تهريب السجائر إلى غزة... سوق سوداء يؤججها الاحتلال عبر "كرم أبو سالم"

04 اغسطس 2024
وصل سعر السيجارة الواحدة إلى 100 شيكل (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **سوق سوداء للسجائر في غزة**: منع الاحتلال إدخال السجائر أدى إلى ارتفاع أسعارها وخلق سوق سوداء، مما تسبب في فوضى واعتداءات على السائقين.
- **تهريب واحتكار السجائر**: نسبة المدخنين في فلسطين 34%، وتهريب السجائر أصبح تجارة مربحة بالتنسيق مع تجار في إسرائيل ومصر والضفة الغربية.
- **الفوضى وتأثيرها على المساعدات**: تهريب السجائر بعد فتح معبر كرم أبو سالم أدى إلى تأخير الشاحنات ونهبها، مما أثر على إيصال المساعدات الإنسانية.

خلق الاحتلال سوقاً سوداء للسجائر في غزة، بعد منع إدخالها للقطاع، لتصل إلى أسعار فلكية، والمشكلة الكبرى هي حالة الفوضى التي ترافق تهريبها وسط البضائع الداخلة من معبر كرم أبو سالم، وآثارها على الاحتياجات الإنسانية.

- أوقفت مجموعة من المسلحين، سائق الشاحنة الفلسطيني محمد عبد الرحمن، أثناء عمله في نقل البضائع من معبر كرم أبو سالم باتجاه وسط قطاع غزة في يونيو/حزيران الماضي. في البداية ظن أنهم سينهبون حمولته، لكنه فوجئ ببحثهم عن صناديق محددة ويستخرجون منها سجائر مهربة.

وبات انتشار اللصوص وقُطاع الطُرق على طول شارع صلاح الدين الواصل ما بين محافظتي رفح وخانيونس جنوب قطاع غزة، من المشاهد المألوفة. يقول عبد الرحمن: "يعلمون أين يبحثون وسط السلع والبضائع وحتى المساعدات الغذائية، وفي حال رفض السائق التوقف والتعاون معهم يتعرض للاعتداء والضرب وقد يفقد حياته". 

وبدأت الظاهرة عقب منع الاحتلال إدخال السجائر إلى القطاع بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ما تسبب في ارتفاع كبير في أسعارها، إذ تباع السيجارة "نفل" (تعني محلياً واحدة) مقابل 100 شيكل (27 دولاراً أميركياً)، بعد ما كان ثمنها شيكلاً واحداً فقط، ووصل الأمر إلى بيعها مجزأة بالسنتيمتر ويباع التبغ بالغرامات، كما أن الدخان العربي (اللف) أو السجائر الشامي (أنواع رديئة تعتمد على التبغ المزروع محلياً وبعضها مغشوش بمواد أخرى مثل الشاي) يبدأ سعرها من ستة دولارات، بحسب إفادات تجار السجائر في القطاع.

 

تهريب واحتكار في زمن الحرب

بلغت نسبة المدخنين في فلسطين 34% وفق بيانات وزارة الصحة الفلسطينية الصادرة في مايو/ أيار 2023، وبحسب استطلاع رأي ميداني غير قياسي أجراه مُعد التحقيق شمل 50 مدخناً، من محافظات رفح، خانيونس، وسط القطاع، قال 20% منهم إنهم أقلعوا عن التدخين لعدم قدرتهم على شراء السجائر، بينما لجأ 70% إلى بدائل مثل شراء الدخان الشامي والعربي، كما يشتري 30% السجائر العادية لكن بمعدل يقل بنسبة 80% عما اعتادوا عليه، إذ يدخن أحدهم سيجارة واحدة كل 48 ساعة، كما أكد مُستطلع واحد أنه باع خاتم زوجته الذهبي واشتري بثمنه ثلاث سجائر، بينما أكد آخرون مشاركتهم في نهب قوافل المساعدات، لتوفير ثمن السجائر، وأكد 95% من المستطلعين رغبتهم بالعودة للتدخين كما السابق، حال عادت السجائر وتوفرت في الأسواق، وانخفضت أسعارها مجدداً.

%34 نسبة المدخنين في فلسطين بحسب وزارة الصحة

وبسبب تلك الحالة نشط تهريب السجائر عبر إخفائها وسط السلع والبضائع، كما يقول التاجر سمير، الذي اكتفى بذكر اسمه الأول للموافقة على الحديث، قائلاً: "المكسب خيالي، يصل ثمن كرتونة السجائر التي تحوي 50 كروز، (يتكون الكروز الواحد من عشر علب) إلى مليون شيكل، ما خلق عصابات تهريب ممتدة داخل إسرائيل ومصر والضفة الغربية بالتعاون مع تجار في القطاع".

وتلجأ شبكات التهريب إلى إدخال السجائر عبر إخفائها داخل الشاحنات التي تنتظر الدخول إلى غزة بدون علم السائق، ويظل المهرب على اتصال مع نظرائه في الطرف الآخر ليخبرهم ببيانات الشاحنة وأين وضع السجائر، وبمجرد وصولها يتم مهاجمتها، وإجبارها على الوقوف عبر وضع عوائق أمامها، وإشهار السلاح في وجه سائقها، ومن ثم تفتيشها والحصول على السجائر، كما يقول السائق محمود إبراهيم (اسم مستعار لخوفه من المهربين)، والذي أوقفه لصوص في الشهر الماضي، قائلاً: "صدمت بعدما أخرجوا السجائر من سلال المساعدات".

 

شبكات التهريب تعمل تحت أعين الاحتلال

تزايدت عمليات تهريب السجائر وإيقاف شاحنات البضائع والمساعدات اعتباراً من أوائل يونيو الماضي، بعد إعادة فتح معبر كرم أبو سالم، ما أثر على أسعار احتياجات أهالي القطاع، إذ باتت مدة تفتيش الشاحنات تستغرق وقتاً طويلاً، عدا عن تزايد اعتراضها ونهبها، خلال البحث عن السجائر.

وتتفاقم الأزمة الإنسانية كما يؤكد المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" فيليب لارزيني، بسبب الفوضى التي تعم قطاع غزة، مع تزايد أعداد المنضوين ضمن عصابات التهريب، وبالتالي صعوبة إيصال المساعدات للمحتاجين، قائلاً في إحاطة صحافية نشرها موقع أونروا في يونيو الماضي: "عدد المعابر لا يزال محدوداً للغاية، نواجه انهياراً شبه تام للقانون والنظام، ويتعرض سائقو الشاحنات للتهديد أو الاعتداء بشكل منتظم، كما أن استعدادهم لنقل المساعدات من الحدود إلى مخازننا ومن المخازن إلى الناس يقل أكثر فأكثر. وبالإضافة إلى ذلك، تهريب السجائر، أحدث أنواع التهريب التي تجري في غزة، وبلغنا أن السيجارة الواحدة تكلف ما بين 20 إلى 30 دولاراً".

ويتهم التجار ضباطاً إسرائيليين بالحصول على رشى والتعاون مع مهربي السجائر والمخدرات، لأن: "الاحتلال يمتلك أجهزة تفتيش دقيقة تستطيع رؤية كل شيء، رغم ذلك يتم إدخال تلك البضائع في ظل مسؤولية وسيطرة كاملة للاحتلال على معابر غزة وكل ما يدخلها".

وبحسب إفادة اثنين من تجار السجائر، ثمة طريقة أخرى للتهريب، تتم بالاتفاق ما بين السائقين العاملين في الجهتين (سائقو الشاحنات من الضفة الغربية أو داخل دولة الاحتلال، ونظراؤهم الفلسطينيون)، إذ يتواصل سائق من داخل الضفة أو إسرائيل مع نظيره الفلسطيني داخل غزة، ويخبره بأنه قام بوضع السجائر في مكان معين داخل الشاحنة، وحين تخرج من المعبر، وهي في طريقها إلى غزة، يجد من ينتظره، ليخرج السجائر ويسلمها إلى شركائهم قبل توصيل البضائع أو المساعدات لأصحابها، وبالطبع يجري هذا الأمر دون علم المؤسسات التي جلبت المساعدات الغذائية، أو مستورد البضائع.

وتقوم الطريقة الثالثة على تنسيق كامل بين التجار في الضفة الغربية وغزة، ليتم ترتيب وتجهيز العملية في الضفة الغربية، قبل شحن البضائع باتجاه القطاع، وإخفاء السجائر وسط صناديق البضائع وحتى داخل أجولة الطحين والحفاضات التي تنقل عبر معبر كرم أبو سالم، والذي أصبح بديلاً عن معبر رفح، ومن خلاله يسمح الاحتلال بدخول بضائع تجارية بكميات لا تتجاوز 30 أو 40 شاحنة يومياً.

الصورة
بيع التبغ بالغرامات
إلى جانب السجائر يجري تهريب المخدرات بعد سيطرة الاحتلال على المعابر  (العربي الجديد)

 

تعطيش السوق وتهريب المخدرات

رغم إعلان الاحتلال عن ضبط سجائر مُهربة إلى القطاع وسط البضائع مرتين خلال شهري يونيو ويوليو/ تموز، إلا أن  شحنات كثيرة هربت إلى القطاع، وهو ما يبدو في استمرار عرض السجائر في الأسواق، خاصة منطقة مواصي خانيونس، ومدينة دير البلح، إذ يوجد باعة يحملون علب سجائر مفتوحة لبيعها بالواحدة ومنشأها القدس والضفة الغربية وإسرائيل، وبعضها أردنية يجرى توريدها للضفة.

ويعمد التجار إلى تعطيش السوق بطرح كميات قليلة مما يصل إليهم، كما يقول ثلاثة من باعة السجائر في سوق "مفترق جامعة الأقصى"، بمواصي خانيونس، والسبب حتى تظل أسعارها مرتفعة، بحسب البائع خالد جمعة، الذي يشتري يومياً علبتي سجائر من تاجر في مدينة دير البلح، ويبيعها بالواحدة بهامش ربح 35 شيكلاً (حوالي عشرة دولارات) للعلبة الواحدة.

والأخطر مما سبق أن كميات كبيرة من المخدرات تدخل القطاع من خلال التهريب، وفق ما شاهده أحمد سالم، والذي يعمل في بيع السجائر، قائلاً: "يوجد بيع شبه علني للحشيش وعقار "لاريكا/كبتاغون"، و"ترامادول"، وجميعها تدخل تحت أعين الاحتلال الذي يسيطر على المعابر".

 

إشاعة مقصودة للفوضى

أدى احتلال معبر رفح، وتغييب الجهات الحكومية على يد الاحتلال، إلى سهولة عمليات تهريب السجائر والمخدرات، بحسب ما أكده مصدر أمني مطلع، رفض ذكر اسمه بسبب الاستهداف الإسرائيلي، موضحاً أن غياباً شبه كامل للجهات الأمنية والحكومية التي يقتل الاحتلال منتسبيها أسفر عن منعها من مراقبة دخول السلع وتفتيشها، لكنها تحاول القيام بما تيسر ومن ذلك التدخل لمنع نهب المساعدات أو ضبط السلع منتهية الصلاحية والفاسدة، والتي أصبحت تدخل إلى القطاع، بعد السيطرة الإسرائيلية.

وقوّض الاحتلال بشكل مقصود منذ بداية العدوان دور جهاز الشرطة، والذي كان يشرف على كل تفاصيل إدخال ونقل، وتأمين المساعدات، وحتى توزيعها، عبر استهداف عناصر الشرطة ولجان تأمين المساعدات، ومنع رجال الأمن من الوصول إلى مناطق كثيرة، منها شارع صلاح الدين، ومعبر رفح، بينما سهل في الوقت ذاته من وصول اللصوص وقُطاع الطرق، وفق ما يؤكده المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، إسماعيل الثوابتة، موضحاً أن الاحتلال سعى منذ اللحظة الأولى للعدوان إلى خلق حالة من الفراغ الإداري والحكومي، عبر تدمير المقار الحكومية، وقتل العاملين في مختلف الوزارات، ما سهل من تفاقم حالة الفوضى، وخلق ظواهر لم تكن موجودة من قبل.

وأقر الثوابتة بأن حالة الفوضى أثرت بشكل سلبي على وصول المساعدات، فالاحتلال يدخلها بالقطارة، وما يصل يجري نهبه ويُحرم مستحقوها منها. ما سبق يؤكده عشرة نازحين مقيمين في مواصي خانيونس، إذ تراجع وصول المساعدات إليهم بنسبة تفوق 80% جراء عمليات النهب والتهريب.

وبسبب تلك الفوضى يستعين تجار يجلبون البضائع من الضفة الغربية بمجموعات من المسلحين تسمى "لجان التأمين"، كما يقول عبد الله يوسف الذي يعمل على جلب سلع غذائية من الضفة، موضحاً أن طريق صلاح الدين صار عليه ستة حواجز عائلية، لذا شاحنات المؤسسات الإغاثية أكثر عرضة للنهب بسبب تأمينها المتواضع، بينما شاحنات التجار مؤمنة بشكل أفضل، إذ يدفع التاجر نحو عشرة آلاف دولار لتأمين قافلة تضم ما بين ثلاث وحتى خمس شاحنات، ولا يتوانى الحراس عن قتل اللصوص مباشرة.

يدفع تجار غزيون آلاف الدولارات لتأمين قوافل البضائع

ويصل يومياً ما بين خمسة وعشرة مصابين وقتلى بعضهم يسقطون برصاص لجان التأمين، وآخرون دهساً بواسطة الشاحنات التي يحاولون إيقافها ونهبها، بينما يحاول عناصر شرطة متخفون التدخل لوقف النهب، كما يؤكد المصدر الأمني، قائلاً: "تشن حشود منظمة هجمات منسقة بحثاً عن السجائر المهربة".