى أن الأفيال جاءت على الأرجح من المجموعات المتكيفة مع الصحراء فإن ناميبيا والإمارات "لا يمكن أن تكونا مقتنعتين بشكل معقول بأن عملية التصدير المقترحة لهذا العدد الكبير من الحيوانات لن تعود بالضرر على تلك الأصناف".

الصورة
الأفيال في الحجر الصحي قبل نقلها خارج ناميبيا (العربي الجديد)
الأفيال في الحجر الصحي قبل نقلها خارج ناميبيا (العربي الجديد)

تبعًا لذلك، خلصت الفتوى القانونية إلى ما نصّه: "لا نعتقد أنه من القانوني أن تصدر إدارة اتفاقية (سايتس) في ناميبيا تصريح تصدير بموجب الملحق الأول أو الملحق الثاني من (سايتس). وبالمثل، لا نعتقد أن من القانوني لبلد خارج نطاق دول الأفيال الأفريقية أن يصدر تصريح استيراد".

خلصت فتوى قانونية أخرى أرسلت في مارس إلى "سايتس" للنظر فيها إلى أن: "أي تصدير سابق أو مستقبلي للأفيال التي تم الإمساك بها حيّة إلى وجهة خارج النطاق الطبيعي لأصنافها، لا يتوافق مع أحكام (سايتس)".

في ردّه على التحقيق، أكد المتحدث باسم "سايتس" دافيد ويتبورن أن "اللجنة الدائمة (لمعاهدة سايتس) نظرت في القضية ولم تشعر بأن هناك أدلة كافية على عدم التوافق (مع أحكام المعاهدة)، من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة".

ومن المقرر أن يلتئم اللقاء التاسع عشر لمؤتمر أطراق اتفاقية "سايتس" في مدينة بنما في نوفمبر/ تشرين الثاني، وتدخل اللوائح المنظمة لتجارة الأفيال البرية ضمن جدول الأعمال.

وتعارض اتفاقية "سايتس" بوضوح أيضًا التخدير، والذي وفق لوائحها "ما زالت آثاره الجانبية غير معروفة بالكامل، وعلاوة على ذلك، فإن سبات الحيوانات العميق يعرضها بشكل كبير للإصابة عند أي حركة عنيفة للطائرة أو السفينة أو الشاحنة أو القطار".

ولم يجب المتحدث باسم "سايتس" دافيد وايتبورن أيضًا على الاستفسارات حول الانتهاك المحتمل للقواعد الإرشادية بخصوص النقل المذكورة آنفًا، وأرجأ النقاشات حول تجارة الأفيال إلى مؤتمر الأعضاء المزمع عقده في نوفمبر.

*شارك في إنتاج هذا التحقيق Matteo Mazzolenin

*هذه ترجمة محررة من تحقيق لـ The New Arab ، وللقراءة بالنسخة الإنجليزية : انقر هنا 

ذات صلة

الصورة
مغني الراب الأميركي ماكيلمور يغني في مهرجان سوبربلوم في ميونخ، 4 سبتمبر 2022 (جوشوا سامر/ Getty)

منوعات

ألغى مغني الراب الأميركي ماكليمور حفلاً كان مقرراً أن يُقام في دبي خلال أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، احتجاجاً على "دعم الإمارات لقوات الدعم السريع".
الصورة
علما إسرائيل والإمارات في مبنى القنصلية الإسرائيلية بدبي، يونيو 2021 (كريم صاحب/فرانس برس)

سياسة

اندلعت أزمة دبلوماسية بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، بسبب 100 كيلوغرام من التمور مع نوى، والتي وصفتها أبوظبي بأنها "صدع" حقيقي.
الصورة

منوعات

حذّر الإعلام البريطاني شركة آبل من أن أي إجراء ستتخذه لإدراج أداة حظر الإعلانات في متصفحها سيعرض استدامة التمويل الصحافي للخطر
الصورة
أمطار غزيرة تضرب سلطنة عمان 15 أبريل 2024 (وكالة الانباء العمانية/إكس)

مجتمع

أعلنت اللجنة الوطنية لإدارة الطوارئ في سلطنة عُمان، اليوم الثلاثاء، عن مصرع ما لا يقل عن 18 شخصاً بسبب الأمطار الغزيرة التي تشهدها البلاد خلال الأيام الأخيرة