لا علاقة للسياسة بالرياضة، مقولة برر بها من شجعوا منتخب بشار الأسد الكروي من السوريين المعارضين له، لا سيما في المباراة التي جمعت هذا الفريق بالمنتخب الإيراني في طهران في 5 سبتمبر/ أيلول الجاري، في إطار تصفيات كأس العالم لمونديال روسيا 2018.
لكنها مقولة لا تمت إلى الواقع بصلة، والمتابع للمباراة وما سبقها، سواء بعين سياسية أو رياضية، يدرك تماماً أنها هي وما سيليها مشبعة بالسياسة حتى التخمة، ليس على صعيد النظام فحسب، بل على صعيد التواطؤ الإقليمي والدولي.
ولعل من سذاجة أصحاب مقولة الفصل بين الرياضة والسياسة أنهم لم يزيدوا على أن زجوا بالرياضة بكل حمولتها الرمزية في أحضان السياسة، بل في أحضان الأسد، تساوقاً مع الترويج الحالي لفكرة العودة إلى الأحضان الغارقة بالدماء، وذلك عندما تناسوا أن نظام الأسد نفسه لم يلتزم بمقولتهم تلك، ولا يقبل أصلاً أن يلتزم بها، فكان اهتمامهم بمنتخب النظام وتشجيعهم له نجاحاً للأسد في تحقيق مآربه.
فالاهتمام الرسمي الاستثنائي من قبل النظام وإعلامه وحلفائه بالمباراة المذكورة، وبشكل عام دخول التصفيات والسعي للتأهل إلى كأس العالم في روسيا عام 2018 لا ينبع من الانتماء الوطني، بل من الحاجة الشديدة إلى توظيف كل المظاهر والمكاسب ذات الطابع الوطني في محاربة الثورة، وتعزيز بقاء الأسد وإعادة تأهيله وفتح نوافذ جديدة له للدخول من خلالها إلى قلب وعقل الأنظمة والحكومات المناوئة له.
شكر اللاعب السوري المحترف في نادي الهلال السعودي، عمر السومة، الأسد في حفل تكريم أقامه الاتحاد الرياضي التابع للنظام عقب نتيجة التعادل التي كان له الفضل في إحرازها مع إيران، كان لافتاً في حجم التوظيف السياسي للمشهد الكروي، بل يفقأ عين كل من نادى بفصل الرياضة عن السياسة من جمهور الثورة، لاهثاً خلف حلم كاذب.
لا سيما أن عودة السومة أصلاً إلى سورية للمشاركة في مباريات منتخب الأسد كحال فراس الخطيب لا يخرج عن التواطؤ الإقليمي والبحث عن مداخل للمصالحة مع نظام المجتمع الدولي المدلل.
في حقيقة الموقف، لو كنا مجرد معارضين لنظام منقوص الشرعية وحزب حاكم متغول على السلطة لكان دعمنا وتشجيعنا لما يسمى المنتخب السوري محتماً، فالوطن والدولة شيء والحزب الحاكم شيء آخر، هذا في الدول الديمقراطية أو شبه الديمقراطية.
لكننا ثوار –كنا وما زلنا– على عصابات عائلية معدومة الشرعية ابتداء وانتهاء، دمجت نفسها بالنظام العام والدولة وجميع المؤسسات والكيانات وسيستها، واستخدمت كل موارد الدولة في صراعها مع الشعب السوري الصامد منذ سنوات، وجعلت من الصراع على الشرعية الوطنية سلاحاً دعائياً لخدمة بقائها وفرارها من يد العدالة واستمرارها في قمع الانتفاضة.
فلو كان هذا الشعب من البلاهة بحيث تنطلي عليه معركة النظام المقنعة حول الشرعية الوطنية لفرق بين الجيش كمؤسسة والعصابات الحاكمة من باب أولى، والحال أنه لم يفعل وهو يرى هذا الجيش وقد كشف عن حقيقة دوره كأداة قتل وتدمير وسفك لدماء الأبرياء الرافضين لاستمرار مهزلة حكم الأسد 40 عاماً، بل إن عشرات الآلاف من المنتسبين لهذا الجيش فهموا الرسالة وانشقوا عنه رافضين توجيه بندقيتهم إلى الثوار والمدنيين.
هذا التوظيف السياسي في "رعاية قائد الوطن" للرياضة والرياضيين لم يقتصر على ذلك. شبكة ESPN الأميركية كانت قد نشرت في مايو/ أيار الماضي ملفاً كاملاً بعنوان "منتخب الديكتاتور"، اعتمدت فيه على شهادات لاعبين حاليين وسابقين، ومسؤولين حاليين وسابقين في ميدان كرة القدم، فضلا عن أصدقاء وأقارب للضحايا، كشفت فيه أن النظام قتل 36 لاعب كرة من أندية الدرجة الأولى والعشرات من أندية الدرجة الثانية، إما تعذيباً حتى الموت أو بالقصف. وصنفت 13 لاعباً في عداد المفقودين، مضيفةً أن النظام استخدم ملاعب لكرة القدم في الحرب كمستودعات أسلحة، ومعلوماتنا تقول إنه استخدم بعضها كسجون بعد اكتظاظ سجونه السرية والمعلنة على حد سواء.
شبكة ESPN كشفت أيضاً عن تواطؤ الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) مع نظام الأسد، إذ أوقف الاتحاد الدولي لكرة القدم خلال العقود الماضية 20 مرة منتخبات بسبب إقحام الأمور السياسية ومخالفة القواعد. أما في حالة سورية فاعتبرت أن الأمر "حوادث مأساوية تأتي بعيداً عن نطاق الرياضة".
إذن هو توظيف سياسي من وجهين، الأول في استخدام الرياضة وكرة القدم لتذكير العالم بشرعية نظام فاقد للشرعية بتواطؤ لا تخطئه العين من هذا العالم، والثاني في الرعاية الوحشية للرياضة والرياضيين ولاعبي كرة القدم، وفق ما كشفت عنه شبكة ESPN.
يبقى أننا كصف ثوري نمعن في الخطأ إن توهمنا أن ملابسات تشجيع بعضنا لمنتخب الأسد تقتصر على السذاجة والخفة، فهي في العمق وبصورة ضمنية غير واعية تمثل رسالة احتجاج، يطلقها هؤلاء، أولاً على عدم حل أزمة الانتماء في الصف الثوري وعدم قيام البديل الوطني في شكل مؤسسات وقيادة واحدة تنافس وتزاحم كيان النظام من حيث الإدارة الداخلية والتمثيل الخارجي، بل إن الاحتجاج يشمل أيضاً البديل الثوري المشتت والممزق، لكونه غير مشجع على الانتماء له على الإطلاق.
أزمة الانتماء التي ظهرت للعيان لدى عدد غير قليل من المحسوبين على جمهور الثورة وقابلية الانسياق خلف ألاعيب النظام الخبيثة، ينبغي أن تمثل للمتصدرين والنافذين والقادرين على فعل أي شيء ناقوس خطر لتدارك ما يمكن تداركه، قبل أن يفوت الأوان، وقد أوشك على الفوات.
لكنها مقولة لا تمت إلى الواقع بصلة، والمتابع للمباراة وما سبقها، سواء بعين سياسية أو رياضية، يدرك تماماً أنها هي وما سيليها مشبعة بالسياسة حتى التخمة، ليس على صعيد النظام فحسب، بل على صعيد التواطؤ الإقليمي والدولي.
ولعل من سذاجة أصحاب مقولة الفصل بين الرياضة والسياسة أنهم لم يزيدوا على أن زجوا بالرياضة بكل حمولتها الرمزية في أحضان السياسة، بل في أحضان الأسد، تساوقاً مع الترويج الحالي لفكرة العودة إلى الأحضان الغارقة بالدماء، وذلك عندما تناسوا أن نظام الأسد نفسه لم يلتزم بمقولتهم تلك، ولا يقبل أصلاً أن يلتزم بها، فكان اهتمامهم بمنتخب النظام وتشجيعهم له نجاحاً للأسد في تحقيق مآربه.
فالاهتمام الرسمي الاستثنائي من قبل النظام وإعلامه وحلفائه بالمباراة المذكورة، وبشكل عام دخول التصفيات والسعي للتأهل إلى كأس العالم في روسيا عام 2018 لا ينبع من الانتماء الوطني، بل من الحاجة الشديدة إلى توظيف كل المظاهر والمكاسب ذات الطابع الوطني في محاربة الثورة، وتعزيز بقاء الأسد وإعادة تأهيله وفتح نوافذ جديدة له للدخول من خلالها إلى قلب وعقل الأنظمة والحكومات المناوئة له.
شكر اللاعب السوري المحترف في نادي الهلال السعودي، عمر السومة، الأسد في حفل تكريم أقامه الاتحاد الرياضي التابع للنظام عقب نتيجة التعادل التي كان له الفضل في إحرازها مع إيران، كان لافتاً في حجم التوظيف السياسي للمشهد الكروي، بل يفقأ عين كل من نادى بفصل الرياضة عن السياسة من جمهور الثورة، لاهثاً خلف حلم كاذب.
لا سيما أن عودة السومة أصلاً إلى سورية للمشاركة في مباريات منتخب الأسد كحال فراس الخطيب لا يخرج عن التواطؤ الإقليمي والبحث عن مداخل للمصالحة مع نظام المجتمع الدولي المدلل.
في حقيقة الموقف، لو كنا مجرد معارضين لنظام منقوص الشرعية وحزب حاكم متغول على السلطة لكان دعمنا وتشجيعنا لما يسمى المنتخب السوري محتماً، فالوطن والدولة شيء والحزب الحاكم شيء آخر، هذا في الدول الديمقراطية أو شبه الديمقراطية.
لكننا ثوار –كنا وما زلنا– على عصابات عائلية معدومة الشرعية ابتداء وانتهاء، دمجت نفسها بالنظام العام والدولة وجميع المؤسسات والكيانات وسيستها، واستخدمت كل موارد الدولة في صراعها مع الشعب السوري الصامد منذ سنوات، وجعلت من الصراع على الشرعية الوطنية سلاحاً دعائياً لخدمة بقائها وفرارها من يد العدالة واستمرارها في قمع الانتفاضة.
فلو كان هذا الشعب من البلاهة بحيث تنطلي عليه معركة النظام المقنعة حول الشرعية الوطنية لفرق بين الجيش كمؤسسة والعصابات الحاكمة من باب أولى، والحال أنه لم يفعل وهو يرى هذا الجيش وقد كشف عن حقيقة دوره كأداة قتل وتدمير وسفك لدماء الأبرياء الرافضين لاستمرار مهزلة حكم الأسد 40 عاماً، بل إن عشرات الآلاف من المنتسبين لهذا الجيش فهموا الرسالة وانشقوا عنه رافضين توجيه بندقيتهم إلى الثوار والمدنيين.
هذا التوظيف السياسي في "رعاية قائد الوطن" للرياضة والرياضيين لم يقتصر على ذلك. شبكة ESPN الأميركية كانت قد نشرت في مايو/ أيار الماضي ملفاً كاملاً بعنوان "منتخب الديكتاتور"، اعتمدت فيه على شهادات لاعبين حاليين وسابقين، ومسؤولين حاليين وسابقين في ميدان كرة القدم، فضلا عن أصدقاء وأقارب للضحايا، كشفت فيه أن النظام قتل 36 لاعب كرة من أندية الدرجة الأولى والعشرات من أندية الدرجة الثانية، إما تعذيباً حتى الموت أو بالقصف. وصنفت 13 لاعباً في عداد المفقودين، مضيفةً أن النظام استخدم ملاعب لكرة القدم في الحرب كمستودعات أسلحة، ومعلوماتنا تقول إنه استخدم بعضها كسجون بعد اكتظاظ سجونه السرية والمعلنة على حد سواء.
شبكة ESPN كشفت أيضاً عن تواطؤ الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) مع نظام الأسد، إذ أوقف الاتحاد الدولي لكرة القدم خلال العقود الماضية 20 مرة منتخبات بسبب إقحام الأمور السياسية ومخالفة القواعد. أما في حالة سورية فاعتبرت أن الأمر "حوادث مأساوية تأتي بعيداً عن نطاق الرياضة".
إذن هو توظيف سياسي من وجهين، الأول في استخدام الرياضة وكرة القدم لتذكير العالم بشرعية نظام فاقد للشرعية بتواطؤ لا تخطئه العين من هذا العالم، والثاني في الرعاية الوحشية للرياضة والرياضيين ولاعبي كرة القدم، وفق ما كشفت عنه شبكة ESPN.
يبقى أننا كصف ثوري نمعن في الخطأ إن توهمنا أن ملابسات تشجيع بعضنا لمنتخب الأسد تقتصر على السذاجة والخفة، فهي في العمق وبصورة ضمنية غير واعية تمثل رسالة احتجاج، يطلقها هؤلاء، أولاً على عدم حل أزمة الانتماء في الصف الثوري وعدم قيام البديل الوطني في شكل مؤسسات وقيادة واحدة تنافس وتزاحم كيان النظام من حيث الإدارة الداخلية والتمثيل الخارجي، بل إن الاحتجاج يشمل أيضاً البديل الثوري المشتت والممزق، لكونه غير مشجع على الانتماء له على الإطلاق.
أزمة الانتماء التي ظهرت للعيان لدى عدد غير قليل من المحسوبين على جمهور الثورة وقابلية الانسياق خلف ألاعيب النظام الخبيثة، ينبغي أن تمثل للمتصدرين والنافذين والقادرين على فعل أي شيء ناقوس خطر لتدارك ما يمكن تداركه، قبل أن يفوت الأوان، وقد أوشك على الفوات.