تروّج صفحات وحسابات ناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب لأدوية محظورة تُستخدَم في الإجهاض غير الآمن، ما يشكل خطراً محدقاً بالنساء اللائي يُجبَرن على استعمالها، خصوصاً أن الباعة يُغرون الزبائن ويقدمون أنفسهم كخبراء.
- رصد رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية المغربي المعارض، عبد الله بوانو، تداول إعلانات عن أدوية محظورة للإجهاض على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكداً أن ما يجري يشكل خطراً محدقاً على المغربيات خصوصاً، وكذلك على الصحة العامة، بحسب ما جاء في سؤال كتابي وجهه في 11 سبتمبر/ أيلول 2023، إلى وزير الصحة والحماية الاجتماعية خالد آيت الطالب، معتبراً أن "هذه الممارسة المنافية للقوانين الجاري بها العمل تستدعي تدخلاً حازماً، حفاظاً على الصحة العامة، والضرب بيد من حديد على من يتاجرون بمآسي المواطنين".
ومن بين هؤلاء، الثلاثينية المغربية سارة العلمي، التي تشعر بالقلق، ويزداد العبء النفسي والجسدي الواقع عليها، جراء حاجتها إلى استعمال غير قانوني لدواء يُستخدَم في الإجهاض. تقول سارة، وهو اسم اختارته الشابة المغربية رغبة منها في عدم نشر هويتها، لما تراه من حساسية، إنها أسقطت من خططها حلّ اللجوء إلى عملية جراحية، لخطورتها على حياتها وتجريمها قانوناً، وتضيف: "سمعت من إحدى الصديقات عن أدوية تستعمل للإجهاض تُباع على "فيسبوك"، واتصلت بأحد القائمين على إحدى الصفحات، وأطلعني على كيفية استعمال الدواء استناداً إلى فترة الحمل".
وبالرغم من تمكنها من حجز الدواء مقابل 1500 درهم مغربي (150 دولاراً أميركياً)، إلا أن القلق يسكنها من الأقراص، وهل تُعدّ آمنة أم لا، وما سينتج من استعمالها، خصوصاً مع اقتراب موعد تسليم الدواء يداً بيد، كما وعدها البائع.
إغراء الزبائن
تعرف مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك وتيك توك وإنستغرام وواتساب" في المغرب، انتشاراً للمجموعات والصفحات والحسابات الخاصة التي تروّج لإعلانات بيع أقراص طبية مخصصة للإجهاض، من بينها، وفق ما عاين "العربي الجديد"، مجموعات على فيسبوك، هي "إجهاض منزلي (حبوب الإجهاض)" (تضم 3800 عضو) و"حبوب الإجهاض %100" التي وصل عدد أعضائها إلى 1515 عضواً، والمجموعة الفيسبوكية "حبوب إجهاض منزلي مغرب" وتضم 1376 عضواً، و"حبوب الإجهاض Cytotec" (تضم 1300 عضو).
غير أن اللافت للانتباه، أن تلك المجموعات والصفحات والحسابات التي يتزايد عدد المتابعين لها، تراهن لترويج بضاعتها عبر تقديم خدمات عدة لجلب وإغراء المزيد من الزبائن، من بينها ضمان متابعة طبية بعد اقتناء المنتَج، وتوفير خدمة التوصيل إلى جميع المدن المغربية، في حين تحرص صفحات أخرى على مشاركة المتابعين انطباعات الزبائن، والتشديد على أن الأدوية أصلية، وفق ما وثق معد التحقيق، الذي تظاهر في أثناء تواصله مع صاحبة حساب "ارتوتيك ارتوتيك" عبر "الماسنجر"، بأنه يبحث عن دواء للإجهاض، وتلقى رداً سريعاً منها يقول إنها تتوافر على دواء مقابل 1700 درهم (نحو 170 دولاراً)، وبأنها توفر خدمة متابعة قبل عملية الإجهاض وبعدها من طريق التواصل مع المعنية بالأمر عبر الهاتف، وتقدم أيضاً خدمة توفير قابلة تشرف على العملية مقابل 4000 درهم (نحو 400 دولار)، مؤكدة أن فعالية الأدوية التي تبيعها مضمونة، وأنها أصلية، وأُنتِجَت في مختبر مرخَّص له، مضيفة: "ستجد من يعرض عليك ثمناً أقلّ، لكن نصيحتي عدم اقتناء الدواء حتى تتأكد من كونه أصلياً".
وتحدث مُعدّ التحقيق مع صاحبة حساب "Fàtimàzzàhrà El" على "فيسبوك" على أنه يريد اقتناء دواء أرتوتيك، ودواء سيتوتيك، فأخبرته أن ثمن الأول 1200 درهم، والثاني 1500 درهم (120 و150 دولاراً)، وأن كل زبونة تشتري الدواء تستفيد من المتابعة عبر تطبيق "واتساب" إلى حين حصول الإجهاض، وقبل ذلك تُطلَع على طريقة الاستعمال وعدد الأقراص اللازمة، نافية وجود أخطار على صحة مستعمِلاتها.
الأدوية الأكثر رواجاً
يجري الترويج أساساً لصنفين من الأدوية كـ"حبات الإنقاذ" بالنسبة إلى نساء كثيرات يردن التخلص من حملهن هما: دواء أرتوتيك Artotec 55mg 75mg وسيتوتيك CYTOTEC 200mg.
ويصنف الدواء الأول الذي يعرف رواجاً على الإنترنت على أنه "دواء مضاد للالتهاب في الأصل كان يُباع في الصيدليات المغربية، لكن بعد ضبط الاستعمال السيئ لهذا الدواء في عمليات الإجهاض سُحب من السوق الوطني ومُنع في 31 يونيو/ حزيران 2018 من طرف مديرية الأدوية والصيدلة"، كما يقول الكاتب العام لكونفيدرالية نقابات صيادلة المغرب، أمين بوزوبع لـ"العربي الجديد".
وهو ما يؤكده البروفيسور شفيق الشرايبي، رئيس جمعية محاربة الإجهاض السري في المغرب (أهلية)، الذي أوضح أن العقار المذكور "وجد في الأساس لعلاج آلام المفاصل والروماتيزم، غير أن تسببه في انقباضات بالرحم جعل منه دواءً يستعمل كذلك للإجهاض في الأشهر الأولى من الحمل"، لافتاً إلى أنه دواء "غير فعال للإجهاض"، وأن "الكثير من الدول التي تسمح بالإجهاض تستعمل أدوية أخرى أكثر فعالية وأقل خطورة على صحة النساء".
وفي حين يصنف (سيتوتيك) كدواء يعالج التهابات المعدة، لكنه "يسبب تقلصات في الرحم، لذلك تشير التحذيرات المتضمنة في النشرة إلى أنه ينبغي للنساء الحوامل ألا يستخدمنه. لكن هذا التحذير كان الدافع لعدد من النساء اللائي لا يرغبن في حملهن لأسباب متنوعة للجوء إليه"، كما يشرح الشرايبي، مشيراً إلى أن هذا الدواء موجود في المستشفيات الحكومية المغربية، ويملك فضلاً عن دوره في الإجهاض، فعالية كبيرة في إنقاذ النساء أثناء في الولادة من النزف، ولعب دوراً كبيراً في الحدّ من وفيات الأمهات في أثناء الولادة في البلاد.
من أين تُجلَب الأقراص؟
يطرح لجوء الحالات التي يوثقها التحقيق إلى أقراص الإجهاض المعروضة على مواقع التواصل الاجتماعي للتخلص من حملهن أسئلة عدة عن كيفية إيجاد تلك الأقراص طريقها للبيع داخل المغرب ومن يروجها ويبيعها.
وللإجابة عما سبق، تواصل معدّ التحقيق مع سهام بنجدية (اسم مستعار لكونها تقوم بعمل غير قانوني) التي تدير مع آخرين مجموعة "مشاكل الحمل والإجهاض" (عدد أعضائها 1566 عضواً حتى 30 نوفمبر 2023)، وتقول بنجدية لـ"العربي الجديد"، إنه يكفي للشخص أن يسافر إلى إسبانيا أو فرنسا لاقتناء الدواء بـ 6 يورو لعلبة من 20 قرصاً، قبل أن يعود إلى المغرب ليبيعها عبر "الفيسبوك" بنحو 1200 درهم (120 دولاراً)، مشيرة إلى أنه منذ منع تداول دواء "أرتوتيك" من قبل وزارة الصحة في عام 2018 عرف بيع أدوية الإجهاض على الإنترنت إقبالاً، وتوضح أن الصفحات التي تروج لتلك الأدوية تدار في بعض الحالات من قبل عاملين في القطاع الصحي كممرضين أو قابلات وحتى طلبة طب.
في المقابل، تكشف صاحبة حساب "ارتوتيك ارتوتيك" على "فيسبوك" عن مسار آخر لوصول أقراص "سيتوتيك" إلى أيدي النساء رغم منع بيعها في الصيدليات، إذ أن "الدواء التي تروّجه يُنتَج في وحدة إنتاج بمدينة الجديدة تابعة لمختبر عالمي بشكل قانوني، لكن منعت السلطات الصحية في المغرب تداوله في الصيدليات الخاصة، وأبقت عليه في صيدليات المستشفيات الحكومية، وسمحت بتصديره إلى الخارج، ويعود إلى المغرب من طريق التهريب.
ويعلق البروفيسور خالد فتحي، اختصاصي أمراض النساء والتوليد، والأستاذ بكلية الطب بجامعة محمد الخامس بالرباط، على ما سبق، قائلاً لـ"العربي الجديد" إن أقراص "أرتوتيك وسيتوتيك" تجد طريقها إلى أيدي النساء "بعد تهريبها، وهي مشكلة تعاني منها دول عدة". وبالنسبة إلى بوزوبع، فإن "كل ما يُتداوَل من منتجات عبر الشبكة العنكبوتية عبارة عن مواد مهربة أو مزورة بموجب التعريف الدولي، ذلك أن أي دواء يُصرَف خارج المسلك القانوني يُعَدّ مزوراً".
ويقول إن "مروجي تلك الأدوية يقدمون أنفسهم كخبراء، وينتحلون صفة صيدلاني ويمارسون التدليس من طريق نشر معلومات غير صحيحة تروم الإغراء والوصول إلى عملية البيع"، وهو ما يتفق معه الشرايبي، منبهاً من واقع عمله إلى أن هذه الأقراص تدخل البلاد شمالاً من إسبانيا أو دول أوروبية أخرى.
%13 من مجموع حالات وفيات الأمومة بسبب الإجهاض
تفيد دراسة تحليلية نشرتها الجمعية المغربية لتنظيم الأسرة (غير حكومية) في ديسمبر/ كانون الأول 2021 حول الحمل غير المرغوب فيه والإجهاض غير الآمن في المغرب، بأن "معدل الإجهاض المقدر، بمقارنة عدة نتائج بحثية دولية، يراوح بين 30 و40 لكل 1000 امرأة تراوح أعمارهنّ بين 15 و49 سنة، وهذا بالنظر إلى أن المغرب ينتمي إلى الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل بشمال أفريقيا، ويتوافر على ترسانة تشريعية مقيدة للإجهاض". وتشير الدراسة إلى أن العدد التقديري السنوي لحالات الإجهاض في المغرب يراوح بين 280 ألفاً و380 ألف حالة تقريباً، وهو ما يعادل 700 و1000 عملية إجهاض يومية، موضحة أن "72 بالمائة من هذه الحالات عمليات إجهاض غير آمنة".
دراسة تحليلية: معدل الإجهاض بين 30 و40 حالة لكل 1000 امرأة
ويبقى حدوث حالات وفيات في المغرب جراء استعمال تلك الأدوية أمراً لا يمكن استبعاده، وفق بوزوبع، والبروفيسور الشرايبي الذي يحذر من تناول هذه الأقراص من دون مراقبة طبية، ما يجعلنا أمام إجهاض غير آمن قد يسبب مضاعفات خطيرة تهدد حياة الحامل من قبيل تعفن أو نزف داخلي أو تجلط للدم ومشاكل في الهضم والمعدة، إذ يجب أن تؤخذ تلك الحبوب بجرعات محددة حسب عمر الجنين، كي لا يتمزق رحم المرأة"، لافتاً إلى أن 13 في المائة من مجموع حالات وفيات الأمومة المسجلة عالمياً، وفق منظمة الصحة العالمية، تكون نتيجة عمليات الإجهاض غير الآمن وما يسببه من مضاعفات خطيرة.
غياب البديل
بالرغم مما تشكله أقراص الإجهاض التي تباع في مواقع التواصل الاجتماعي من مخاطر جسيمة على صحة النساء، إلا أن توجه بعضهن نحو اقتنائها يرجعه البروفيسور الشرايبي إلى "غياب البديل لحل مشكلة الحمل غير المرغوب فيه، مع ما يشكله ذلك من خطر على صحتهن"، مؤكدا أن تجريم الإيقاف الطبي للحمل يزيد من استفحال ظاهرة الإجهاض السري.
ويتفق معه الدكتور الطيب حمضي الطبيب وهو طبيب وباحث في السياسات والنظم الصحية ورئيس النقابة الوطنية للطب العام بالقطاع الخاص بالمغرب، والذي يرى أنه في ظل غياب حلول من الناحية القانونية للحمل غير المرغوب فيه تبحث سيدات متزوجات بمعية أزواجهن وأخريات غير متزوجات عن وسائل أخرى للتخلص من حملهن إما عن طريق تهريب الأدوية أو التوجه إلى خارج البلاد أو اقتناء الأدوية المعروضة على الإنترنت.
ويضيف: "على الرغم من المجهودات المبذولة من قبل السلطات والمنع القانوني، إلا أن اللجوء إلى تلك الوسائل يتم بالنظر إلى أن هناك حاجة داخل المجتمع تجعل العديد من النساء يبحثن عن طريقة للحصول عليها"، مؤكدا ضرورة الإنصات إلى المرأة التي تحتاج إلى إجهاض طبي آمن.
%13 من مجموع حالات وفيات الأمومة عالمياً بسبب الإجهاض
ويقول حمضي إنه من الناحية القانونية يتعين تأطير الحمل غير المرغوب فيه، وعدم ترك الأبواب مفتوحة أمام الطرق غير الطبية للإجهاض وما يترتب عنها من مخاطر، مضيفا: "حينما نمنع أمرا ما، فإنه يتعين إدراك تأثيرات وتبعات ذلك. كما أن علاج أي ظاهرة لا يمكن دون التحكم في أسباب الوصول إليها. لذلك وفي ظل المخاطر التي تنتج خاصة على مستوى المآسي الاجتماعية من تفكيك للأسر وأطفال متخلى عنهم، وكذا المخاطر الصحية من تمزق رحم المرأة وغيرها، يتعين على القانون أن يكون أشمل، وذلك من خلال عدم الاكتفاء بحصر الترخيص للإجهاض في حالتَين، إذا كانت حياة الأم أو صحة الجنين في خطر، وإنما أيضا الترخيص له في حالات من قبيل زنى المحارم أو الاغتصاب أو بعض الحالات الاجتماعية المعقدة، وفي حالة المرأة التي تعيش ظروفا اجتماعية ونفسية سيئة وحصل لها حمل غير مرغوب فيه.
ونصت المادة 453 من مجموعة القانون الجنائي المغربي على أنه "لا عقاب على الإجهاض إذا استوجبته ضرورة المحافظة على صحة الأم متى قام به طبيب علانية أو جراح بإذن الزوج. ولا يطالب بهذا الاذن إذا ارتأى الطبيب أن حياة الأم في خطر غير أنه يجب عليه أن يشعر بذلك الطبيب الرئيسي للعمالة أو الإقليم. وعند عدم وجود الزوج أو إذا امتنع الزوج عن إعطاء موافقته أو عوقه عن ذلك عائق فإنه لا يسوغ للطبيب أو الجراح أن يقوم بالعملية الجراحية أو يستعمل علاجا يمكن أن يترتب عنه الإجهاض إلا بعد شهادة مكتوبة من الطبيب الرئيس للعمالة أو الإقليم يصرح فيها أن صحة الأم في خطر لا تمكن المحافظة عليها إلا باستعمال مثل هذا العلاج".
وهو ما يتفق معه البروفسور الشرايبي بالإشارة إلى أن النصوص القانونية التي تتحدث عن الإجهاض لا تغطي سوى عشرة في المائة من الحالات الواقعية، وأن "القانون الجنائي يتجاهل نسبة كبيرة من حالات الإجهاض، ولا يشمل حالات أخرى خاصة تلك المرتبطة بحمل القاصرات والمختلات عقليا. لذا يتعين تمديد "الخطر على صحة الأم"، ليشمل الجوانب العقلية والاجتماعية، كما تعرّف ذلك منظمة الصحة العالمية، وليس التوقف عند الصحة البدنية".
ويتابع :"منذ عام 2015 ننتظر تضمين التوصيات التي أصدرتها اللجنة التي كان قد شكلها العاهل المغربي الملك محمد السادس، في ما يخص إباحة الإجهاض في الحالات التي يشكل فيها الحمل خطرا على حياة الأم، أو الحمل الناتج عن اغتصاب أو زنى المحارم، أو إصابة الجنين بتشوهات خلقية في القانون الجنائي، لكن إلى حدود الساعة لم نر شيئا يتحقق، ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول هذا التأخر بعد مرور 8 سنوات".
وبحسب الشرايبي، فقد" كان من الأجدى مناقشة مشروع قانون الإجهاض بشكل منفرد بعيدا عن مسار تعديل القانون الجنائي المتعثر منذ سنوات"، لكن "يبدو أن هذا الملف ليس ذا أولوية، ونأسف لغياب إرادة سياسية من أجل تغيير قانون عفا عنه الزمن".
إلا أن مصدرا من لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالحديث مع الإعلام، قال لـ"العربي الجديد "، إن تأخر إخراج المقتضيات المتعلقة بالإجهاض إلى حيز الوجود مرتبط بالأساس بمسار إخراج مشروع القانون الجنائي الجديد الذي ما زال يراوح مكانه، بعد سحبه من قبل الحكومة في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، رغم أنه أحيل من قبل حكومة عبد الإله بنكيران إلى مجلس النواب في 24 يونيو/حزيران 2016 دون أن يتم إقراره، إذ ظل حبيس رفوف لجنة العدل والتشريع، بسبب ما تثيره مقتضيات تخص تجريم "الإثراء غير المشروع" التي ضمنت في المشروع لأول مرة، من خلافات بين الحكومة والبرلمان.
بالمقابل، تؤكد نائبة رئيسة لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان في مجلس النواب لبنى الصغيري على ضرورة الاجتهاد لوضع إطار قانوني لتفعيل الإيقاف الطبي للحمل عن طريق إخراجه من مجموعة القانون الجنائي، وجعله ضمن الأخلاقيات البيو طبية (معيار يهتم بالسلوك الإنساني ومن موضوعاته الإنجاب والتحكم فيه والإجهاض)، وكذلك الاشتغال على تقنين اللجوء إلى الوقف الطبي للحمل عبر استحداث سجل يوزع على جميع المؤسسات التي تقوم بهذا النوع من العمليات مع شرط كونها قانونية، ووضع نموذج للموافقة، وذلك للحد من سرية هذا الفعل.
أبعاد دينية للظاهرة
يرى البروفيسور فتحي أنه في ظل غياب أرقام يمكن بالاستناد إليها معرفة حجم الظاهرة، يتعين أخذ الحيطة من الدعوة لتقنين الاجهاض، مشيرا إلى أن هناك من يلتقط أخبار قبض الأمن على أشخاص يبيعون الأدوية المستخدمة في الإجهاض، ويروج لها باعتبارها دليلا على أن هناك حاجة لتشريع الإجهاض، ومؤكدا أن "الأمر معقد وله علاقة بالأمن الدوائي والأمن القيمي ويحتاج مقاربة من عدة أبعاد صحية ودينية.
وتنص المادة 449 من مجموعة القانون الجنائي المغربي على أن "من أجهض أو حاول اجهاض امرأة حبلى أو يظن أنها كذلك، برضاها أو بدونه سواء كان ذلك بواسطة طعام أو شراب أو عقاقير أو تحايل أو عنف أو أية وسيلة أخرى يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم. وإذا نتج عن ذلك موتها فعقوبته السجن من عشر إلى عشرين سنة"، وتنص المادة 450 من ذات القانون على أن "إذا ثبت أن مرتكب الجريمة يمارس الأفعال المشار إليها في الفصل السابق بصفة معتادة، ترفع عقوبة الحبس إلى الضعف في الحالة المشار إليها في الفقرة الأولى، وتكون عقوبة السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة في الحالة المشار إليها في الفقرة الثانية من المادة 449"، كما يقول الشرايبي.
الحاجة إلى مقاربة زجرية قوية
تم تسجيل 48 جريمة إجهاض في 2020 و73 في عام 2019. في حين بلغ عدد المتابعين بجرائم الإجهاض 66 متابعا في 2020، و107 متابعين في 2019، بحسب المعطيات الإحصائية لظاهرة الجريمة برسم 2020 المنشورة على الموقع الرسمي لرئاسة النيابة العامة في المغرب، بينما تحدد الدراسة التحليلية التي نشرتها الجمعية المغربية لتنظيم الأسرة في ديسمبر 2021، المتوسط السنوي للقضايا المتصلة بالإجهاض في 42 قضية، وهو رقم محدود للغاية مقارنة بالإجهاض السري الذي يتم إجراؤه في المغرب بالنظر إلى أن تلك العمليات "تتم في حذر شديد من جانب ممتهني هذه الحرفة وصمت تام من طرف المستفيدين الذين يخشون العقوبة القانونية، ولكن قبل كل شيء الرفض الاجتماعي"، كما تقول الدراسة.
ويؤكد بوزوبع أن المسؤولية الأولى تقع على إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، من أجل حماية وضبط الأدوية المهربة على مستوى الحدود الشرقية والشمالية للبلاد، مؤكدا ان ظاهرة بيع الادوية على الإنترنت لم تتم إلى حد الساعة محاصرتها بشكل جيد، وأن الأمر يحتاج إلى مقاربة زجرية قوية تجعل من تلك المحاصرة موضوع رأي عام وطني.
ويعد القانون رقم 04 -17 بمثابة مدونة الأدوية والصيدلة، ويحدد المسلك القانوني الذي يجب أن تمر منه الأدوية، ويتضمن المختبر المصنع للدواء ثم الموزع قبل أن يصرف ويباع داخل الصيدليات بشكل حصري، وتنص المادة 55 من القانون على أن أماكن مزاولة مهنة الصيدلة هي الصيدليات ومخزونات الأدوية بالمصحات والمؤسسات الصيدلية، في حين لا يمكن وفق المادة 19 من ذات القانون، القيام بصناعة الأدوية واستيرادها وتصديرها وبيعها بالجملة إلا من طرف المؤسسات الصيدلية الصناعية المعرفة في الفقرة الثانية من المادة 74 من هذا القانون، والتي تنص على أنه "يقصد بالمؤسسات الصيدلية الصناعية كل مؤسسة تتوفر على موقع للصنع وتقوم بعمليات صنع الأدوية واستيرادها وتصديرها وبيعها بالجملة، وعند الاقتضاء، توزيعها بالجملة".
وبحسب بوزوبع، فإن أي دواء خارج المسلك القانوني أي الصيدليات، يدخل في إطار وحكم الأدوية المهربة والمزورة التي لا تتوفر على المادة الفاعلة، لافتا إلى أنه فضلا عن تقنين بيع الدواء وقع المغرب إلى جانب عدد من دول العالم، على الاتفاقية الدولية لمكافحة تزوير الأدوية Médicrime في عام 2012 والتي دخلت حيز التنفيذ قبل نحو سنة.
ويوضح أنه "بين الفينة والأخرى، يتم على المستوى الوطني رصد الأدوية التي يتم بيعها عبر الإنترنت من قبل النيابة العامة، ويتم اعتقال الشبكات العاملة في هذا المجال"، كما تنصب "كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب" نفسها طرفا مدنيا في متابعة الجناة بجنح انتحال صفة ممارسة مهنة الصيدلة وفق مقتضيات مدونة الدواء والصيدلة.