القانون الجديد الذي يتضمن 227 مادة موزعة على 8 أبواب تنظم حرية الصحافة والإعلام، شهد حالة من الرفض والقبول طوال فترة إعداده، ويتزامن صدوره مع الأزمة المشتعلة ما بين نقابة الصحافيين المصرية، ووزارة الداخلية، عقب اقتحام الثانية لمقر الأولى في الأول من مايو/أيار الحالي، لاعتقال صحافيين صادر بحقهما أوامر ضبط وإحضار على خلفية مواقفها السياسية الرافضة لـ"تنازل مع مصر عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية".
إلا أن الحكومة المصرية نفت أن يكون هناك قصد في توقيت إصدار القانون؛ إذ قال المتحدث باسم مجلس الوزراء، حسام القاويش، في تصريحات صحافية، إن "أزمة نقابة الصحافيين ووزارة الداخلية لم تؤثر بأي حال من الأحوال على مناقشات مشروع قانون الصحافة والإعلام، الذي أخذ حيزا كبيرا من اجتماعات مجلس الوزراء، حتى يخرج للنور بصورته الحالية".
كما رحّب مجلس نقابة الصحافيين المصرية، بموافقة الحكومة على قانون تنظيم الصحافة والإعلام، وأشاد بالروح التي اتسم بها تعامل الحكومة مع مشروع القانون من خلال اللجنة المشتركة التي ضمت وزراء وممثلي وزارات، التخطيط والمتابعة والعدل والشؤون القانونية، إلى جانب ممثلي اللجنة الوطنية للتشريعات الصحافية والإعلامية، وهي اللجنة التي أعدت الصياغة الحالية التي حظيت بتوافق جميع الأطراف على مشروع القانون.
واعتبر مجلس النقابة، في بيان رسمي له مساء الاثنين، أن موافقة الحكومة على تعديل قانون العقوبات لتفعيل المادة (71) من الدستور، والخاصة بعدم فرض أي رقابة على الصحف والإعلام وحظر توقيع عقوبات سالبة للحريات في قضايا النشر والتعبير، وإصدار تلك التعديلات بالتزامن مع قانون تنظيم الصحافة والإعلام وقانون تأسيس نقابة الإعلاميين، تُعد كلها خطوات في الاتجاه الصحيح لتطبيق مواد الدستور، وتؤسس لعلاقة أساسها الثقة والاحترام المتبادل بين الحكومة والصحافة والإعلام باعتبارهما ضمن مؤسسات الدولة المصرية.
وشدد المجلس في بيانه، على أن حرية الصحافة والإعلام إحدى الحريات العامة للشعب المصري وليست حرية الصحافيين والإعلاميين وحدهم، كما أكد المجلس أن "هذا التوافق وتلك الروح هي التي يجب أن تسود بين مؤسسات الدولة، وهي التي تحتاجها مصر بشدة في الوقت الراهن في التعامل مع كافة القضايا من أجل تأسيس دولة القانون، ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية بما يحقق المصالح العليا للوطن"، مقتبسا تلميحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بشأن أزمة النقابة ووزارة الداخلية بشأن ضرورة نبذ الخلافات بين مؤسسات الدولة.
ويحدد القانون حقوق الصحافيين والإعلاميين، وواجباتهم، وملكية المؤسسة الصحافية، وكيفية مزاولة المؤسسة لنشاطها وملكية الوسيلة الإعلامية وكيفية مزاولتها لنشاطها. كما ينظم طريقة إدارة وعمل المؤسسات الصحافية الحكومية ومجالس إداراتها، وينظم طريقة إدارة وعمل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وأهدافه ومهامه وتشكيل مجلس إدارة المجلس والشروط الواجب توافرها في أعضائه واختصاصاتهم.
وكانت ما تسمى باللجنة الوطنية للتشريعات الصحافية والإعلامية، قد شرعت في إعداد مشروع القانون الموحد للصحافة والإعلام، منذ أكثر من عام، وهي اللجنة التي تشمل في عضويتها 6 أعضاء من مجلس نقابة الصحافيين المصريين، و6 من أعضاء من المجلس الأعلى للصحافة، الحاليين والسابقين، و12 من الإعلاميين، و 26 آخرين يمثلون أساتذة وخبراء قانون، وأساتذة صحافة وإعلام، وذوي خبرات من الصحافيين والإعلاميين، وشبابا صحافيين وإعلاميين، والنقابة العامة لعمال الصحافة والطباعة والنشر والإعلام، وغرفة الإعلام المرئي والمسموع، ورؤساء مجالس إدارة الصحف القومية، والصحف الخاصة، ونقابة الصحافيين الإلكترونيين - تحت التأسيس، وشخصيات عامة.
المعارضون للمشروع، استمروا على موقفهم، الذي أعلنوه من قبل بالتزامن مع مناقشة مسودات القانون.
وأبدت لجنة الأداء النقابي، التي تضم في عضويتها عددا من أعضاء الجمعية العمومية لنقابة الصحافيين المصرية، ملاحظاتها الأولية على مسودة مشروع القانون الموحد للصحافة والإعلام التي انصبت في ملفات "الحريات وحقوق الجمهور وحقوق الصحافيين وإدارة وملكية الصحف وإصدار القانون ولائحته التنفيذية".
وليست لجنة الأداء النقابي وحدها الرافضة لبعض مواد المشروع، بل إنه قوبل بالرفض منذ ظهور نسخة الأولية، من قبل عدد من الصحافيين والمتخصصين، لما به من المصطلحات "المطاطية" على حد قولهم، مثل "تكدير السلم العام، والاحتقار والعنصرية".
انتقادات أخرى خاصة بـ"المواد المنظمة لاختيار الأعضاء بالهيئات الثلاث التي سيتم تشكيلها عقب البرلمان المقبل، والشروط المنظمة لعمل المؤسسات الصحافية، واختيار رؤساء سيحرمون الشباب من الترشح لمناصب رؤساء التحرير ومجالس الإدارات في الصحف القومية، وتشكيل مجالس إدارات المؤسسات الصحافية القومية"، وجهها عدد من الصحافيين والإعلاميين خلال اجتماع مجلس النقابة لمناقشة نسخة القانون.
من جانبه، أصدر "المركز العربي للبحوث والدراسات"، رؤية ذاتية بشأن مشروع القانون، نشرها على موقعه الرسمي في أواخر مارس/آذار الماضي، تضمنت الحديث عن عملية "تصقيع" القانون الموحد لتنظيم الإعلام والصحافة، الذي اعتبره المركز بمثابة "حقيقة خطيرة مفادها أن هذا القانون ولد وترعرع من رحم الحكومة بإشراف رئيس الحكومة وبإخراج وزير التخطيط" (راجع الكادر أدناه).
كما يواجه مشروع القانون تحدياً آخر يتعلق بما يمكن وصفه بغياب كل ما يتعلق بوسائل الإعلام الإلكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي والمدونات وصحافة المواطن؛ فمن الواضح أن اللجنة التي وضعت هذا القانون لم يكن بها متخصصون في الإعلام الجديد، وأن أول وآخر ما عرفه في الإعلان الجديد هو الصحافة الإلكترونية، ولم تصل إلى أسماعهم الأشكال الأخرى المتعددة من هذا الإعلام، والتي يُطلق عليها إجمالاً "صحافة المواطن" أو "صحافة الشبكات"، مع ما لهذا النوع من الإعلام من تأثير على المستخدمين، وخاصةً من ينتمون لفئة الشباب منهم، وفقا لرؤية المركز.
وتشهد أوضاع الصحافيين المالية تدنياً خطيراً في ضوء التحديات الاقتصادية الخطيرة من ارتفاع تكاليف إنتاج الصحف الورقية.
وبالتسليم بالحالة الراهنة التي تشير إلى أن الساحة الإعلامية شهدت في الآونة الأخيرة انتشارا وتوسعا للصحف الحزبية والقومية والتلفزيونات الخاصة وأصبح هناك تغير وتعددية في الرأي والانتقال من إعلام الصوت الواحد إلي الإعلام التعددي.
وتضمنت انتقادات القانون، "أن يكون القائمون على المواقع الإلكترونية صحافيين من أعضاء النقابة"، مما يعني التضييق على الصحافيين الشباب، وأن تظل المواقع الإلكترونية متطفلة على الصحف، فضلا عن التطرق لبنود "الفصل التعسفي، الكادر، تشكيل الهيئة الوطنية"، التي رأى المركز أنها "لا توفر حماية للصحافيين حال إغلاق جرائدهم كما حدث مؤخرا".
"ينظر الكثيرون إلى مشروع قانون الإعلام الموحد بوصفه يحتوي على عدد من النقاط التي تعتبر في مضمونها ردة للحريات؛ حيث نص الدستور أن يكون إصدار الصحف بالإخطار فقط، في الوقت الذى جاء مشروع القانون لينص على الالتزام بوجود تراخيص، كما ضم مشروع القانون شرط 3 ملايين جنيه لإصدار صحيفة يومية، و1.5 مليون للإصدار الأسبوعي، بعد أن كان مليون جنيه للصحيفة اليومية و250 ألفا للأسبوعية مما يعني التضييق على إصدار الصحف سواء بوجود التراخيص أو بمضاعفة نسبة الوديعة للصحف"، بحسب المركز.
وتساءل "المركز العربي للبحوث والدراسات" تعليقاً على القانون، "هل يجوز في عصر حرية الإعلام أن تتدخل الحكومة في تشريع قانون لتنظيم الإعلام والصحافة، وأن يوكل رئيس الحكومة آنذاك، المهندس إبراهيم محلب، وزير التخطيط د. أشرف العربي برئاسة لجنة حكومية لوضع الخطوط العريضة للقانون ومناقشة اللجنة الوطنية للتشريعات الصحافية والإعلامية، فيما توصلت إليه على مدار عدة جلسات مطولة لكي تأخذ بمقترحات اللجنة الحكومية عند الصياغة النهائية للقانون".
"فبحسب ما يرى الخبراء فإن الإعلام المفترض أنه "السلطة الرابعة"، والتي تمارس دورًا كبيرًا في الرقابة على السلطة التنفيذية الممثلة في رئيس الدولة والحكومة، فكيف إذن للحكومة أن تشارك بل وتهيمن على عملية سن تشريع للإعلام"، بحسب المركز، الذي اعتقد أن هنا "تضاربًا للمصالح واضحا تمامًا ولا لبس فيه بدرجة الوضوح نفسها للحرية التي منحها الدستور للإعلام لتأتي الحكومة بمحاولات لنسخ ومسخ هذه الحرية بقانون لتنظيم الإعلام يخرج من رحمها؛ فالحكومات لا تقوم بتنظيم الإعلام، وإلا لصار إعلامَ سلطة أو إعلامًا موجهًا".
ولفت المركز في رؤيته إلى بعض المصطلحات "المطاطية" الواردة في هذا المشروع، مثل "ميثاق الشرف الصحافي"، وهو الأمر الذي "يضعنا أمام مخاوف جديدة من المغالاة في التطبيق عبر الاستخدام الجائر لهذا المصطلح على نحو يضع آلاف الإعلاميين تحت سطوة المفاهيم الواسعة غير المحددة"، بحسب ما أكد المركز الذي يبدو من أبرز المعارضين للقانون.