- الصورة المثالية لتركيا وقيادتها تثير انقساماً بين العرب، بين مؤيدين يرون فيها نموذجاً للخلافة ومعارضين يأملون في فشلها لإثبات وجهة نظرهم، مع تركيز الطرفين على النكاية أكثر من البحث عن مصالح حقيقية.
- الجاليات العربية الكبيرة في تركيا، بما في ذلك السوريون والعراقيون، لها دور في تعزيز الاهتمام بالشأن التركي، مع تمنيات بالاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد، حتى مع تغير الأحزاب الحاكمة.
ما إن بدأت المعركة الانتخابية الأخيرة في تركيا، حتى تفجرت المواهب التحليلية العربية المختصة في الشأن التركي لترسم لنا خرائط القوة والضعف على امتداد الجغرافيا الأناضولية، وعلى الرغم من كون المعركة تخص الولايات والبلديات والأقضية والمخاتير وغيرها من التقسيمات الإدارية شديدة المحلية إلا أن العرب المؤيدين للحزب الحاكم وكذلك العرب المعارضين له كانوا على أهبة الاستعداد والمتابعة الحثيثة وهو أمر لا يحدث مثلا مع الانتخابات الإيرانية، على الرغم من سيطرة طهران على 4 عواصم عربية كما قال في عام 2015 حيدر مصلحي، وزير الاستخبارات الإيراني السابق في حكومة محمود أحمدي نجاد.
ومن نافلة القول إن هذا الاهتمام سبق أن تكرر على مدار الأعوام الماضية، بل يتصاعد في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وهو إن كان مفهوما في هذا السياق الكلي الكبير لكن نزوله إلى كل فعالية محلية تركية يدفع إلى التساؤل: لماذا ؟
يمكن تلخيص الأمر في عدة أسباب، أولها أن فاقد الشيء يبحث عنه عند جاره، إذ إن العرب محرمون من الانتخابات النزيهة والمنافسة الحقيقية التي يرونها في تركيا بين أحزاب وأيديولوجيات متنوعة تخوض معارك جدية للفوز برضا الناخبين، بينما أراح الحكام شعوبهم من عناء التصويت ومشقة العمل الحزبي.
ولعل الصورة المتخيلة عربيا عن تركيا وحزبها الحاكم والرئيس أردوغان هي السبب الثاني إذ إن فريقا منا يرونها دولة الخلافة، ورئيسها السلطان، بينما يرغب الفريق الآخر في أن تنتهي التجربة كلها لمجرد أن يثبت للفريق الأول أنهم على الباطل، والفريقان كلاهما لا يمكنهم اختيار من يمثلهم، ولو على مستوى الحي الذي يقيمون فيه، لكنها رغبة النكاية في الطرف الآخر، بينما الأتراك ليسوا مشغولين بالفريقين، ولديهم مصالحهم التي يبحثون عنها دون كلل أو ملل، فيما عرب التأييد والرفض أقصى آمالهم حصد "اللايكات" على مواقع التواصل عن تصوراتهم الوهمية، وفي النهاية يلتقي الطرفان على ضفاف البوسفور وينفقون دولاراتهم مستمتعين بأجواء تشبه بلادهم، لكنها أوروبية الطابع كما يحلو لهم وصف المشهد.
وربما يكون للعدد الكبير من العرب المقيمين في تركيا، وعلى رأسهم السوريون والعراقيون واليمنيون والمصريون والأردنيون واللبنانيون تأثير كذلك، إذ إن أعداد هؤلاء الكبيرة وامتداداتهم في بلادهم ومصالحهم الاقتصادية والتجارية (ليس كلهم لاجئين) تجعلهم يتمنون استقرار النظام في تركيا، ولو تبدلت الأحزاب الحاكمة، في ظل تهديدات بعض منتسبي أحزاب المعارضة لهم، واستهداف عنصري غير أخلاقي تعج به وسائل التواصل، لكن الغريب أن تجد عرب النكاية يتمنون فوز تلك المعارضة التي تهدد باستهداف مصالح بني جلدتهم، بداية من الإقامة وصولا إلى المصالح الاقتصادية، وهو ما لا تقوم به تلك المعارضة مثلا باتجاه الروس والأوكرانيين وغيرهم من الجنسيات التي تتزايد أعداد حامليها كذلك.
في النهاية يؤشر ذاك الاهتمام من الطرفين المؤيد والمعارض إلى نجاح تركي في خلق مسار قوة ناعمة فعال بداية من المسلسلات والسياحة والطب والدراسة وانتهاء بكل فعالية محلية ولو كانت أخبار انتخاب أصغر مختار (عمره 19 عاما) في قرية نائية بولاية غازي عنتاب.