أولى الحالات التي استعرضتها المجلة كانت لمعارض سعودي يدعى عمر عبد العزيز، حاصل على اللجوء السياسي في كندا، ويريد أن يعرف لماذا اختفى وسم (هاشتاغ) أنشأه شخصياً من موقع "تويتر" بعد انتشاره بسرعة كبيرة. وقالت "نيوزويك" إن هذا الشاب البالغ 27 عاماً، ويتابع دراسته في العلوم السياسية، لديه أكثر من 270 ألف متابع على "تويتر"، لكن مجموعة من الوسوم التي أطلقها باللغة العربية، اختفت بمجرد أن بدأت في الانتشار على نطاق واسع، خصوصاً تلك التي تنتقد ما يجري في المملكة العربية السعودية، وولي العهد محمد بن سلمان.
وفي هذا الصدد قال عبد العزيز لـ"نيوزويك": "أنشأت هذا الوسم حول شخص مقرب جداً من ولي العهد محمد بن سلمان، اسمه تركي آل الشيخ. هذا الشخص لا يتردد في إنفاق أموال طائلة وباستمرار، ينفق الملايين، على فعاليات وحفلات تافهة في السعودية".
وأوضحت المجلة أن آل الشيخ هو رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة في المملكة، والمسؤول عن تنظيم العديد من الفعاليات الرياضية المهمة. أما الوسم الذي أُطلِقَ عنه فهو: #اوقفوا_عبث_ال_الشيخ_بمال_الشعب.
وقال عبد العزيز لـ"نيوزويك" إن هذا الوسم "حظي بستة آلاف تغريدة في ظرف وجيز لم يتعدّ 15 دقيقة، إلا أنه فجأة حُذف من التريندات (الأكثر انتشاراً)، كأنه لم يكن".
لم يكتفي هذا الاحمق بتبذير اموال الدوله على حفل مخيس يجعل لاعب معتزل مثل فيغو يجلس مكشر ومستكبر ورافع خشمه على الحفل وياخذ ملايين .. بل قام بحذف التاق بمبلغ وقدره .. تويتر يشترى ويباع وتقدر تحط هاشتاق وتشيل بفلوسك #اوقفوا_عبث_ال_الشيخ_بمال_الشعب #اوقفوا_عبث_ال_الشيخ_بمال_الشعب٢ — Query (@qu_ery) December 18, 2017 " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
">
|
تعليقاً على هذا الحذف، قال مقال "نيوزويك" إن مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي في المملكة العربية السعودية طرقوا أبواب "تويتر" للاستفسار عن السبب الذي دعا الشركة إلى سحب الوسم، حالما بدأ في الانتشار بشكل سريع، موضحاً أنهم لم يتلقوا على ما يبدو أي رد.
ولفت المقال إلى أن عبد العزيز واحد من بين عدد كبير من المعارضين والمحتجين السعوديين الذين يؤكدون أن تدويناتهم على شبكات التواصل الاجتماعي، التي ينتقدون من خلالها سلطات البلاد تختفي من منصات التواصل، أو يتم استهدافهم من قبل "هاكرز" (قراصنة) يدافعون عن العائلة الملكية في السعودية.
وفيما أشار مقال "نيوزويك" إلى أنه من غير الواضح حتى الساعة الدور الذي تلعبه الجهات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي في ما يجري، أوضح أن بعض الخبراء يعتبرون أنه من الوارد أن "الهاكرز" السعوديين يقومون باختراق منصات التواصل الاجتماعي، أو أن شركات شبكات التواصل تتعرض إلى ضغوط هدف الامتثال للقوانين المحلية للبلدان التي تنشط فيها، بما في ذلك البلدان التي لا تقدم أي ضمانات لحماية حرية التعبير. كذلك أوضح المقال أن السياسة الخاصة التي يتبعها موقع "تويتر" تقضي بأن يقدم "إشعاراً مباشراً حول طلبات حذف المحتوى بالنسبة للمستخدمين المعنيين"، فيما يزعم ممثلون عن "تويتر" بأنهم لا يقومون بحذف أي وسم.
إزاء ذلك، قال مقال "نيوزويك" إن الهجمات التي يتم من خلالها استهداف حسابات وسائل التواصل الاجتماعي، وما يتم من ممارسات لتكميم أفواه الأصوات المنتقدة للنظام السعودي على الإنترنت، تندرج ضمن الممارسات الممنهجة التي تقوم بها السلطات السعودية لاستخدام التواصل الاجتماعي كسلاح، وذلك بحسب خبراء في مجال الأمن المعلوماتي.
وفي هذا السياق، نقلت "نيوزويك" عن الباحث البارز المختص بالأمن المعلوماتي، ديفيد فيدلر، قوله "ما نعاينه هو قيام الحكومات المتسلطة باستخدام هذه التقنيات والتكتيكات بشكل استراتيجي أوسع".
هذا الأخير أضاف في تصريحه: "الحكومات التي لديها مخاوف من المحتجين الذين يلجأون إلى البريد الإلكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي تراقب تلك المنصات وتقدم شكاوى رسمية (للشركة المعنية) من أجل حذف التغريدات والتدوينات المستهدفة". وتابع أن "فيسبوك" و"يوتيوب" و"تويتر" واجهت صعوبات في كيفية التعامل مع الحكومات التي تطلب من الشركات الامتثال لقوانينها المحلية، مشهرة ذريعة المخاوف المرتبطة بالأمن القومي.
وبخصوص ما تقوم به السلطات السعودية في هذا الإطار، قال فيدلر إنها "منخرطة تماماً في هذا"، مضيفاً أنها "كسائر الحكومات المتسلطة الأخرى، تستخدم شبكات التواصل الاجتماعي كسلاح ضد هؤلاء الأفراد".
غانم الدوسري
كذلك توقفت المجلة الأميركية عند حالة ناشط آخر يدعى غانم الدوسري، وهو معارض سعودي مقيم في لندن طور برنامجاً ساخراً حول السعودية ينشره على قناته على "يوتيوب"، قال في تصريحه إنه أيضاً ضحية للهجمات الإلكترونية السعودية. ولفتت "نيوزويك" إلى أن برنامج الدوسري الساخر يتهكم على ولي العهد وعدد من الشخصيات البارزة في السعودية.
وقال الدوسري إنه منذ إطلاقه "غانم شو" في 2015، تعرض لمهاجمة موقعه الإلكتروني، وصفحاته وحساباته على قناة "يوتيوب" و"تويتر" و"إنستغرام" و"فيسبوك".
وأوضح في تصريحه "حينما فتحت قناتي على يوتيوب، حاولت السلطات إغلاقها، وتلقى يوتيوب شكوى من السلطات بخصوص قناتي. لقد قاموا بقرصنة موقعي الإلكتروني ووضع صورة الملك سلمان هناك. وقاموا أيضاً بإرسال سبام (رسائل غير مرغوبة) إلى حسابي على تويتر وقاموا بإغلاقه".
وأكد الدوسري لـ"نيوزويك" أنه كان سعيداً بالطريقة التي تعامل بها "يوتيوب" و"تويتر" مع ما جرى، موضحاً أنه استعاد حسابه على "يوتيوب" في مايو/أيار 2016 بعد إجراء تحقق وجيز، لكنه لم يحظ بالمعاملة نفسها من قبل "فيسبوك"، إذ إنه لم يستعد حسابه إلا بعد مرور تسعة أشهر، وفق تصريحه.
تعليقاً على هذا القمع غير المباشر والمقنع، قالت "نيوزويك" إن الخبراء في مجال الأمن المعلوماتي يرون أن الطريقة التي تتخذ بها شركات التكنولوجيا العملاقة قراراتها بشأن الطلبات الحكومية التي تتجاوب معها أو التي ترفضها ليست شفافة كما تدَّعي تلك الشركات.
"تأتي هذه الطلبات من الحكومات الأجنبية طيلة الوقت، وعلى الشركة أن تُقرِّر كيف سترد"، كما جاء في تصريح فيدلر للمجلة، قبل أن يضيف: "لا توجد أي شفافية حول ما تتخذه الشركات من قرارات. إنها تسعى لتؤمن مكانتها في كل دول العالم، وأن تكون شركات عالمية تعمل وفق قوانين محددة، لكن يتعين عليها أيضاً أن تمتثل للقوانين المحلية. وبالتالي تدخل في مستنقع غياب الشفافية هذا".
من جانب آخر، لفت مقال "نيوزويك" إلى أن السعودية أدرجت منذ وقت طويل ضمن مجموعة الدول التي تستخدم "الهاكرز" والهجمات الإلكترونية لقمع المحتجين وأصوات المعارضة، موضحاً أن بلداناً كروسيا، والصين، وإيران، وكوريا الشمالية، تعتمد أساليب مشابهة.
وأضاف أن اللافت في الحالة السعودية هو أن سلطات البلاد أصبحت أقل تساهلاً مع الانتقادات خلال الأشهر الأخيرة، تزامناً مع ما يقوم به ولي العهد السعودي من ممارسات لتعزيز سلطاته في الداخل، وإعادة تأهيل الاقتصاد، وفرض ضغوط على إيران. وأبرز المقال أن الممارسات لقمع أي احتجاجات في الداخل تتزامن مع ممارسات مماثلة لإرغام المحتجين على عدم توجيه أي انتقادات للنظام.
تعليقاً على ذلك، قال لـ"نيوزويك" الباحث في السياسات المعلوماتية بالمجلس الأطلسي في واشنطن، كينيث غيريز: "السعودية ككيان سياسي تعتبر منغلقة، وحين تكون لديك ثقافة سياسية منغلقة تكون لديك ثقافة معلوماتية منغلقة تحميها"، قبل أن يضيف أن "التحكم السياسي يتبلور من خلال مستوى مرتفع من التحكم في الفضاء المعلوماتي، وألا تحيد عن ذلك. إنه لأمر منطقي أن يشمل التحكم الفضاء المعلوماتي حينما يكون لديك نظام سياسي واجتماعي متحكم جداً بالداخل".