تحذر رئيسة قسم التغذية العلاجية في مؤسسة حمد الطبية، الدكتورة ريم السعدي، من الاستخدام العشوائي لمكملات التغذية الرياضية وهرمون النمو الذي يسهم في تحفيز تخليق بروتين الكولاجين في العضلات الهيكلية والأوتار، وزيادة قوتها، بالإضافة إلى زيادة كتلة الجسم النحيل، إذ ترصد من خلال خبرتها ومجالها، "تناول العديد من الشباب والمهتمين ببناء الأجسام والظهور بشكل لافت، لجرعات غير محسوبة منه دون استشارة من قبل طبيب مختص".
ويؤدي الاستعمال العشوائي لهرمون النمو إلى نتائج خطيرة على الصحة مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والشرايين إضافة إلى السكري وهشاشة العظام، كما قد يؤدي أخذ جرعات عالية إلى الوفاة في بعض الحالات، بحسب الطبيبة القطرية السعدي، والتي تقول: "هذا الأمر يختلف من حالة لأخرى على حسب الحالة الصحية للشاب الذي يتعاطى هذه المواد".
وتكمن خطورة الآثار الصحية في تحميل الكليتين عبئا إضافيا، وكلما زادت فترة الاستخدام تزداد احتمالية ظهور مضاعفات خطيرة تؤثر على سلامة الكلى وقد يؤدي الاستعمال الخاطئ في مرحلة معينة إلى الفشل الكلوي، وفق السعدي التي توضح أن هرمون النمو الطبيعي والذي تفرزه الغدة النخامية، له دور أساسي في تحفيز وتكاثر وتجديد خلايا الجسم، بالإضافة إلى دوره في تحفيز عمل الأنسولين وعمليات حرق الدهون وبناء البروتينات، ويتم إفرازه بكميات محددة حتى يمتصها الجسم وتصل إلى العضلات فتغذيها.
البحث عن بناء الجسد بسرعة أكبر
رصد الكابتن المعتمد من الاتحادين العربي والمصري لكمال الأجسام، وأخصائي التغذية الرياضية في أحد النوادي الرياضية بقطر، محمد عزام، استخدام البروتينات الصناعية بين الشبان في قطر، موضحا أنها بشكل أساسي من الأحماض الأمينية الضرورية لبناء العضلات بشكل سريع وفعال، من هذه الأنواع "الواي بروتين" Hydrolyzed whey Protein، أو ما يعرف ببروتين اللبن والذي يمتصه الجسم بسرعة، في مدة من 10 إلى 15 دقيقة، وهو منتج أميركي يصل سعره إلى 350 ريالا قطريا (96 دولارا)، والنوع الأكثر شيوعا منه يسمى Isolate ويباع بـ 200 ريال (55 دولارا) بحسب عزام الذي يوضح أن البروتينات في الوجبات الغذائية العادية قد تحتاج إلى 3 ساعات حتى يتم امتصاصها وتفكيكها لتصل إلى العضلات وتغذيها وتساهم في عملية البناء.
ما رصده عزام والسعدي، يتطابق مع نتائج دراسة أجراها باحثون من كلية وايل كورنيل للطب في قطر بالتعاون مع كلية شمال الأطلنطي وجامعة قطر بمشاركة عيّنة شملت 419 طالباً وطالبة من جنسيات مختلفة، وجرى الإعلان عن نتائجها في إبريل/نيسان 2015، خلصت إلى انتشار تناول المكمِّلات الغذائية والعشبية بين طلاب الجامعات في قطر، وعلى رأسها البروتينات، ومنتجات مثل الفيتامينات المتعددة وزيوت الأسماك.
وتبين نتائج الدراسة أن سبب الإقبال هو اعتقاد المستخدمين بأن تلك المكمِّلات أكثر فاعلية وأقل ضرراً من الأدوية التقليدية في علاج أمراض معينة، ويشير المدرب عزام أيضا من خلال اطلاعه على تجارب رواد النادي، إلى أن كثيرين من مستخدمي البروتينات يلغون الوجبات الغذائية ويتناولون مساحيق البروتينات بصورة كبيرة ظنا منهم أن هذا يساعد في بناء الجسم بسرعة أكبر، لكن الجسم يحتاج إلى عدد غرامات بروتين على مدار اليوم لبناء العضلات، والزيادة ستُخزن على شكل دهون ولا يُستفاد منها. إذ يحتاج الشخص العادي غير الرياضي ما يعادل 0.8 وحتى 1 غرام من البروتين لكل كيلوغرام من وزنه، أما الرياضيون فيحتاجون بين 1.2 و1.8 جرام من البروتين لكل كيلوغرام من الوزن.
ترويج في النوادي الرياضية
يعتبر المواطن القطري الثلاثيني سعود المري نفسه محظوظاً كونه لم يصل إلى مرحلة الإصابة بمضاعفات كثيرة نتيجة تناوله البروتينات الصناعية، إذ توقف عنها فور شعوره بآلام في الجسد وخاصة الكلى ذهب على إثرها للطبيب الذي نصحه بإيقاف استخدامها، في حين أن بعض زملائه في صالات "الجيم" بلغت إصابتهم حدّ معاناة مشكلات مزمنة في الكلى، معتبراً أن ترويج المكملات الغذائية في قطر بصورة غير منضبطة "آفة" يجب التصدي لها.
وعن دوافعه في اللجوء إلى المكملات الغذائية يقول المري لـ"العربي الجديد": لاحظت تحسنا واضحا في اللياقة البدنية لأشخاص في النادي، وعند سؤال المدرب عن سبب تمكنهم من بناء عضلات في وقت قياسي أجاب بأنه استخدام البروتينات الصناعية والتي لها الفضل في تحقيق هذا التحسن"، ما دفع المري إلى استخدامها للوصول إلى بنية جسمانية متميزة بصورة سريعة، لكنه لم يستمر عليها سوى بضعة أشهر لما تسببت به من مشاكل صحية.
وتمثل البروتينات والسترويدات جانبا من الاستثمار بالنسبة لعاملين في النوادي والصالات الرياضية وفق عزام الذي يؤكد أن توفيرها يعد مربحاً جداً، لذا يقوم البعض بالترويج لها على أنها أمر أساسي من أجل بناء العضلات، متناسين الجزء المتعلق بالأكل الصحي المتوازن مع التمرينات.
وأشار إلى أنه يفترض استخدام المكملات الغذائية مرة بعد التمرين فقط، وعدم الالتفات إلى ما تروج له الشركات المنتجة والتي تنصح بتناوله ثلاث مرات يومياً، إذ وجد أحد الشباب الذين يتدربون معه، وقد سقط في هذا الفخ وتمكن من إقناعه بالتخفيف من هذه المواد، مشدداً على أن الزيادة تؤثر سلباً على الصحة.
وزاد عدد الصالات الرياضية بشكل كبير منذ عام 2014 وحتى عام 2021، إذ كان العدد 86 صالة فقط في قطر، لكن العدد تجاوز الآن أكثر من 500 صالة، وفق ما قاله عبد الرحمن الدوسري مستشار وزير الثقافة والرياضة في تصريحات صحافية على موقع مستشفى سبيتار للطب الرياضي، مضيفا: "هناك عدد كبير من مرتادي هذه الصالات الذين يستهلكون المكملات الغذائية دون رقابة على ما يباع فيها ودون وعي بطريقة الاستخدام المثلى وهذا يدعو للقلق على صحة أفراد المجتمع، قد تكون لهذه الممارسات أثار سلبية عند تناولها بشكل خاطئ تؤثر على جسم الإنسان".
واعتبر ناصر آل سعد مدير اللجنة القطرية لمكافحة المنشطات أن استخدام المكملات الغذائية قد ازداد بشكل كبير، خاصة أن المستهلكين قد يأخذون معلوماتهم ذات الشأن من أشخاص غير موثوقين أو مرخصين في صالة الألعاب الرياضية، ودورنا هو تثقيف الرياضيين. مشيرا إلى أن مؤسسته تعمل بالتعاون مع اللجنة الأولمبية القطرية حول مسألة مكافحة المنشطات.
تبعات صحية خطيرة
توضح السعدي أن هرمون النمو يستخدم لأغراض علاجية ويجب أن يحدد استخدامه حسب حاجة الجسم والمرحلة العمرية للشخص والحالة التي يمر بها من حيث عملية النمو والتطور.
ويؤدي الاستخدام بشكل عشوائي إلى نتائج خطيرة على الصحة مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والشرايين بالإضافة إلى السكري وهشاشة العظام، وبخاصة على الأشخاص الذين يعانون من بعض الأمراض المزمنة مثل ارتفاع الضغط ودهنيات الدم والسكر. مشددة على أن مجال استخدام هذه المواد بشكل أساسي، يتمثل في علاج حالات مرضية عن طريق طبيب متخصص.
الأمر ذاته ينسحب على المكملات التي يعد شيوعها مقلقا وفق السعدي، وهذا ما بينته نتائج الدراسة التي شملت 419 طالبا وطالبة من جنسيات مختلفة في الجامعات القطرية، إذ أفاد 49% منهم بأنهم تناولوا المكملات في مرحلة سابقة من حياتهم، لكن 32.7% يواظبون عليها، وكانت النسبة الكبرى من المكملات المستخدمة هي البروتينية.
وتزداد احتمالية الضرر مع طول مدة الاستخدام، كما أن تناول كميات كبيرة غير مبررة من البروتينات له تأثير سلبي على الصحة وبخاصة الكليتان، وهنا تؤكد السعدي، أن بناء الأجسام يجب أن يتمّ بإشراف فريق طبي ورياضي مختص، يتبع فيه المتدرب نظاما غذائيا مناسبا إلى جانب التمرينات الرياضية، بما يتناسب مع حالة كل فرد، إضافة إلى مراعاة المتطلبات الغذائية الخاصة المتعلقة بالنشاط الحركي والمجهود الجسماني الذي يؤديه المتدرب.
أما الفتيات فيركزن على المكملات الغذائية كالفيتامينات وزيت السمك، لكن دوافعهن تختلف عن الشبان الباحثين عن المستحضرات التي تساعد في بناء العضلات، بحسب الأخصائية النفسية موزة المالكي، والتي تقول إن بعض الفتيات يقبلن على هذه المكملات الغذائية في فترة المراهقة، اعتقاداً بأن لها دورا جيدا في مساعدة الجسم على النمو، في حين أنها تعطي نتائج عكسية، لأنها تزيد في الغالب عن حاجة الجسم، فتخزن هذه المكونات على شكل دهون، الأمر الذي يتسبب في السمنة، وهي واحدة من المشكلات المنتشرة على نطاق واسع في المجتمع القطري.
اعتقاد خاطئ بكون المكملات أقل ضرراً
في 13 يناير/كانون الثاني الماضي، بحث فريق العمل المعني بالاستخدام الآمن لمكملات التغذية الرياضية، والذي جرى تشكيله من ممثلين للقطاعات الصحية والرياضية، مخاطر استخدام المكملات الغذائية من قبل الرياضيين والهواة في قطر، بهدف الوصول إلى مقترح وآلية يتم تنفيذها كقانون ملزم لحماية الرياضيين، وكذلك ممارسي الرياضة الذين يؤمون النوادي الرياضية يوميا.
وتتمثل أهداف فريق العمل في مراجعة واقتراح تعديلات في الممارسات الحالية في مجالات الاستيراد والتصنيف وإصدار شهادات مراقبة الجودة وصولا إلى البيع بالتجزئة للمكملات الرياضية بشكل أكثر أماناً في دولة قطر. بهدف وضع خارطة طريق من شأنها أن تحمي في نهاية المطاف صحة جميع الرياضيين في المجتمع القطري الذين يستعملون هذه المكملات الغذائية.
و"تعتقد نسبة كبيرة من طلاب الجامعات في قطر أن المكمِّلات أقل ضرراً وأكثر فاعلية من الأدوية التقليدية، لكن الأمر ليس كذلك على الدوام"، كما يقول الدكتور رافيندر مامتاني العميد المشارك للصحة العالمية والعامة وأستاذ سياسات وبحوث الرعاية الصحية في كلية طب وايل كورنيل في قطر، والذي أكد في تصريحات صحافية، على أنه :"لا بدّ أن نتذكر أن المكمِّلات الغذائية والعشبية غير خاضعة لضوابط تنظيمية صارمة مثل الأدوية التقليدية التي يجب أن تجتاز العديد من الفحوص المخبرية والتجارب المضبَّطة قبل السماح بتداولها ووصفها للمرضى. يُضاف إلى ذلك أن المكمِّلات قد تؤثر على فاعلية الأدوية التقليدية في حالات معينة، لذا لا بدّ أن يكون الأطباء وغيرهم من المختصين في مجال الرعاية الصحية على دراية بهذه الحقيقة وأن يستفسروا من مرضاهم إن كانوا يتناولونها".
وتوضح الهيئة العامة للجمارك أن هناك أنواعا من المكملات الغذائية تسمح وزارة الصحة بتداولها واستيرادها، لكن المكملات الغذائية أو الهرمونات غير المصرح بها من وزارة الصحة العامة، يكون التعامل معها وفقا لقانون الجمارك القطري رقم 40 لسنة 2002، والذي يوضح في المادة (142) من الفصل الخامس من الباب الثاني عشر، العقوبات التي تُفرض على السلع المهربة، ففي حال كانت البضاعة المهربة تخضع لرسوم جمركية مرتفعة فتكون العقوبة هي الغرامة التي لا تقل عن مثلي الرسوم الجمركية المستحقة ولا تزيد على مثلي قيمة البضاعة، والحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة أو بإحدى هاتين العقوبتين، أما في حال كانت البضاعة المهربة غير خاضعة للرسوم الجمركية، فتكون العقوبة الغرامة التي لا تقل عن 10% من قيمة البضاعة ولا تزيد على قيمتها، والحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة أو بإحدى هاتين العقوبتين. وشددت الجمارك على أن أي محاولة لإدخال مواد غير مصرح بها من وزارة الصحة العامة يتم فيها مصادرة جميع البضائع المهربة.