يشوب معايير الحصول على فرصة للتسجيل في برامج الماجستير والدكتوراه بالجامعات المغربية غموض، يجعل البعض يرفضون مراراً التسجيل، في حين يُقبل آخرون من أول مرة، بسبب وسطاء من تلك المؤسسات يتلاعبون بشروط القبول في مقابل المال.
-يصرّ الطالب المغربي سعيد، وهو أحد الأطراف المدانة في قضية الرشوة المالية مقابل التسجيل في برنامج الماجستير في جامعة سيدي محمد بن عبد الله بمدينة فاس (وسط المغرب)، على أن المسألة أخذت أكثر من حجمها بسبب دخول الصحافة والإعلام على الخط، كما يقول لـ"العربي الجديد".
ويخشى سعيد من الكشف عن هويته الكاملة تفاديا للتشهير، وخاصة أنه خرج من السجن ويرغب في بدء حياة جديدة، ويقول: "هناك حالات سابقة تتعلق بدفع أموال للتسجيل في مسالك الماجستير والدكتوراه، ولم تصل إلى مطرقة الإعلام".
وأدين سعيد بموجب حكم صادر عن غرفة جرائم الأموال التابعة للمحكمة الابتدائية بفاس، في 3 مارس/ آذار 2020، والتي قضت على منسق ماجستير "المنازعات العمومية" بكلية الحقوق بالحبس لمدة عام، كما أدانت ثلاثة طلاب آخرين بالقضية ذاتها بتهمة الوساطة.
وتكمن خطورة الظاهرة في توالي الأحكام القضائية بحق من يتم كشفه من الأطراف المتورطة، إذ أدانت المحكمة الابتدائية بمدينة طنجة في 17 فبراير/ شباط 2020 موظفا إداريا في جامعة عبد المالك السعدي بمدينة تطوان لتورطه في التوسط لفائدة طلبة بهدف التسجيل في الماجستير وقضت عليه بالسجن لمدة عام.
ويبلغ المعدل التقريبي لقضايا دفع رشى للتسجيل في برامج الماجستير أو الدكتواره، والتي تصل إلى المحاكم، حوالي 3 ملفات في الموسم الجامعي، (ينطلق في شهر أكتوبر/ تشرين الأول وينتهي في شهر يوليو/ تموز)، لكن تلك القضايا لا تنتهي كلها بإدانة الأستاذ الجامعي أو حتى الوسيط والطالب المتورط، فأحيانا يتبين أنها كيدية أو تنقصها الوقائع والأدلة الدامغة، بحسب إفادة مصدر مسؤول في وزارة التعليم العالي، طلب عدم ذكر اسمه لعدم تخويله بالحديث إلى الصحافة.
ووفق المتحدث، فإن المفتشية العامة لوزارة التعليم العالي عملت على 60 ملفا وشكاية خلال الفترة الممتدة بين 2018 و2021، حوالي 20 بالمائة منها يتعلق بالتسجيل في الماجستير والدكتواره، والباقي متعلق بحيف المعدلات وغيرها من القضايا الجامعية. وعلى سبيل المثال فإن فضيحة "الجنس مقابل النقط"، والتي اندلعت في جامعة سطات، أفضت في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إلى إغلاق 5 برامج للماجستير دفعة واحدة كإجراء احترازي تمهيدا لتحقيق شامل، بعد شكاوى 7 طالبات من ابتزاز أستاذ جامعي لهن مقابل منحهن نقطا جيدة في مادته، وتوسطه لدى أساتذة آخرين أيضا، وفق قرار من لجنة مفتشية وزارة التعليم العالي.
طرق الوساطة
يوضح الطالب سعيد، والذي كان دوره التوسط بين الطرفين: مَن يرغبون في التسجيل والأساتذة، أن هناك تخصصات بعينها يقبل الطلبة على التسجيل فيها، من قبيل "منازعات الشغل" أو "المعاملات الإلكترونية" وغيرهما، مبرزا أنه بسبب محدودية المقاعد في مثل هذه التخصصات، إذ تراوح بين 40 و50 فرصة متاحة في كل تخصص، يبحث الراغب في التسجيل عن أي طريقة حتى لو كانت تقديم رشوة مالية إلى الأستاذ المشرف على الماجستير أو منسق هذا المسلك الجامعي. ويضيف المتحدث سبباً آخر، هو رغبة عدد من الطلبة في التسجيل بالتخصصات المذكورة كونها مطلوبة بسوق الشغل.
تضرب الظاهرة مبدأي تكافؤ الفرص بين الطلبة والحق في التعليم
ويجرى الأمر عبر ما يطلق عليه "من الفم إلى الأذن"، أي إطلاق الخبر دون تحديد مصدره في أوساط الطلبة، ثم جس النبض داخل مجموعات "واتساب" تضم الطلاب، لمعرفة الراغبين منهم بشكل جدي في التسجيل بالماجستير، وفق سعيد، والذي يوضح أنه بعد ذلك تأتي مرحلة التواصل مع الطالب الراغب في فضاءات بعيدا عن الجامعة، ويبرم الوسيط اتفاقا مع منسق الماجستير أو المسؤول الجامعي، على أن ينال نصيبه من المبلغ المالي المتفق عليه.
ويقر طالب الماجستير فؤاد بنجدية بأنه تعرض لمحاولات إقناع من طرف وسطاء وسماسرة بتقديم رشوة مقابل التسجيل في ماجستير "المعاملات الإلكترونية"، مبرزا أنه رفض القبول بذلك لاعتقاده بأنه "سيظلم طلبة آخرين يستحقون ولوج هذا المسلك بفضل معدلاتهم وكفاءاتهم".
نظام الماجستير والدكتوراه
يقدر عدد الطلاب المسجلين في الجامعات العمومية بـ989.899 طالبا وطالبة لموسم 2020/ 2021، بينما بلغ عدد المسجلين في مسلك الماجستير 49.188، وتتصدر جامعة محمد الخامس بالرباط باستقطابها 8.471 طالبا منهم، واحتضن مسلك الدكتوراه في الموسم التعليمي نفسه 37.948 طالبا، واستقبلت جامعة محمد الخامس وحدها 6.603 طلاب من هؤلاء، وفق إحصائيات وزارة التعليم العالي التي حصلت عليها "العربي الجديد".
ويعتمد الولوج إلى مسلك الماجستير بعد الحصول على شهادة الإجازة الجامعية، على ما يتضمنه برنامج كل جامعة من ضوابط تنظيمية داخلية، تجري عبر مراحل أساسية، أولها الانتقاء عبر النقط والمعدلات المتحصل عليها في الإجازة، ثم المرحلة الثانية متمثلة في اجتياز مباراة كتابية، والثالثة مباراة شفوية أو بدونها، وفق ما تورده معطيات وزارة التعليم العالي على موقعها الإلكتروني.
يجمل الدكتور خالد الصمدي، كاتب الدولة السابق لدى وزير التربية الوطنية، المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي، مسارات إحداث مسالك الماجستير والدكتوراه في الجامعات المغربية بمرورها عبر 3 مراحل: "الأول اقتراح سلك للماستر أو الدكتوراه من طرف فريق علمي في الجامعة بناء على دفتر الضوابط البيداغوجية الذي تعده وزارة التعليم العالي لهذا الغرض". ويوضح أن "كل جامعة، انطلاقا من إمكانياتها البشرية واللوجستية وعلاقتها بالمحيط الاقتصادي والاجتماعي، تعمل ما أمكن على توسيع العرض البيداغوجي للماجستير والدكتوراه، باعتبار أنها مسالك محدودة المقاعد".
وبعد ذلك، يردف المسؤول الحكومي سابقا، والمستشار في المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، يمر الاقتراح إلى مجلس الكلية ثم إلى مجلس الجامعة الذي يقره ويرسله إلى لجنة الاعتماد بوزارة التعليم العالي والتي تحيله إلى الوكالة الوطنية لتقويم وضمان جودة العليم العالي (تابعة لوزارة التعليم العالي) لإعداد رأيها، ثم يرفع التقرير إلى لجنة التنسيق بالوزارة التي تصادق بصفة نهائية على فتح المسلك، ثم تخبر الجامعة بذلك.
وبعد فترة الاعتماد، يضيف الصمدي، تأتي مرحلة إجراء الجامعة، من خلال فتح المباراة الكتابية أو الشفوية أمام الطلبة وفق شروط دفاتر الضوابط البيداغوجية. وتتجسد المرحلة الثالثة، في عملية التقييم التي تضطلع بها الوكالة الوطنية لتقنين وضمان الجودة، من خلال ما منحه القانون لها من صلاحيات بشأن القيام بعمل ميداني داخل الجامعة لتقديم ملاحظات واقتراحات تروم تمكين المسؤولين على الماجستير والدكتوراه من تطوير وتجويد هذه التكوينات.
أسباب المشكلة
يعزو الدكتور الصمدي، والذي اندلعت قضية جامعة فاس في فترة مسؤوليته، وجود ظاهرة دفع المال مقابل التسجيل في الماجستير أو الدكتوراه إلى عدم احترام بعض المؤسسات الجامعية لمسألة الإعلان بشفافية عن دفاتر الضوابط البيداغوجية التي تحدد شروط ومعايير ولوج المسلكين.
وأوضح الصمدي أنه عند وجود تظلمات أو شكاوى في هذا الصدد يتم اتباع مسارين رئيسيين، الأول أن كل متضرر يرفع تظلمه إلى عميد الكلية أو رئيس الجامعة للنظر في ملفه وإنصافه، والمسار الثاني يتمثل في لجوء المتضرر إلى القضاء، مشيرا إلى أنه سبق أن طلب فتح تحقيق قضائي في ملف جامعة فاس ليأخذ القانون مجراه.
ويضيف محمد بنساسي، رئيس الاتحاد العام لطلبة المغرب، إلى ما سبق غياب معايير موحدة ومحددة وواضحة لولوج مساري الدراسات العليا، ويشرح متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أن هناك جامعات تنفرد بمعايير خاصة بها، يطبعها في كثير من الأحيان الغموض واللبس، من خلال وضع شروط فضفاضة وعامة، من قبيل عدم التحديد بوضوح وبدقة للنقطة التي تتيح للطالب اجتياز الاختبار الكتابي قبل ولوج مسلك الماجستير، وهو ما يفتح الباب أمام السماسرة وعديمي الضمير من داخل المؤسسات الجامعية للتلاعب بهذه المعايير مقابل المال.
وتعد دفاتر الضوابط الوثيقة الوحيدة التي تحدد موضوع التسجيل في مسالك الماجستير والدكتوراه، وهذا في حد ذاته نوع من الثغرات التي تترك المجال مفتوحا للبعض للقيام بممارسات لاتربوية وغير مقبولة، إذ لا وجود لنص قانوني يحدد جزءاً مهماً مما ورد في هذه الدفاتر، وفق ما يقوله لـ"العربي الجديد"، المحجوب ادريوش، وهو فاعل تربوي وباحث في سوسيولوجيا التربية.
عدد المسجلين في الماجستير بالمغرب أقل مما هو في تونس
وترجع المسؤولية عن غياب النص القانوني إلى عدم بت البرلمان بعد في هذا الملف. ويقول الباحث في القانون بجامعة محمد الخامس في الرباط (يحضر لدكتوراه الدولة) يوسف محيضر، لـ"العربي الجديد"، إن البرلمان مطالب بالتعجيل في سن مراسيم تشكل إطارا قانونيا رادعا لمثل هذه الاختلالات، مستبشرا بتحركات من برلمانيين مغاربة وضعوا ملف "بيع الماجستير والدكتوراه" على طاولة مجلس النواب، مبينا أن فريق حزب الأصالة والمعاصرة (مشارك في الحكومة الجديدة)، وجه سؤالا كتابيا في أكتوبر/ تشرين الأول إلى وزير التعليم العالي الجديد لفتح نقاش سياسي وقانوني حول القضية.
ويعود ادريوش ليؤكد أنه "على المستوى القانوني والتنظيمي يمكن الجزم بأن هناك غياباً لرؤية استراتيجية واضحة يمكن أن تجعل من الماجستير ودراسات الدكتوراه ركيزة البحث العلمي بعيدا عن تصرفات غير محسوبة العواقب من طرف البعض، تحط من دور ورسالة التعليم والبحث العلمي".
ويرد الدكتور محمد بن طلحة الدكالي، الأستاذ في جامعة مراكش، والمشرف على أطروحات العديد من الطلبة في مسلك الماجستير، على هذا القول بأن الجامعة مثل العديد من المؤسسات الأخرى يمكن أن تتعرض لمشكلة في القيم وتنزيلها على أرض الواقع. وتابع الدكالي متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أن تلك الممارسات تعتبر لاأخلاقية وغير قانونية، لكنها تبقى حالات معزولة.
ضرب تكافؤ الفرص
يرى الخبير التربوي في الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق التلاميذ والطلبة محمد الصدوقي أن الظاهرة تضرب في العمق مبدأي تكافؤ الفرص بين الطلبة والحق في التعليم المكفول في الدستور وبالمواثيق الدولية. ويزيد ادريوش تداعيات أخرى، ذلك أن توريط الجامعة في تلك الاختلالات يجعلها محل إنتاج قيم انتهازية فاسدة، لأن طالباً تكوّن على أيدي أساتذة يلجأون إلى سلوكيات غير تربوية وليست أخلاقية ستتعطل عنده ملكات التحليل والإبداع والنقد ويتخذ كذلك من الوصولية والانبطاح ديدنا له.
وبدوره، يعتبر بنساسي أن "هذه الآفة تسيء، ليس فقط إلى قيمة ومكانة كلية أو جامعة بعينها، بل إلى صورة ومصداقية المنظومة التعليمية برمتها وإلى الوطن ككل" وفق تعبيره.
كيف يمكن مواجهة الظاهرة؟
لمحاربة هذه الآفة، يدعو الصمدي الجامعات المغربية إلى توسيع العرض البيداغوجي في مسالك الماجستير والدكتواره، بالرفع من وعاء الطلبة المسجلين، مبديا استغرابه كون "المسجلين في الماجستير بالمغرب أقل عددا من المسجلين مثلا في الجارة تونس، الأقل من حيث عدد السكان".
ومن جهته، يدعو محمد الصدوقي إلى سن نصوص قانونية تنظيمية حول مسطرة وشروط التسجيل تلزم الجميع، وفتح إمكانية التسجيل أمام الجميع بإلغاء الشروط الأولية للانتقاء والاكتفاء بمباراة كتابية موحدة، وفتح إمكانية الحق في الطعن أمام الطلبة، وضرورة خضوع نتائج القبول للتسجيل للجنة وزارية أو علمية مستقلة.
ويجد رئيس الاتحاد العام لطلبة المغرب، أن تحصين الجامعة المغربية من هذه الممارسات والسلوكات غير المقبولة والمدانة يحتاج إلى دور فعال من "التنظيمات الطلابية التي ينبغي عليها الاضطلاع بمسؤولياتها، وفضح مثل هذه السلوكات وعدم السكوت عنها إلى حين القضاء عليها بالكامل".