استوقفه أحدهم قائلاً "لا تفرح بهذا الشكل، فلن ندع مرسي يكمل عاماً واحداً في الحكم"، وقتها تعامل عماد مع الحديث باعتباره مجرد رد فعل انفعالي من الطرف الخاسر، لكن وبعد الثلاثين من يونيو عام 2013، اتضح أن الأمر لم يكن بالصورة التي تخيّلها، وبدا أن زميله كان يقصد كل كلمة قالها.
النتيجة
لدى سؤالها عن قرار عودة السفير المصري إلى إسرائيل، بعد انقطاع دام 3 أعوام، لم تتردد سيدة مصرية في اتهام جماعة الإخوان المسلمين بالمسؤولية عن الأمر، رغم أن القرار صدر من وزارة الخارجية التي تتبع حكومة عبد الفتاح السيسي، في يونيو من عام 2015، بعد أكثر من عامين على وضع الإخوان في السجون. تابعت السيدة التي تتحدث في تسجيل مصور منتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، أن "معظم الإسرائيليين أصلاً إخوان".
كيف وصلت تلك السيدة إلى ترديد شائعات غير عقلانية، منتشرة إعلامياً، يرى الدكتور أحمد سمير، أستاذ الإعلام في جامعة الأزهر، أن "الإعلام المصري هو المسؤول الوحيد عن انتشار تلك الشائعات في حملة ممنهجة بدأت خلال عهد مرسي، وغالبيتها كانت مفبركة، محددة الغرض في سياق العمل على إسقاط الرئيس السابق".
منذ عهد مرسي وحتى الانقلاب
وثّقت "العربي الجديد" الهجوم المنظم والمستمر للإعلام المصري على الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان طوال العام الذي شغله مرسي في منصب الرئيس، واعتمدت على آلية تحليل الخطاب الإعلامي في تلك الفترة، توصل كاتب التحقيق إلى أن الإعلام المصري كان يحرص على تحميل مرسي والإخوان مسؤولية أي إخفاق أو سلبيات، حتى لو كانت مزمنة ومتوارثة منذ عهد مبارك وحتى في ما قبله، مستغلاً إخفاقات الإخوان ومرسي في ملفات اقتصادية وعدوا الشعب المصري بإنجازها.
لكن أكثر الشائعات خطورة وتأثيراً في الفضاء الإعلامي المصري، كانت تلك التي هدفت إلى نزع صفة الوطنية عن مرسي والإخوان، وتصويرهم باعتبارهم عصابة استولت على الدولة لتدميرها. شائعات لم تهدف فقط إلى إسقاط الإخوان وتهيئة الساحة للسيسي لتصدّر المشهد، بل استخدامها بعد ذلك عند اللزوم في تثبيت حكمه ومحاولة احتواء أي إخفاقات يواجهها، كما يثبت التحقيق في حلقتين.
اعتمدت الشائعات في عهد مرسي على 3 استراتيجيات رئيسية، هي:
أولاً: الطعن في شرعية مرسي
منذ انطلاق جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة في العام 2012، نشر الإعلام المصري عدة شائعات كان محورها فكرة تفوّق شفيق في النتيجة النهائية، وأن جماعة الإخوان تهدد بإحراق البلاد وإغراقها في الفوضى إذا تم إعلان فوز شفيق.
يمكن في هذا الإطار رصد الشائعات التي أطلقها عدد من الإعلاميين قبل إعلان النتيجة للإيحاء بفوز شفيق، مثل التي أطلقها مصطفى بكري عن ذهاب قوات من الحرس الجمهوري لمنزل شفيق لتأمينه.
لم تتوقف هذه الشائعات حتى بعد إعلان النتيجة رسمياً، وظل الإعلاميون يلحّون عليها بصورة دورية، مؤكدين أن تهديدات الإخوان دفعت المجلس العسكري إلى إعلان فوز مرسي. لكنها خفتت كثيراً بعد عزل مرسي وتولي السيسي منصب الرئاسة، لأنه من الطبيعي أن يسعى السيسي لتأكيد شرعيته مقابل أي شرعية أخرى، سواء كانت لمرسي أو لشفيق، وإذا سمح بنشر هذه الشائعات مرة أخرى فإنه بذلك يطعن في شرعيته هو ويؤكد أحقية شفيق بمنصب الرئاسة.
لكن هذه الشائعة عادت بقوة في الأيام الأخيرة في إطار الصراع الذي بدأ بين شفيق والسيسي، إذ نشرت جريدة "الوطن" الداعمة للسيسي حواراً مطولاً مع من قالت إنه كان مسؤولاً سابقاً وكبيراً بالاستخبارات الحربية أكد فيه فوز شفيق بمنصب الرئاسة.
ثانياً: الطعن في وطنية مرسي والإخوان
احتوت هذه الاستراتيجية على العديد من السياسات الفرعية، وهي:
- العمالة والجاسوسية
ارتبطت تلك الشائعات بخطاب الثورة المضادة الذي أراد تصوير ثورة الخامس والعشرين من يناير باعتبارها مؤامرة خارجية، وتعتمد على سردية مفادها أن جماعة الإخوان نسّقت مع حركة حماس وحزب الله لاختراق الحدود ومهاجمة السجون وأقسام الشرطة لصنع حالة من الفوضى للإطاحة بنظام مبارك والإفراج عن قيادات الإخوان في السجون. وتم التركيز على مرسي ليس باعتباره رئيساً للجمهورية، بل باعتباره هارباً من السجن وجاسوساً ومتخابراً مع دول أجنبية، وهو السيناريو الذي تم تحويله بعد ذلك إلى قضية يُحاكم مرسي بشأنها الآن. ويصر عدد من المذيعين المرتبطين بالنظام على وصف مرسي بلقب "الجاسوس".
في عهد مرسي أيضاً قامت إحدى الصحف بنشر تفريغ لما قالت إنها مكالمات بين قيادات في جماعة الإخوان المسلمين ونظيراتها في حركة حماس، دون أن تقدم أي تسجيل لهذه المكالمات المزعومة، واحتوى التفريغ على اتهامات صريحة للإخوان وحماس بالتورط في التخطيط لموقعة الجمل، ووجدت هذه الاتهامات صدى كذلك لدى قطاعات من الشعب المصري.
وعلى الرغم من مركزية القضية الفلسطينية في خطاب جماعة الإخوان، إلا أن الإعلام المصري اتهمهم بإقامة علاقات مع إسرائيل، بل وإقامة اتفاقيات سرية معهم، وتم استغلال حادثتين بهذا الخصوص: كانت الأولى الخطاب الذي وجّهه مرسي للرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز بمناسبة تعيين سفير مصري جديد لدى إسرائيل، والذي بدأ بجملة "صديقي العزيز بيريز".
أما الحادثة الثانية، فكانت تصريحات عصام العريان، مستشار مرسي في ذلك الوقت، حول إمكانية عودة الإسرائيليين من أصل مصري إلى مصر مرة أخرى إذا كان هناك حل شامل لمشكلة فلسطين.
قبل الانقلاب بأشهر قليلة، دأب الإعلام المصري على نشر رواية للمرشح الرئاسي السابق حسام خير الله، رئيس هيئة المعلومات والتقديرات ووكيل جهاز الاستخبارات العامة السابق، تتهم مرسي بالعمل جاسوساً لصالح الولايات المتحدة أثناء فترة عمله هناك، وأنه كان أحد أسباب فشل عملية "الكربون الأسود" التي كانت تهدف إلى الحصول على أسرار تكنولوجيا صناعة الصواريخ الأميركية.
بالإضافة إلى ذلك، قام الإعلام بعرض مكالمة مرسي مع قناة الجزيرة صباح يوم 30 يناير/ كانون الثاني 2011 باعتبارها دليل إدانة له، رغم أنها دليل براءة، فمرسي قال خلال المكالمة إنه مستعد لتسليم نفسه للسلطات لكنه لا يعرف إلى أين يتوجه، كما أن مرسي نفسه جلس مع عمر سليمان أثناء الثورة ولم يقل أحد إنه مطلوب للعدالة.
كما أكد الإعلام أن مرسي اتصل خلال المكالمة بهاتف من نوع "الثريا" المتصل بالأقمار الصناعية حصل عليه من حماس، رغم أن الاتصالات في ذلك الوقت كانت قد عادت والمكالمة تمت من هاتف عادي.
عند النظر إلى هذه الشائعات مجمعة سيتم اكتشاف حجم تناقضها، فالإخوان وفقاً لهذه الشائعات عملاء لكل من: حماس ـ حزب الله ـ إيران ـ الولايات المتحدة ـ إسرائيل. لكنها رغم ذلك وجدت من يستمع لها ويصدقها، وهو ما يفسره الدكتور أحمد سمير بأن "الشائعات كانت تنطلق من جميع وسائل الإعلام المصرية المؤثرة تقريباً، كما أن الجمهور الرافض للإخوان كان من السهل أن يصدق مثل هذه الشائعات، كما أن نسبة كبيرة من الجمهور المصري يتعامل مع إعلام بلاده بنوع من افتراض المصداقية والصدق، إذ إن غالبية المتعاطين مع الإعلام ليسوا مثقفين أو لديهم المعرفة التي يستطيعون من خلالها التحليل والتفكير".
- التآمر لإسقاط الدولة بعد تولي مرسي منصب الرئاسة
المتابع لخطاب الإعلام المصري في عهد مرسي، يجد أن كل الشائعات والمعلومات المفبركة التي ينشرها بانتظام خلال الفترة الحالية كان لها أصل قوي قبل الانقلاب، ومنها شائعة نشرتها جريدة "الوطن" حول تآمر الإخوان لتفكيك الجيش المصري عن طريق التعاون مع تنظيم القاعدة وأنصار بيت المقدس لتحقيق حلم الخلافة.
وبعد اختطاف سبعة جنود مصريين في سيناء، في عهد مرسي، اتهمت الصحف والفضائيات مرسي بالتنسيق مع الخاطفين والتخطيط معهم لإحراج الجيش ووزير الدفاع عبد الفتاح السيسي. وأكدت أن الإفراج عن الجنود كان في إطار صفقة بين مرسي والإخوان من جهة، والخاطفين من جهة أخرى، تقضي بعدم ملاحقتهم.
- بيع البلاد إلى الأجانب
واتهم الإعلام الإخوان ببيع منطقة حلايب وشلاتين إلى السودان، وبيع سيناء لإقامة وطن قومي للفلسطينيين، وبيع قناة السويس إلى دولة قطر، وبيع مياه النيل إلى إسرائيل، والتساهل في موضوع سد النهضة مع إثيوبيا. ووصلت الشائعات في هذا المجال إلى درجة اتهام مرسي بمحاولة بيع الأهرامات لدولة قطر.
كما اتهم الإعلام خيرت الشاطر، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان، بالاتفاق مع دولة قطر على شراء منطقة ماسبيرو بالكامل، بما فيها مبنى الإذاعة والتلفزيون الذي يحتوي على التلفزيون الرسمي المصري.
صالح بن عفصان، رئيس تحرير جريدة الراية القطرية، أبدى استغرابه من محاولات الإعلام المصري في عهد مرسي تصوير قطر باعتبارها عدوة لمصر، وترويج الشائعات غير الصحيحة عنها، "رغم أن الدوحة تدعم مصر وشعبها بقوة ولا تريد لها إلا الخير"، حسب تعبيره في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد".
لكن حتى بعد الانقلاب، استمرت نفس الاستراتيجية الإعلامية في الإيحاء بتخطيط الإخوان لبيع مصر، لكن إحدى الصحف وقعت في خطأ فادح، عندما زعمت أن مرسي أثناء رئاسته وافق على مقترح تركي يتضمن التنازل عن حقوق مصر في حقول الغاز في البحر المتوسط، لكن السيسي، وفقاً للصحيفة، رفض التفريط في حقوق مصر وأجبر مرسي على التراجع عن هذا المخطط، لكن الصحيفة قالت إن تاريخ الواقعة يعود إلى مارس/ آذار عام 2012، أي قبل رئاسة مرسي وقبل تولي السيسي منصب وزير الدفاع، أي في عهد المجلس العسكري.
ثالثاً: التسفيه
"مرسي لا يجيد التحدث باللغة الإنجليزية"، "مرسي فاضحنا في كل مكان"، هي التعبيرات الأشهر على ألسنة معارضي مرسي، وكان لبرنامج باسم يوسف الدور الأبرز في عملية التسفيه المستمرة طوال عام كامل.
وفي ظاهرة غير مسبوقة، تطاول عدد من الإعلاميين على مرسي أثناء رئاسته، وقاموا بسبه بالعديد من الألفاظ دون أن يتعرض لهم أحد، مثل: فاشل، كذاب، غبي.
تثير عملية التسفيه هذه الكثير من الأسئلة، فليس شرطاً أن يجيد رئيس الجمهورية اللغة الإنجليزية، والعالم مليء برؤساء لا يجيدون غير لغة بلدهم، كما أن مرسي يجيد اللغة الإنجليزية باعتراف باسم يوسف نفسه بعد حلقته التي سخر فيها من لغته. لكن الإعلام قدم هذه المعطيات لإعطاء صورة عن مرسي باعتباره محدود القدرات والإمكانيات ولا يصلح رئيساً، بغض النظر عن سياساته ومدى نجاحها أو فشلها.
رابعاً: تشبيه مرسي بمبارك والإخوان بالحزب الوطني
"مرسي فعل ما لم يفعله مبارك"، "جرائم مرسي فاقت جرائم مبارك"، لم تكن مجرد تصريحات على لسان شخصيات معارضة للإخوان مثل رفعت السعيد، بل كانت استراتيجية كاملة اتبعها الإعلام عبر آلية بث الشائعات لإقناع الجمهور أن أخطاء الإخوان خلال عام واحد فقط من حكمهم فاقت أخطاء وخطايا عصر مبارك الذي امتد لثلاثين عاماً كاملة.
في هذا الإطار، اعتمد خطاب الإعلام على تشبيه الإخوان بالحزب الوطني، واتهامه بالاستحواذ على كافة المناصب والتحكّم في الدولة، وبرزت تهمة "الأخونة" كسيف مسلط على رقاب مرسي، وادعى الإعلام وجود 13 ألف "إخواني" في مناصب متنوعة في الدولة تم تعيينهم بعد فوز مرسي بالانتخابات الرئاسية.
أما على الصعيد الشخصي، فتم اختلاق شائعات حول السلوكيات الشخصية لأسرة مرسي، منها نشر خبر عن مشاجرة بين نجل مرسي وأحد الضباط تطورت إلى سباب من الأول تجاه الأخير. وشائعة ثانية عن خطوبة نجل مرسي على ابنة هشام قنديل للإيحاء بتزاوج السلطة كما كان يحدث في عصر مبارك. كما نشر الإعلام شائعة عن رحلة قامت بها زوجة مرسي ونجله إلى طابا وادعى أنها تكلّفت 6 آلاف دولار في الساعة من خزينة الدولة، رغم أنها كلفة غير منطقية، كما أن خزينة الدولة لم تتحمّل شيئاً من كلفتها.
وبعد تعيين نجل مرسي في وظيفة بوزارة الطيران براتب 1200 جنيه مصري، انطلق الهجوم الإعلامي على مرسي وفساده، وتم تشبيه نجله بجمال مبارك، والتقط الإعلام شائعة نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تفيد بأن راتب الوظيفة 38 ألف جنيه ونشرها باعتبارها حقيقة، وقارن بين هذا الراتب وأحوال الغالبية العظمى من فقراء المصريين لاستفزازهم وتصوير مرسي باعتباره مبارك جديد. ونشر رسام الكاريكاتير عمرو سليم رسماً بجريدة الشروق اعتماداً على هذه المعلومة غير الحقيقية.
"اختلاف مصير مرسي والإخوان عن مصير مبارك والحزب الوطني يؤكد عدم صحة المقارنة بينهما في ما سبق"، وفقاً للشاب علي خفاجي، أمين شباب حزب الحرية والعدالة بالجيزة وعضو جماعة الإخوان. ففي الوقت الذي حصل فيه مبارك ورموز نظامه على أحكام متتالية بالبراءة في القضايا التي يحاكمون فيها، وخروجهم جميعاً من السجن، حكم على مرسي وقادة الإخوان وأنصارهم بأحكام قاسية، تنوعت من الإعدام شنقاً إلى أحكام مشددة بالسجن تصل إلى المؤبد، وبعض هذه الأحكام صدرت من الجلسة الأولى أو الثانية فقط، في الوقت الذي امتدت فيه محاكمة مبارك ورموز نظامه لسنوات.
"الأحكام القاسية وصلت إلى الأطفال دون الستة عشر عاماً"، كما يؤكد خفاجي، المحال لقضية عسكرية أخيراً تضم قائمة المتهمين فيها عدداً من الأطفال، مشيراً إلى أن مبارك ورجاله يعدون بالعشرات، في الوقت الذي تجاوز فيه عدد المعتقلين من معارضي الانقلاب 40 ألف معتقل.
ولفت خفاجي إلى أنه رغم تنوع الاتهامات والقضايا التي يحاكم فيها الإخوان، إلا أنها تخلو من أي تهم تتعلق بالفساد المالي أو الاختلاس أو الرشوة أو الاستيلاء على المال العام، عكس مبارك ورجاله.
في الحلقة الثانية، نستعرض آلية بث الشائعات لخدمة نظام السيسي، في مرحلة ما بعد الانقلاب، وإعادة ترسيخها في أذهان المصريين من جديد، وابتكار شائعات أخرى تتناسب مع المرحلة الجديدة، ولماذا استمر جمهور الإعلام في الاقتناع بها رغم ثبوت تهاويها وضعف مصداقيتها.
-------
اقرأ أيضاً:
إجبار مدنيين على التعاون مع الشرطة المصرية..القتل يلاحقهم
الأقباط في عهد السيسي.. عام من الانتهاكات وتزايد القمع
أحكام الإعدام في مصر.. هكذا يواجه النظام معارضيه