تكتظ مراكز الإيواء الطارئة، غير المجهزة لاستقبال النازحين بالفارين من القصف بينما عملت أونروا في وقت سابق على تجهيز 50 مدرسة بصهاريج مياه نظيفة، وتهيئتها لاستقبال النازحين، لكنها لم تعد كافية.
يمرّ الخمسيني الغزي وديع منصور، بظروف عصيبة في مدرسة أونروا في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، والتي تحولت إلى مركز إيواء يضم 2500 شخص لجأوا إليها منذ بدء العدوان الإسرائيلي الواسع على قطاع غزة، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري وما تزال الأعداد في ازدياد كما يقول.
وأُجبر منصور على مغادرة منزله شرقي رفح، بعد قصف جيش الاحتلال للمنطقة بالمدفعية واستهداف الطائرات الإسرائيلية لها بقنابل متعددة، ما تسبب بتضرر المنزل، قائلا لـ"العربي الجديد": "اضطررت لترك بيتي من أجل النجاة بحياتي وعائلتي، ولم أجد مأوى سوى مدرسة أونروا، ونعيش ظروفاً عصيبة إذ لم نعد نمتلك أي شيء وخرجنا من المنزل بدون أي أمتعة ولا يوجد لدينا فراش، كما أن المدرسة لا تتوفر فيها أدنى متطلبات الحياة، وظروفي الصحية سيئة لأني أعاني من أمراض مزمنة، ولا ندري ماذا حل بأهلنا".
ربع مليون نازح والأعداد تتزايد
وصل عدد النازحين في القطاع المحاصر إلى ربع مليون شخص، 50 ألفا منهم توجهوا إلى بيوت أقارب وأصدقاء، وآخرون التجأوا إلى مدارس تتبع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين-أونروا، وفق إفادة سلامة معروف رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة لـ "العربي الجديد".
وتحولت 88 مدرسة تابعة لأونروا وجلها في مراكز المدن إلى مراكز تأوي 200 ألف غزي، كما يؤكد عدنان أبو حسنة، الناطق باسم أونروا.
"وتكتظ مراكز الإيواء الطارئة، غير المجهزة لاستقبال النازحين بالفارين من القصف بينما عملت المؤسسة الدولية في وقت سابق على تجهيز 50 مدرسة بصهاريج مياه نظيفة، وتهيئتها لاستقبال النازحين، لكن العدد الأقصى الذي يمكن أن تستوعبه هذه المدارس هو 150 ألف نازح، أما عدد النازحين حاليا فأكبر من المتوقع، واضطرت أونروا إلى تحويل مدارس جديدة لمراكز إيواء رغم عدم جاهزيتها، وفق أبو حسنة قائلاً: "لن نترك الناس ممن لجأوا إلينا طلباً للحماية".
ويُجمع 20 نازحا التقاهم "العربي الجديد" على أن وضعهم في مراكز الإيواء في غاية الصعوبة، ومن بينهم الأربعيني خالد ناصر، ومحمد الطويل، اللذان أشارا إلى تلقيهم مساعدة غذائية محدودة صباحا، وهي عبارة عن علبة أو علبتين من سمك التونة، ورغيفي خبز لكل شخص، وهناك شح في مياه الشرب تلك المخصصة للتنظيف بخاصة المرافق العامة، وتراكم كبير للنفايات الصلبة في المدارس، إضافة لغياب الكثير من الخدمات، وأهمها الصحية.
ويشتكي النازح عبدالله جراد، وعشرة آخرون، من ندرة الأغطية والفرش في مدارس أونروا، لكن بعض السكان القريبين من المدارس قدموا بعضها لهم، لافتاً إلى أنه ينتظر هدوء الوضع، أو بدء هدنة إنسانية، حتى يستطيع الوصول لمنزله، ونقل بعض الحاجات الأساسية لعائلته المؤلفة من 14 فردا، إذ تركوا كل شيء وفروا من منزلهم شرقي القطاع الذي شهد غارات مكثفة.
أما أبناء النازح محمد عودة، فيعانون مشكلات وأزمات نفسية بسبب الرعب والخوف الذي يعيشونه، جراء عدم توقف الغارات على غزة، وبعضهم لا يستطيعون النوم، وآخرون يصرخون باستمرار وبلا توقف. ومن جهتها، تحاول فرق من أونروا، تقديم خدمات دعم نفسي لبعض الأسر النازحة، خاصة تلك التي تعرض أطفالها ونساؤها لمواقف مفزعة وصادمة، على الرغم من صعوبة الوضع وتفاقم الاحتياجات الإنسانية بحسب أبو حسنة.
ذكريات مؤلمة
رغم لجوء الغزيين لمدارس ترفع رايات أونروا، للاحتماء من القصف العنيف، لم تسلم من الغارات التي طاولت مدرستين تابعتين لأونروا شمال ملعب فلسطين بمدينة غزة، في ساعات الصباح الأولى من يوم 9 أكتوبر الجاري، وكان مئات المدنيين قد لجأوا إلى مدرستي المأمونية الابتدائية المشتركة، والمأمونية الإعدادية، ما دفع بالنساء إلى الشوارع في محاولة لإيجاد مكان آمن يحمين أطفالهن فيه.
واستدعى القصف ذكريات مؤلمة لدى الغزيين إذ سبق أن استهدفت طائرات الاحتلال مدرسة الفاخورة شمالي قطاع غزة في شهر يناير/كانون الثاني عام 2009، ما تسبب بسقوط 50 شهيداً و400 مصاب، بينما استشهد 9 غزيين، في قصف استهدف بوابة مدرسة نازحين وسط محافظة رفح، في شهر يوليو/ تموز عام 2014. هذه الحال تؤكد أنه "لا مكان آمناً في قطاع غزة"، بحسب ما أعلنته في تصريحات صحافية رئيسة المكتب الإقليمي لمنظمة أطباء بلا حدود، إيناس أبو خلف، مشيرة إلى أن الفرق الطبية غير قادرة على التحرك بحرية في غزة، في ظل حصار يزداد سوءا مع الغارات الإسرائيلية.
وبحسب إفادة من المكتب الإعلامي الحكومي، فإن قصف الاحتلال طاول حتى الآن 75 مدرسة وتسبب بدمار فيها، بينما هدمت 3 منها بشكل كامل، واستشهد جراء ذلك 15 شخصا من الكوادر التعليمية، و300 تلميذ.
المواد الغذائية على وشك النفاد
توقفت مراكز أونروا عن تزويد نصف مليون شخص بالمساعدات الغذائية الحيوية، إذ اضطرت المؤسسة لإغلاق جميع مراكز توزيع الغذاء البالغ عددها 14، وتحويل محتوياتها إلى المخازن الغذائية في مراكز الإيواء، بحسب ما أعلنته تمارا الرفاعي، مديرة العلاقات الخارجية والاتصالات بأونروا.
وتفقد هذه المخازن محتوياتها بسرعة كبيرة وفق أبو حسنة، كما أن منع دخول الوقود قد يتسبب بتوقف السيارات التي تنقل المعونات للمدارس، موضحا أن هناك اتصالات يجريها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في القاهرة، بهدف السماح بفتح ممرات إنسانية لمرور الغذاء والدواء لقطاع غزة، خاصة لمراكز الإيواء.
وهو ما دعت إليه المتحدثة باسم برنامج الأغذاية العالمي عبير عطيفة، خلال تصريحات صحافية في 11 أكتوبر الجاري، مشيرة إلى أن المواد الغذائية في مخازنهم في القطاع ستنفد خلال أيام.
ووفق إفادات ثلاثة من العاملين في تقديم المساعدات للمقيمين في مراكز الإيواء فإن الوضع في المراكز يزداد سوءاً، وكل دقيقة تشهد توافد نازحين جدد، لاسيما مع تواصل التهديدات الإسرائيلية باستهداف أحياء جديدة في القطاع، وثمة ازدحام شديد في غرف الفصول الدراسية.
وأكد العاملون أن ما يجري تقديمه في مراكز الإيواء لا يوازي الحد الأدنى من متطلبات الناس، وأغلب العائلات توفر احتياجاتها من خلال الشراء من المتاجر القريبة من مراكز الإيواء، لكن هناك عائلات تعاني حالة فقر شديدة، ولا يتوفر لديها المال لشراء الاحتياجات.
التكدس ينذر بانتشار الأمراض في مراكز الإيواء
دفعت الأوضاع الصعبة للنازحين في مدارس وكالة الغوث، تجمعات شبابية وخيرية للتحرك من أجل تقديم المساعدات الإغاثية لهم، إذ يقول هارون المدلل مسؤول تجمع مبادرون الخيري، إنهم نجحوا خلال اليومين الماضيين بتقديم وجبات طعام، ومواد صحية، وطرود غذائية لمقيمين في مراكز الإيواء، من خلال معونات حصلوا عليها من ميسورين في القطاع.
وقال المدلل لـ"العربي الجديد": "نستقبل يومياً مئات المناشدات من عائلات فرت من مساكنها ولجأت لمدارس وكالة الغوث، دون أن تأخذ معها ما يعينها على رحلة النزوح التي قد تمتد لأسابيع وربما أشهر، وكل مركز يضم ما بين 2000 و2500 نازح، وهذا يشير إلى عمق الأزمة الإنسانية فيها.
ويصف المدلل الوضع في المدارس بأنه "بائس جدا" خاصة في ما يتعلق بالخدمات الصحية، وسط تراكم النفايات وازدحام الغرف، وهناك احتياجات كبيرة لهؤلاء النازحين، تبدأ من المأكل والمشرب، وتمتد لاحتياجات أخرى، منها المواد والرعاية الصحية، لاسيما أن منهم مرضى ومسنين وأطفالا.
ويتخوف طبيب الأطفال علي موسى، المدير السابق لمستشفى الشهيد أبو يوسف النجار برفح، من انتشار الفيروسات المعدية بين النازحين في ظل التكدس الكبير في المدارس والغرف، خاصة أن هذا الموسم من العام يزداد فيه انتشار الأمراض المعدية، منها الإنفلونزوا، وكورونا، والفيروس التنفسي المخلوي (RSV) - Symptoms & causes، وغيرها، وإن كان ذلك يعتبر أقل ضرراً من بقاء النازحين في بيوتهم المهددة بالقصف، وفق قوله، مؤكدا على ضرورة تنبه الجهات التي تستضيف النازحين، إلى توفير المتطلبات الصحية لهم، وتأمينهم، خاصة المرضى والمسنين والأطفال، وأن تعمل على تخفيف التزاحم والاكتظاظ في الفصول، وتقديم إرشادات صحية، ومتابعات من أطباء، وتوفير الأدوية اللازمة، مع ضمان تنظيف المرافق الصحية، وتقديم مياه شرب صحية معقمة، وكذلك تعقيم الغرف الفصلية، والحمامات باستمرار.
لكن ذلك يبدو أمرا من الصعب تطبيقه في ظل التكدس الكبير في المراكز، إذ لا يوجد في الغرف موطئ قدم، بحسب النازح جراد، الذي ينام برفقة عشرات النازحين من الرجال في ساحة المدرسة، بعدما استطاعوا تأمين أماكن نوم للنساء والأطفال في الداخل.