عند وصول عقارب الساعة الخامسة صباحا يوم الخميس 14 أكتوبر من العام الماضي، أثارت دقات عنيفة على باب شقة أسامة رضا الطفل ذي الستة عشر عاما، الفزع داخل نفس والدته، تذكرت أم أسامة بشكلٍ لا إرادي هجوم زوار الليل من الأجهزة الأمنية خلال عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك لاعتقال زوجها الذي لفظ أنفاسه الأخيرة بعد قتله خلال فض اعتصام رابعة ليترك أسامة ولده الوحيد لرعاية أسرته.
فتحت الأم الخائفة، باب المنزل حتى لا يُحطم كما توعدها أحد الطارقين، دفعها أحدهم بقوة:"ابنك إرهابي، وهنقبض عليه علشان بيحارب الدولة"، اقتحم أحد الأفراد غرفة أسامة لينتزعه من بين أخواته البنات، قيّده بقيود حديدية، في سيارة مدنية ليس مكتوبا عليها أرقام.
تحكي والدة أسامة رضا المحكوم بثلاثة أعوام، تفاصيل اعتقال ابنها قائلة لـ"العربي الجديد":"لأسبوعين ظل أسامة مختفيا في مكان مجهول، بحثنا في كل أقسام الشرطة، حتى تم عرضه على النيابة، وآثار التعذيب بادية على جسده، منها الصعق بالكهرباء".
سيد محمد (اسم وهمي لحماية المصدر)، 19 عاماً، اعتُقل وكان مع أسامة داخل قسم أول مدينة نصر، تم إخلاء سبيله أخيراً، يصف الأوضاع الداخلية لقسم أول مدينة نصر خلال فترة احتجازهما به: "أنا وأسامة كُنا محتجزين في غرفة الحجز رقم 4، طولها 4 أمتار وعرضها 3 أمتار، ويقع داخلها حمام من غير باب، والإضاءة ضعيفة، ويوجد فيها ما يقارب 65 سجيناً، كان 45 منهم ينامون على أرضية الحجز على جنبهم، والباقي واقف مُنتظر حتى يستيقظ النائمون ليحصلوا على دورهم، كنا ندفع 20 جنيها (دولارين ونصف) في اليوم للنبطشي (أقدم سجين جنائي في الحجز)، كإتاوة بأمر من أمين الشرطة".
تكدُّس المحبوسين داخل الزنزانة، منع أسامة من الركوع والسجود خلال الصلاة، كان مُضطراً إلى الصلاة واقفاً، حسب صديقه الذي أضاف كذلك "بعد دفع مبلغ مالي 350 جنيها (46 دولارا)، 50 جنيها للنبطشي (7دولارات)، 300 جنيه (40 دولار) لأمين الشرطة، انتقلنا إلى حجز رقم 1 الذي يحوي 20 شخصا فقط، إضاءة كاملة ومروحتان، شفاطان، وحمام عليه ستارة، وكنا ندفع كُل يوم مائة جنيه، للنبطشي".
حالة أخرى تعكس وضع القصر في سجون مصر، إذ توجه إبراهيم رضا أحمد، طالب بالصف الثانوي الصناعي (17 عاما)، رفقة والدته من قريته الشوامي إلى مدينة المنصورة في دلتا مصر، من أجل السؤال عن عدد من الأمور التعليمية التي تهمه، لكن وجوده أمام الباب الرئيسي للجامعة بالتزامن مع مظاهرات طلابية، دفع مجموعة من قوات الأمن إلى القبض عليه عشوائياً، وتحرير تهم كثيرة في محضر النيابة منها "حرق بوابة جامعة المنصورة والتعدي على الأمن بالجامعة وتكدير السلم العام".
حصلت "العربي الجديد" علي تقرير صحي لإبراهيم، يظهر إصابته بضمور في خلايا المُخ وشلل نصفي مع بلوغه العام الخامس من عمره، ما جعله عاجزا عن السمع بأذنه اليسرى وإغماض عينه، مع عدم القدرة على تحمل الضوضاء أو الحرارة، الشهادة الطبية التي كانت ضمن أوراق القضية لم تمنع القاضي من الحكم عليه بالحبس خمسة أعوام، تم تخفيفها لاحقاً إلى عامين في قضيته التي تحمل رقم 6 لسنة 2014 كلي جنوب.
تروي والدة محمد (نبيات حكيم) طرق التعذيب التي تعرض لها ابنها، خلال فترة احتجازه بقسم دكرنس:"ابني المُعاق ذهنياً، تعرض للضرب والتعذيب والصعق بالكهرباء دون سبب يذكر هو ومن معه. وبعد ترحيله إلى سجن المؤسسة العقابية بالمرج (مخصص للأحداث)، علمت أنه يتم تعذيبه هناك". تسكت الأم بُرهة ثم تتساءل بصوت تخنقه الدموع "إزاي واحد معاق يكون إرهابي، ومسؤول عن تشكيل خلية إرهابية، تستهدف الشرطة والجيش".
توثيق اعتقال القصر في قضايا سياسية
يروي محمد الباقر المحامي في مركز عدالة للحقوق والحريات مشاهداته بقسم أول مدينة نصر خلال احتجازه في ذكرى ثورة 25 يناير لعام 2014 بتهمة حيازة تقارير حقوقية، قائلا التقيت 3 قصر محتجزين في نفس الحجز بتهم رأي وليس بتهم جنائية، عمر أحدهم 14 عاماً وعمر الآخرين 16 و17 عاماً، تهمة الأخير الذي كان من محافظة كفر الشيخ ويدرس بجامعة الأزهر (17 عاما) هي كسر ذراع ضابط شرطة، وسرقة مُدرعة، واستخدام أسلحة آلية، والآخر (عمره 16 عاما) الاشتراك في قتل الرئيس الراحل محمد أنور السادات وفقاً للمحضر المحرر من قبل أمين الشرطة، الذي قبض على الطفل بعد وجود فيديو اغتيال السادات على الموبايل الخاص به، وهو ما أثار العجب والدهشة لدى الحقوقي الباقر.
أبرز أماكن احتجاز القصر
يكشف الباقر أبرز أماكن احتجاز القصر المُتهمين في قضايا سياسية، إذ يعد معسكر بنها للأمن المركزي وسجن وادي النطرون ومبنى أمن الدولة في 6 أكتوبر وقسم شبرا الخيمة الذي شهد واقعة احتجاز طفل رغم قرار المحكمة بالإفراج عنه، إلا أن جهاز الأمن الوطني ومأمور قسم شبرا الخيمة، رفضا تنفيذ حكم المحكمة لأنهم يرغبان في مقايضته مع والده المطلوب لديهم أمنياً.
يضيف الباقر إلى قائمة مراكز احتجاز القصر في مصر، الدور الرابع بمديرية أمن الإسكندرية المعروف بـ"سلخانة الدور الرابع" مضيفاً أنه والحقوقيين المعنيين بتوثيق قضايا الانتهاكات والتعذيب غير مسموح لهم بدخول هذه الأماكن.
تنص المادة 112 من قانون الطفل المصري، على أنه لا يجوز احتجاز الأطفال أو حبسهم أو سجنهم مع غيرهم من البالغين فى مكان واحد، ويراعى في تنفيذ الاحتجاز تصنيف الأطفال بحسب السن والجنس ونوع الجريمة، ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على سنتين وهو ما يخالف الشهادات السابقة التي وثقتها "العربي الجديد" مع ذويهم، ومن رافقوهم خلال فترة احتجازهم في السجون.
يؤكد الباقر كذلك أن أجهزة الدولة تخشى الأطفال أكثر من السياسيين البالغين، لأنها ترى أن الطفل غير قادر على السيطرة على نفسه، أو تحركاته وعاطفته، لذلك تحاول القضاء عليه بشكل كاملاً عليه، وقتل أي طموح أو فكر سياسي مُعارض داخله قبل أن يتحول إلى مصدر خطر لشرعيتها.
الإسكندرية الأولى في عدد حالات احتجاز القصر
حسب توثيق حملة "الحرية للأطفال" إحدى المنظمات الحقوقية المعنية بحصر قضايا القصر المُحتجزين في السجون، بلغ عدد المُحتجزين في الفترة الممتدة من 30 يونيو 2013 إلى نوفمبر 2014، 370 حالة احتجاز لقصّر تقع أعمارهم تحت 18 عاماً.
يكشف التقرير الذي اطلع عليه "العربي الجديد"، التوزيع الجغرافي لأعداد المعتقلين إذ وقعت في محافظة القاهرة 22 حالة اعتقال، ومحافظة الجيزة 3 حالات، والإسكندرية 146 حالة، والقليوبية 6 حالات، والدقهلية 94 حالة والغربية حالة اعتقال واحدة، والشرقية 6 حالات، والبحيرة 16 حالة، ودمياط 17 حالة، وبورسعيد 31 حالة، والإسماعيلية 17، والسويس 4، والفيوم 1 وبني سويف 3 وسوهاج 1، وحالتين غير مُحدد جهة اعتقالهم.
يُظهر التقرير الأوضاع القانونية لهذه الحالات، إذ تعرّض 200 حالة منهم إلى تجديد حبس، 72 حالة محالة للجنح، 53 محالة للجنايات، 29 محكوما عليه في قضايا جنح، و16 حالة حُكم عليها بقضايا جنايات.
قارن "العربي الجديد" الأعداد السابقة، من القُصر المعتقلين بالفترة من نوفمبر 2014 إلى الوقت الحالي، تظهر الأرقام التي حصل عليها كاتب التحقيق، تضاعف الأعداد عن الفترة السابقة، إذ بلغت أعداد المُعتقلين خلال تللك الفترة 1078 حالة، منها 660 حالة تجديد حبس، 200 حالة مجهولة جهة اعتقالهم، 57 حالة محالة للجنايات، 60 حُكم عليهم جنايات، 73 حكم عليهم في قضايا جنح، و8 أحكام بين الإعدام والمؤبد كلهم لم يتجاوز عمرهم 18 عاماً، من بينهم طفل سوري، و20 من الذين أحيلوا إلى محاكم عسكرية.
طفل سوري محكوم بالمؤبد
رغم نص المادة 111 من قانون الطفل المصري 12 سنة 1996 والمعدل برقم 126 سنة 2008 على أنه "لا يحكم بالإعدام ولا بالسجن المشدد على المتهم الذي لم تتجاوز سنه الثامنة عشرة عاماً ميلادية كاملة وقت ارتكاب الجريمة"، إلا أن القضاء المصري خالف نص القانون خلال العام الماضي إذ صدرت 8 أحكام إعدام العام الماضي ضد من هم أقل من 18 عاماً في قضايا أغلبها سياسية، منها القضية رقم 300 لسنة 2014 جنايات العدوة، والمعروفة باسم قضية أحداث العدوة صدر حكم إعدام بحق 3 أطفال تقل أعمارهم عن 18 عاماً ، كذلك صدر حكم إعدام بحق طفلين في قضية أحداث كرداسة، والتي قضت محكمة جنايات الجيزة في مصر، فيها بإعدام 183 شخصاً في القضية المعروفة إعلاميا بـ"أحداث كرداسة" أحدهما مُعتقل والآخر غيابي، و كذلك صدر حكم مؤبد على عبد الله سلطان 17 عاماً، وحالة إعدام لطفل يُدعي فيصل محمد من محافظة سيناء، وكذلك حكم بالحبس المؤبد علي طفلٍ سوري محمد محسن البردقاني في فبراير الماضي بتهمة الانتماء لحركة حماس الفلسطينية.
الداخلية تنفي
واجهت "العربي الجديد" العميد راضي عبد العاطي، رئيس وحدة التواصل المجتمعي وحقوق الإنسان في وزارة الداخلية بكافة الانتهاكات، التي وثقتها الجريدة عبر شهادات لأصحابها وحصر لكافة الأرقام، لكنه نفى كُل ما سبق قائلاً "لا يوجد أماكن سرية داخل معسكرات الأمن المركزي لاحتجاز الأطفال، أو سجون سرية للوزارة، وكافة قطاعات السجناء تخضع للرقابة والإشراف الكاملين".
وأضاف "عبد العاطي في تصريحات إلى "العربي الجديد":"هذه الأرقام التي قمتم بتوثيقها، غير حقيقية، متهماً المنظمات الحقوقية بمحاولة تشويه سمعة مصر خارجياً، باختلاق وقائع كذب وتدليس أمام العالم الخارجي ونشر ادعاءات، مؤكداً أن كافة السجناء يخضعون في المُعاملة للمعايير الدولية لمواثيق حقوق الإنسان، وأن هناك زيارات تجري بشكل مستمر لأقسام الشرطة والسجون".
---------
اقرأ أيضا :
صراع الجيش والداخلية في مصر.. المعركة على النفوذ
سجون الإسكندرية.. ابتزاز المعتقلين وأُسرهم لـ"دفع المعلوم"
1200 محتجز قسراً في سجون اليمن.. الموت طريق الخلاص
برد الزنازين 3..الالتصاق طريقة المعتقلين السوريين لمقاومة الصقيع
بانتظار المصالحة مع الرئيس المؤمن صدقي صبحي
برد الزنازين العربية 2..كيف يواجه المعتقلون صقيع سجون مصر؟