ساحل المخدرات... أنشطة عابرة للحدود تمول إرهاب حركة الشباب الصومالية
تمول حركة الشباب أنشطتها المحلية في الصومال، والإقليمية في دول الجوار، عبر تجارة المخدرات والضرائب التي تفرضها على من يعملون بها، في ظل الفوضى الأمنية التي تعيشها دول شرق أفريقيا والعلاقات العابرة للحدود مع المنتجين.
- ترك الشاب الصومالي عمر محمد أبو أيان، حركة الشباب المجاهدين في عام 2013، لسببين كما يقول أولهما اقتناعه بأن أفعالها لا يوجد وصف آخر لها غير الإرهاب، والثاني تورطها في تهريب المخدرات بحثا عن مزيد من مصادر التمويل، مضيفا لـ"العربي الجديد": "اتجار الحركة بالمخدرات أثار خلافات بين القيادي عمر شفيق همامي المعروف بـ"أبو منصور الأميركي" وأحمد عبدي غودني أحد أبرز زعماء الحركة خلال الفترة من عام 2008 وحتى 2014، إذ يرفض الأول اتجار الحركة بالمخدرات والحصول على ضرائب من تجارها، كونه يتعارض مع هدفها المعلن بتطبيق الشريعة الإسلامية".
وتعد المخدرات إحدى المصادر المهمة لتمويل حركة الشباب، حسب أبو أيان، والذي يؤكد بناء على معلومات استقاها من مسؤول مالي في الحركة أن ما يصل إلى 30 بالمائة من دخل الحركة يأتي من المخدرات، مشيرا إلى أن الحركة تمول جماعات ومؤسسات إرهابية في مناطق أخرى من القارة الأفريقية، وهو ما تؤيده تصريحات الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في يوليو/تموز 2023، الذي اتهم فيها حركة الشباب بتمويل الجماعات الإرهابية في موزمبيق ونيجيريا وغرب القارة الأفريقية، كما أن تقرير المخدرات العالمي الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في مايو/أيار 2017، أكد أن "أكثر من نصف الدخل لجماعات تعترف بها الأمم المتحدة رسميا باعتبارها منظمات إرهابية وهي حركة الشباب، تنظيم الدولة الإسلامية، طالبان والقاعدة، وبوكوحرام، يأتي من تجارة المخدرات"، و"تجمع حركة الشباب حوالى 100 مليون دولار أميركي سنويًا من خلال مصادر تمويل متعددة، بما في ذلك ابتزاز الشركات المحلية والأفراد وتحصيل الرسوم على السلع وتسهيل التجارة غير المشروعة"، بحسب ما جاء على الموقع الرسمي لوزارة الخزانة الأميركية في السابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2022.
كيف تصل المخدرات إلى الصومال؟
"يتم شحن الهيروين من أفغانستان إلى الساحل الشرقي الأفريقي عبر الطريق الجنوبي (بحري) وهي عبارة عن شبكة طرق برية وبحرية تمتد على طول شرق وجنوب أفريقيا، لتصل في نهاية المطاف إلى بلدان في أفريقيا وآسيا وأوروبا"، حسب تقرير "ساحل الهيروين: اقتصاد سياسي على طول ساحل شرق أفريقيا"، الصادر عن مشروع تعزيز استجابة أفريقيا للجريمة المنظمة عبر الوطنية ENACT (يعمل على الحد من تأثير الجريمة المنظمة على التنمية والحكم والأمن وسيادة القانون) في الرابع من يونيو/حزيران 2018، لافتا إلى أن شبكات المخدرات الأفريقية في دول مثل الصومال وكينيا لها ممثلون في إقليم خيبر بختونخوا في شمال غرب باكستان.
يتم شحن الهيروين من أفغانستان إلى الساحل الشرقي الأفريقي
و"اكتسب الطريق الجنوبي أهمية في تهريب المخدرات لأن الطريق البري من البلقان إلى أوروبا الغربية يزداد صعوبة أمام المتاجرين، بسبب الصراعات الخاصة بتجارة البشر ونشاط أجهزة إنفاذ القانون"، وفق التقرير ذاته الذي أعده الباحثون سايمون هايسوم وبيتر جاسترو ومارك شو، بدعم من الاتحاد الأوروبي، ويؤكد التقرير أن "مواقع إنزال الهيروين تقع في أقصى الشمال على الساحل الصومالي الذي يبلغ طوله 3700 كيلومتر"، ويلفت إلى أن "كيسمايو مدينة رئيسية لتجميع الهيروين، ومن ثم شحنه لتهربيه عن طريق البر (السيارات) والبحر (القوارب) إلى كينيا مع البضائع المهربة التي يتم تداولها بين البلدين"، وهو ما يؤكده نور محمد علسو رئيس سابق لقسم مكافحة المخدرات والإرهاب في وكالة الاستخبارات والأمن القومي (من 2017 إلى 2021)، مشيرا إلى أن موقع الصومال يساهم في تهريب المخدرات إلى دول شرق أفريقيا، ويقول لـ"العربي الجديد" إن الحدود الصومالية الكينية تعد أهم الممرات لتهريب المخدرات بأنواعها المختلفة.
وتهرب المخدرات على الحدود الصومالية الكينية عبر أقاليم جوبا السفلى وغدو جنوب الصومال، وبكول جنوب غرب الصومال، كما تهرب على الشريط الحدودي الغربي بين الصومال وإثيوبيا عبر أقاليم هيران جنوب وسط الصومال، وغلغدود، ومدغ (وسط)، كما يقول أبو أيان، مضيفا أن حركة الشباب (تسيطر على مناطق واسعة من الأجزاء الجنوبية والوسطى من البلاد) وتستغل الفراغ الأمني على طول الحدود الصومالية الإثيوبية والكينية، للتنقل بكل سهولة على طول تلك الحدود.
ومن بين أهم وقائع عمليات تهريب الهيروين إلى السواحل الصومالية، "مصادرة طن من الهيروين قبالة سواحل الصومال في 2014"، بحسب ما جاء في تقرير "نظرة على المخدرات: مسارات تهريب المواد الأفيونية من آسيا إلى أوروبا"، الصادر عن المركز الأوروبي لرصد المخدرات والإدمان (وكالة تابعة للاتحاد الأوروبي ومقرها في لشبونة) في يونيو 2015. وفي الثامن من يونيو 2018 تمكنت القوات البحرية المشتركة CMF (تحالف بحري متعدد الجنسيات، مهمته مكافحة الإرهاب ومنع القرصنة والحد من الأنشطة غير القانونية، وتعزيز البيئة البحرية الآمنة) من ضبط 251 كيلوغراما من الهيروين في مركب شراعي قبالة سواحل الصومال، تقدر قيمته بـ 2.6 مليون دولار، حسب موقع القوات البحرية المشتركة على الإنترنت.
الاتجار بالمخدرات في المدن الصومالية
لدى اعتقال الشرطة الصومالية 68 عنصرا من حركة الشباب خلال عامي 2016 و2017، اعترف 26 منهم بأنهم مدمنون على المخدرات، بحسب تأكيد العقيد صديق آدم علي، المتحدث باسم الشرطة الصومالية لـ"العربي الجديد".
وظهر القيادي بحركة الشباب محمد حاج أحمد الملقب بــ"الكاعسي"، في فيديو وهو يقول:" لغدر العدو يمكنك تعاطي الحشيش معه".
ويؤكد الملازم أبوكر معلم محمود، مسؤول التوعية في الجيش الصومالي أن "الكاعسي" اعتقل في عام 2019، وأُعدم بناء على حكم قضائي صدر من محكمة القوات المسلحة الصومالية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ويقول لـ"العربي الجديد" إن حركة الشباب ترتبط بعلاقة وثيقة مع مافيا المخدرات، كما تتاجر بها في الأراضي الصومالية، كما يقول علسو، الذي يتفق مع أبو أيان على أن الصومال دولة استهلاك للمخدرات، كما أنه دولة عبور لوجهات أخرى.
مصادرة طن من الهيروين قبالة سواحل الصومال
وتدخل المخدرات إلى مدن مقديشو وبيدوا وسط جنوب الصومال ومدينة أفجوي في إقليم شبيلي السفلى جنوب غرب الصومال، ومركا (ميناء صومالي يطل على المحيط الهندي) وتنقل على ظهر الدواب أو على متن الدراجات النارية، كما يتم إخفاؤها في شاحنات نقل البضائع والخضروات، كما يقول خليف علي نائب عمدة مدينة كونت واري بإقليم شبيلي السفلى، مضيفا لـ"العربي الجديد" أن تجارة المخدرات تتركز في أقاليم شبيلي الوسطى جنوب شرق الصومال وشبيلي السفلى وجوبا السفلى، إذ تستغل الحركة وعورة الطرق هناك، ما يصعب من وصول الأجهزة الأمنية إليها.
وأدى ذلك إلى تفشي الإدمان على المخدرات بين الصوماليين، إذ تتراوح نسبة التعاطي وسط الشباب بين 80 و90 بالمائة، كما يقول محمد بري محمود، وزير الشباب والرياضة في الحكومة الفيدرالية الصومالية لـ"العربي الجديد".
كما تفشت المخدرات بين أطفال الشوارع في المدن الصومالية، وفق دراسة مسحية أجرتها وزارة المرأة وتنمية حقوق الإنسان في الحكومة الفيدرالية في عام 2020. وأكدت تلك الدراسة التي شملت 107 من أطفال الشوارع في مدن مقديشو وكيسمايو وبيدوا وغالكعيو وسط الصومال، أن نسبة أطفال الشوارع الذين يتعاطون المخدرات 58 بالمائة.
لكن الأخطر "تمويل حركة الشباب لظاهرة تعاطي المخدرات بأنواعها المختلفة بين أفراد الجيش"، بحسب عبد القادر محمد نور، وزير الدفاع بالحكومة الفيدرالية الصومالية، قائلا في ختام دورة تدريبية لجنود صوماليين تلقوا تدريبات في قاعدة عسكرية في منطقة كيروهورا (265 كيلومتر جنوب غرب كمبالا) في مايو 2023 إن "الحركة بذلك تستهدف تدمير قواتنا المسلحة".
حملات حكومية للحد من الظاهرة
تمكنت قوات الأمن الصومالية في مدينة كونت واري بإقليم شبيلي السفلى بالتنسيق مع القوات الصومالية الخاصة المعروفة بـ"دنب"، من تدمير 10 أوكار لتخزين المخدرات في مناطق محيطة بالمدينة أثناء قيامهم بثلاث حملات في عام 2020، و4 في 2021، و9 حملات في 2022، حسب تأكيد نائب عمدة مدينة كونت واري، مشيرا إلى أن هذه الحملات نفذت ضد تجار المخدرات وأماكن تخزينها وتمت إزالة الحشيش من مناطق زراعته في أجزاء من إقليمي شبيلي الوسطى والسفلى، وهو ما يؤكده الملازم محمود، قائلا إن القوات الصومالية الخاصة، تداهم مزارع الحشيش في إقليمي شبيلي الوسطى والسفلى، للتخلص من المخدرات.
ما سبق يؤكده شيخ عبد الله أحمد غرون، رئيس قسم البرامج الدينية ومكافحة التطرف بوزارة الإعلام بالحكومة الفيدرالية، قائلا لـ"العربي الجديد" إن حركة الشباب تزرع مخدر الحشيش في مناطق سيطرتها في أجزاء من إقليمي شبيلي الوسطى والسفلى المجاورين للعاصمة مقديشو، كما تفرض ضرائب على الشاحنات التي تحمل المخدرات بأنواعها المختلفة.
وتعمل الشرطة الصومالية على إزالة بؤر بيع المخدرات من خلال مداهمة مراكز بيع للمخدرات، إذ أغلقت 15 مركزا ومستودعا لبيع المخدرات في ثلاث مقاطعات في مقديشو خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني حتى يونيو 2023، حسب تأكيد العميد محمد إسماعيل غاس، المدير العام لعمليات الشرطة الصومالية، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن الشرطة تخوض مواجهات مسلحة مع عصابات تهريب المخدرات المدعومة من حركة الشباب، والتي تشكل تهديدا خطيرا لأمن البلاد.