يفقد أطفال اليمن، وتحديداً في المناطق الريفية، أرواحهم نتيجة الذخائر والقنابل غير المنفجرة، والتي تنتشر على نطاق واسع في 12 محافظة، جراء الحرب الدائرة في البلاد، بينما يتراجع دعم المنظمات الدولية بسبب نقص التمويل.
-قتل الطفلان اليمنيان وائل جبران النعماني (12 عاما)، وابن عمه ياسر النعماني (10 أعوام)، في يوليو/ تموز عام 2021، نتيجة انفجار جسم عثرا عليه تحت شجرة وأخذا يستكشفانه أثناء رعيهما الأغنام في جبل قرية غافرة، بمديرية الظاهر في محافظة صعدة الحدودية مع السعودية، وفق رواية جبران النعماني، والد وائل، الذي يضيف أن طفله قبل مقتله أخبره بأنهما كان يلعبان بالجسم الذي وجداه وعندما نزعا الذبال (خيط يتدلى من رأس الذخيرة الصغيرة)، حدث الانفجار. ويتسق الوصف الذي قدمه والد الطفل وائل مع مواصفات الذخائر العنقودية المحظورة دوليا، وهي من طراز إم 42 وإم 46 (M42 وM46) أميركية الصنع، كما يوضح الخبير والمختص الفني بالألغام ومخلفات الحرب والقنابل العنقودية أمين سلمان، الذي يعمل في المركز اليمني التنفيذي للتعامل مع الألغام Yemac، مضيفا أنه تم الاستدلال في حوادث أخرى على القنابل العنقودية من طراز CBU-58 A/B، والذخائر الصغيرة بي إل يو-63 (BLU-63).
شراك الذخائر العنقودية غير المنفجرة
"منذ بداية الحرب مع الحوثيين في عام 2015، استخدم التحالف السعودي الإماراتي 15 نوعا من القنابل العنقودية، منها 9 أنواع أميركية الصنع، ونوعان بريطانيان، و4 أنواع برازيلية، بالإضافة إلى 17 نوعا مجهولا. وبلغ إجمالي الذخائر المنتشرة في المحافظات الملوثة 687.916 قطعة، منها 55.656 ذخيرة اكتشفتها الفرق الميدانية التابعة لـYemac"، وفق ما يوثقه تقرير صادر عن المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام، في إبريل/ نيسان 2021 بعنوان "بالقنابل العنقودية... انقلاب على المواثيق الدولية".
وتتصدر محافظة صعدة قائمة تضم 12 منطقة متأثرة بغارات الذخائر العنقودية من طراز (BLU-63)، خلال السنوات الستّ الماضية من الحرب الدائرة في البلاد، والتي استخدمت خلالها قوات التحالف القنابل العنقودية في 22 ألف غارة أطلقت فيها 600 ألف ذخيرة عنقودية استهدفت 15 محافظة وأكثر من 70 مديرية، مخلفة 3712 ضحية من المدنيين بين قتيل وجريح، بحسب التقرير ذاته.
15 نوعاً من القنابل العنقودية استخدمت في حرب اليمن
أما ضحايا ومصابو المخلفات الحربية غير المنفجرة، وخاصة القنابل العنقودية، الذين تمكن المركز التنفيذي (Yemac) من توثيقهم خلال الفترة الممتدة بين أعوام 2015 و2020، فبلغ عددهم 282 طفلا، قتل منهم 85 طفلا وتشوّه 197 آخرون، منهم من بترت أطرافه أو أصيب بحروق، أو فقد بصره، في حين يؤكد مكتب اليونيسف في اليمن، عبر رده المكتوب على "العربي الجديد"، أن إجمالي الأطفال المتضررين من مخلفات الحرب غير المنفجرة بلغ 774 طفلا يمنيا، في الفترة الممتدة بين مارس/ آذار 2015 وحتى ديسمبر/ كانون الأول 2020. وقد وثق التقرير السنوي الثالث الذي قدمته فرقة العمل القُطرية للرصد والإبلاغ التابعة للأمم المتحدة، إلى الأمين العام للأمم المتحدة في 27 أغسطس/ آب 2021، وقوع 545 ضحية لمخلفات الحرب من متفجرات وألغام وقنابل عنقودية.
80 % من أراضي اليمن ملوثة بمخلفات الأسلحة
%80 من أراضي 15 محافظة يمنية ملوثة بالمخلفات الحربية
ويرى صفرة أن هذا التلوث في حال استمر "فإن اليمن سيصبح دار عجزة بسبب ضحايا مخلفات الحرب والقنابل العنقودية التي لا يزال التحالف يستعملها في الحرب، ومن ذلك وقائع موثقة جرت في مايو/ أيار 2021 بمحافظة مأرب". كما رصد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن استخدام أسلحة أخرى في الصراع، مثل الأجهزة المتفجرة المرتجلة، وهي أسلحة محلية الصنع وشديدة الانفجار وغير موجهة، لذلك تُعرف بعدم دقتها، مثل قذائف الهاون والمدفعية، والبراميل المتفجرة، والألغام المحلية والعبوات الناسفة. وهذا النقص في الدقة يجعل التمييز بين المدنيين والمقاتلين أثناء الهجوم على منطقة مأهولة مستحيلا عمليا، ما يزيد الخطر على المدنيين، وفقا لرده المكتوب على "العربي الجديد".
الأطفال أكثر عرضة للخطر
يعدّ الأطفال أكثر عرضة من غيرهم للإصابات أو الوفيات المرتبطة بالمتفجرات من مخلفات الحرب لأنهم ينجذبون إلى هذه المخلفات بسبب فضولهم ونقص معرفتهم بالأضرار المرتبطة بالألغام والأجسام المتفجرة، بخاصة أن طبيعة الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية لبعض الأطفال في المناطق النائية تتمثل برعي الماشية وغيرها من أنواع العمل التي تعرضهم للأذى، وفق رد اليونيسف.
ويتفق صفرة مع القول إن غالبية الضحايا هم من أطفال الأرياف، لأن ذخائر المخلفات الحربية تتركز فيها بدرجة كبيرة، دون أن يعني هذا أن المدن خالية منها، فالأطفال الريفيون يمضون خارج المنازل وقتاً أطول من غيرهم في المناطق الأخرى ويمارسون نشاطات خارجية، من بينها اللعب والرعي وجلب المياه وغير ذلك، مشيرا إلى أن بعض الذخائر العنقودية شكلها جاذب ويظنها بعض الأطفال ألعابا ويحاولون اللهو والعبث بها، وهو ما حدث مع 6 أطفال يوثق التحقيق تجاربهم.
أحد الضحايا الناجين، الطفل محمد علي (14 عاما)، والذي عاد بالذاكرة إلى يوم 16 إبريل/ نيسان 2016، عندما كان وشقيقه عائدان من زيارة أقاربهما في منطقة "بني حسن" بمحافظة حجة، شمال غرب صنعاء، ولفت انتباههما جسمان كرويان يميلان إلى اللون الأخضر، ولعبا بهما فانفجرا، يصف ذلك قائلا: "فجأة لا أدري كيف دوى انفجار دفعني إلى الخلف أمتارا، وفي المستشفى، عرفت أنه تم إسعافي وبترت قدمي اليسرى، وشقيقي توفي قبل وصولنا إلى المستشفى".
ولا تزال الكثير من المخلفات الحربية بمختلف أنواعها في أماكنها، ما يعني أن التهديد قائم لحياة المواطنين المدنيين، وخصوصا الأطفال في المناطق التي تتركز فيها هذه المخلفات الخطرة، بحسب المختص في التدريب والتوعية في المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام محيي الدين الأصبحي. وتنتشر أنواع مختلفة من مخلفات حربية على نطاق واسع في اليمن، مثل قذائف الهاون بمختلف عياراتها، ومن ذلك 60 ملم و82 ملم، والهوزرات، وقذائف آر بي جي، والقنابل اليدوية والعيارات النارية والصواريخ، كالكاتيوشا وغيره من صواريخ أرض أرض أو جو أرض، بحسب الخبير في نزع وإزالة الألغام والمخلفات الحربية باسم الصمدي.
ومنذ عام 2018 وحتى اليوم، يمنع التحالف بقيادة السعودية، دخول الأجهزة والمعدات التي يحتاجها المركز التنفيذي للألغام في صنعاء لمواصلة عمله في تطهير الأرض من المخلفات الحربية، بحسب صفرة، الذي يعتبر أن الإصرار على احتجاز هذه المعدات بحجة استخدامها لأغراض عسكرية (أدوات للتعامل مع المخلفات الحربية، معدات الوقاية والسلامة)، "يعكس عدم جدية الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، في مساعدة اليمنيين على تجاوز مخاطر الحرب". وأضاف "أن وصول المعدات يمثل ضرورة قصوى، لأن المركز التنفيذي هو الوحيد الذي يشتغل العاملون فيه في نزع الألغام وتطهير البلد من المخلفات الحربية بدون أجهزة ومعدات حماية".
وأكد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في رده على لـ"العربي الجديد" أنه لم يتمكن رغم المفاوضات المتكررة مع التحالف، من إحضار جميع المعدات التي تم شراؤها والضرورية لشركائه في المركز اليمني التنفيذي لمكافحة الألغام في صنعاء. وقال إنه يواصل التفاوض بشأن الممر الآمن وتسليم المعدات إلى المركز.