انضم المقاتلون الأفغان العائدون إلى بلادهم، بعدما جندتهم إيران، إلى مليشيا عرقية وطائفية تزداد قوتها في مناطقهم، ما يشكل خطراً أمنياً على بلدهم المنهك بالصراعات بين الحكومة المركزية والجماعات والتنظيمات الإرهابية
- عاد العشريني الأفغاني محمد رضا، أحد عناصر مليشيا لواء الفاطميين، إلى بلاده في ديسمبر/ كانون الأول 2019، بعد أعوام من القتال سقط فيها العديد من رفاقه المجندين ضمن القوات غير النظامية التي أسسها القيادي العسكري الأفغاني علي رضا توسلي في عام 2013 للدفاع عن النظام في سورية، ضمن عدد من الفصائل التي شكلها الحرس الثوري الإيراني.
واستجوبت الاستخبارات الأفغانية رضا في مقرها بكابول، لمعرفة تحركاته ومن هم قادته من المقاتلين الأفغان الذين أمضى معهم 4 سنوات في سورية، كما فعلوا مع غيره من العائدين، في ظل احتمالات الخطر الذي يشكّلونه على أمن البلاد وفق إفادة قريبه سيد أغا (اسم مستعار خوفاً من تعرضه لمشاكل أمنية).
"ويعد رضا واحداً من بين آلاف الأفغان ممن جندهم الحرس الثوري الإيراني من بين المقيمين في إيران وأرسلهم للقتال في سورية، من أجل "الدفاع عن المقدسات"، وتم تقديم حوافز مالية لهم عبر السلطات الإيرانية، التي منحتهم الإقامة القانونية لتشجيعهم على الالتحاق بالمليشيات المساندة للحكومة السورية"، وفق تقرير صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش في 29 يناير/ كانون الثاني 2016 بعنوان "إيران ترسل آلاف المقاتلين إلى سورية". "
و"يقدر عدد الأفغان في إيران بثلاثة ملايين لاجئ، فرّ العديد منهم من الاضطهاد والنزاعات المسلحة في بلدهم. ومن بين هؤلاء لا يزيد عدد من لديهم وضع لجوء قانوني عن 950 ألف شخص. وفي ظل حرمان إيران للعدد الكبير المتبقي منهم من الحصول على إجراءات اللجوء، لم تكتف إيران بتحفيز اللاجئين والمهاجرين الأفغان على القتال في سورية، بل إن عديداً من الأشخاص قالوا إنهم هُددوا بالترحيل إلى أفغانستان إن لم يفعلوا ذلك"، بحسب التقرير.
انضمام العائدين إلى مليشيا طائفية
"ضم لواء الفاطميين 14 ألف مقاتل"، وفق تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الصادر في أكتوبر/ تشرين الأول 2017 بعنوان "إيران: تجنيد أطفال أفغان للقتال في سورية". لكن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، يشير إلى تجنيد خمسة آلاف أفغاني وتسليحهم من أجل حماية المقدسات الدينية في سورية، عاد منهم إلى أفغانستان 2000 مجند، حسب تأكيده في مقابلة مع قناة طلوع نيوز التلفزيونية (أفغانية خاصة أُسست سنة 2004) في 21 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وتدعم عملية التجنيد الإيرانية للأفغان الروابط الأيديولوجية وتخلق صلة لا تنقطع بين الطرفين، وهو ما يحقق لطهران أهدافاً استراتيجية طويلة المدى وعميقة التأثير على الداخل الأفغاني، خاصة بعد عودة المجندين إلى مناطقهم، ما يشكل خطورة أمنية في ظل وجود التيارات المناهضة لإيران في أفغانستان، بحسب إفادة الخبير الأمني والجنرال المتقاعد عتيق الله أمر خيل.
عاد 2000 أفغاني إلى بلادهم بعد القتال في سورية إلى جانب النظام
وبالفعل انضم العائدون من سورية إلى ما يسمى بحركة المقاومة من أجل العدالة لمقاتلي الهزارة (عرقية تعيش في مديرية بهسود بإقليم ميدان وردك وسط أفغانستان) والتي شكلها عبد الغني عليبور، القائد الميداني في حزب الوحدة الإسلامي وينشطون في المرتفعات المغطاة بالثلوج في ولاية باميان، وسط أفغانستان، وفق تأكيد المحلل الأمني بوزارة الدفاع الأفغانية محمد إسماعيل وزيري.
وجمع عليبور ألفي شخص تحت لواء حركة المقاومة، وفق الزعيم القبلي روح الله وردك، والذي أكد أن قبائل هزارة التي تقطن في مديرية بهسود وإقليم باميان المجاور لها تقف إلى جانب عليبور، والذي يستولي على مناطق واسعة من إقليم ميدان وردك، مضيفاً أن عليبور خاض صدامات مسلحة مع أبناء البشتون (العرقية الكبرى في أفغانستان وتقطن في جنوب وشرق أفغانستان)، خاصة من البدو الرحل، خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
حركة المقاومة من أجل العدالة لمقاتلي الهزارة تجمع المقاتلين العائدين
ومن الأسباب التي تقف وراء تجمع العائدين إلى جانب عليبور، الدعم المادي واللوجيستي الإيراني وانتمائهم إلى عرقية هزارة التي ينتمي إليها عليبور أيضاً، بحسب توضيح الجنرال عتيق الله أمر خيل، والذي يشير إلى دعم النائب الثاني للرئيس الأفغاني الدكتور سرور دانش لعليبور في ظل علاقاته الجيدة مع حزب الوحدة الإسلامي.
مزيد من الفوضى
في الخامس والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، اعتقلت الاستخبارات الأفغانية عليبور، لكنها أفرجت عنه بضمانة من الدكتور سرور دانش، النائب الثاني للرئيس الأفغاني، مقابل تعهده بعدم العودة لأي صدامات عرقية، ووقّع تعهداً للحكومة بأنه سيسجل جميع الأسلحة التي لديه، أو سيقوم بتسليمها وسيمتنع عن القيام بأي نشاط عسكري، لكنه عاد للصدام مجدداً، إذ مارس القتل بحق سكان المنطقة وأحرق منازلهم ودمر محاصيلهم الزراعية، وفق روح الله وردك، وتأكيد الناطق باسم وزارة الداخلية الأفغانية طارق آرين، والذي أوضح أن حزب الوحدة الإسلامي بشقه الذي يقوده حاجي محمد محقق والآخر والذي يقوده كريم خليلي دافعا عنه وتوسطا لخروجه.
وفي فبراير/ شباط الماضي، عاد عليبور للقيام بعمليات خطف وقتل لأبناء القبائل في إقليم ميدان وردك، فضلاً عن قيام مليشياته بإحراق مقر الحكومة المحلية في مديرية بهسود والتصادم مع قوات الأمن، ما أدى إلى مقتل 11 من عناصره، كما شنت الحكومة الأفغانية هجوماً في إقليم ميدان وردك وسط أفغانستان، وتعهدت بمعاقبة عليبور، بعدما اتهم وزير الدفاع مقاتليه بإسقاط مروحية عسكرية، في مارس/ آذار الماضي، ما أسفر عن مقتل تسعة عسكريين، بحسب تأكيد المتحدث باسم مكتب مستشار الأمن القومي الأفغاني حشمت الله ناطق، والذي قال لـ"العربي الجديد":" يتم هذا بدعم من إيران والحكومة الأفغانية عاجزة عن التصدي له، إذ أمرت قواتها بالانسحاب من مديرية بهسود واستولى عليها مسلحو بور".
ويؤكد محمد نذير حنفي، النائب في البرلمان الأفغان (مستقل من إقليم هرات غرب أفغانستان) أن عليبور خطر مستقبلي كبير على أمن البلاد وأن البرلمانيين قلقون من أعمال العنف في مديرية بهسود، مشيراً إلى تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول أحداث العنف التي وقعت هناك.
نقل الصراع من سورية إلى أفغانستان
"يشكل العائدون قوة رائعة، ويمكن للحكومة الأفغانية الاستعانة بهم لتصفية تنظيم داعش في أفغانستان"، بحسب ما قاله جواد ظريف في حديثه لقناة طلوع نيوز.
ويرى أستاذ القانون بجامعة سلام، كلزار أحمد (اسم مستعار لمخاوف أمنية)، أن الحكومة الأفغانية قد تتحالف مع الفاطميين بوساطة إيرانية، وربما تستخدمهم في وجه طالبان إذا فشلت في الحوار مع الحركة، إضافة إلى استخدامهم في وجه داعش، خاصة في الأقاليم التي يتوزع فيها الفاطميون بعد العودة، كإقليم هرات ودايكندي وباميان وميدان وردك. وتابع لـ"العربي الجديد" أن الحكومة الأفغانية موقفها ضعيف في وجه مليشيا عليبور، أولاً عليها إرضاء الأحزاب الداعمة له، وثانياً بسبب عدم قدرة الحكومة خلال المفاوضات الجارية واحتمال انسحاب القوات الأميركية على تحمل استياء طهران في الوقت الراهن.
وبالنظر إلى الوضع الأمني في أفغانستان لا يستبعد المحلل الأمني وزيري نقل الصراع بين الفاطميين وداعش من سورية إلى أفغانستان، مستشهدا بتصريحات حاجي محمد محقق زعيم حزب الوحدة والذي أشاد بدور الفاطميين وكل من يقوم بتصفية أراضي أفغانستان من وجود تنظيم داعش، إذ قال محقق في حديث لقناة طلوع نيوز في التاسع والعشرين من نوفمبر/ تشرين 2017:" كل من يقاتل داعش نرحب به".
ويقول وزيري أن حاجي محقق عُين مستشاراً رئاسياً للشؤون الأمنية والسياسية، رغم معرفة الحكومة الأفغانية بصلاته بعملية بإيران والتي جندت الأفغان للقتال إلى جانب النظام في سورية، قائلاً "هذا أمر خطير للغاية والحفاظ على المصالح السياسية لا ينبغي أن يكون مهدداً للأمن القومي"، ويخالف إجبار الأفغان على القتال إلى جانب إيران في سورية الفقرة الثالثة من المادة 39 من الدستور الأفغاني لعام 2004 والتي تنص على أن "أفغانستان تحمي حقوق مواطنيها في الخارج"، كما تنص المادة الثامنة على أن "الدولة ترسم سياستها الخارجية على أساس السيادة والمصالح الوطنية والاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون أي دولة".
لكن محقق ينفي وقوفه وراء تجنيد الأفغان، ويشيد بأي دور من أجل القضاء على داعش، كما يقول لـ"العربي الجديد".
هل تنجح المراقبة الحكومية للعائدين؟
يؤكد نائب الناطق باسم الخارجية الأفغانية منصور خالق يار، لـ"العربي الجديد"، رفض الحكومة تجنيد أي دولة للأفغان أو أن تستخدمهم ضد أي كيان في حروبها، وهو ما يؤكده المتحدث باسم مكتب مستشار الأمن القومي الأفغاني، مشيراً إلى أن الجماعات المسلحة التي تعمل خارج نطاق القانون تشكل خطراً كبيراً على أمن أفغانستان، وتابع: "الاستخبارات الأفغانية تراقب العائدين عن كثب، ومن أراد العيش في بلده كما كان قبل ذهابه إلى سورية ولم يحمل السلاح فهذا أمر جيد ومقبول". وهو ما يؤيده مصدر يعمل في الاستخبارات الأفغانية (شدّد على عدم ذكر اسمه للموافقة على الحديث)، مؤكداً لـ"العربي الجديد" رصد محاولات الجهات الراعية للعائدين من سورية إلى أفغانستان على التواصل معهم ومراقبتهم بشكل مستمر، في حين يقول طارق آرين الناطق باسم الداخلية الأفغانية، لـ"العربي الجديد": "الحكومة تسعى إلى القضاء على كل من يحمل السلاح خارج إطار القانون بشكل عام، وهؤلاء جميعاً يتم التعامل معهم باعتبارهم جماعات إرهابية ولن نقبل بالممارسات الإجرامية وتهديد الأمن القومي للبلاد".