وأشارت الورقة البحثية إلى تصدُّر وزارة الداخلية المصرية قائمة الجهات المنتهكة للصحافيين، وذلك لقيامها بارتكاب 309 انتهاكات، من إجمالي 727 انتهاكاً للحريات الإعلامية خلال عام 2016، كما أشارت الورقة إلى علاقة تشبه الخصومة بين الصحافيين المصورين تحديداً وبين قوات الأمن أثناء تغطيتهم للفعاليات والترصد لهم والتضييق عليهم في تغطية الأحداث بشكل واضح، إلى أن تصاعدت الخصومة لتكون بين كيان نقابة الصحافيين نفسه ووزارة الداخلية.
وفي سبيل دراسة وتحليل أبعاد هذه الظاهرة، استعرضت الورقة أهم الأحداث التي تجلّت فيها هذه الخصومة، والسمات العامة للتعامل الأمني مع الصحافيين، وذلك بموجب التسلسل الزمني لملاحظة وتيرة تصاعد الاحتقان والخصومة بين الطرفين.
وأفادت الورقة البحثية بأن اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، فجّرت العديد من الأزمات على مستويات متعددة وحرّكت الرأي العام، وبينما كان الصحافيون والمصورون يؤدون عملهم في تغطية وتوثيق تلك الاحتجاجات، ظهر جلياً الترصد الأمني بشكل ممنهج ضدهم، لا سيّما خلال "جمعة الأرض"، 15 إبريل/ نيسان، وتظاهرات 25 إبريل في العام نفسه، بالتزامن مع ذكرى تحرير سيناء.
وبحسب التقارير الصادرة عن غرفة عمليات مرصد "صحافيون ضد التعذيب"، والتي رصدت الانتهاكات التي تعرض لها الصحافيون خلال هذين اليومين، سجل المرصد 36 انتهاكاً من الجهات الأمنية وحدها، وذلك في تظاهرات "جمعة الأرض"، 15 إبريل، في 5 محافظات مختلفة، وهي: القاهرة والجيزة والإسكندرية وبورسعيد والسويس، أما في تظاهرات 25 إبريل، فتم رصد 97 انتهاكاً من الجهات الأمنية ضد الصحافيين، وهو رقم غير مسبوق للانتهاكات، لم يتم تسجيله من قبل خلال يوم واحد منذ تدشين المرصد في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013.
كما لفتت الورقة البحثية إلى وجود حالة عداء تجاه الكاميرات التي كانت السمة الأبرز للانتهاكات، أيا كان نوع الانتهاك الموجود سواء استيقاف أو تفتيش أو احتجاز غير قانوني أو تعدٍّ بالضرب.
وعن اقتحام النقابة، ذكرت الورقة البحثية أنه "في تعدٍ سافر وغير مسبوق في تاريخ النقابة عبْر 75 عاماً منذ إنشائها، اقتحمت قوات الأمن نقابة الصحافيين، يوم 1 مايو/أيار 2016، بغرض إلقاء القبض على عمرو بدر، رئيس تحرير موقع "بوابة يناير"، والمحرر بنفس الموقع، "محمود السقا"، بتهمة التحريض على خرْق قانون تنظيم حق التظاهر، والإخلال بالأمن، ومحاولة زعزعة الاستقرار بالبلاد، بدعوى أن الصحافيين "مختبئان" داخل نقابة الصحافيين، للحيلولة دون تنفيذ قرار الضبط والإحضار الصادر بحقهم".
أما عن الحكم على قيادات النقابة، فقد قضت محكمة جنح قصر النيل، 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في قضية إيواء هاربين من العدالة، المرفوعة من جانب مساعد وزير الداخلية للشؤون القانونية، ضد كلٍ من يحيى قلاش، وخالد البلشي، وجمال عبدالرحيم، رقم 8100 لسنة 2016، بالحبس عامين وكفالة مالية قدرها 10 آلاف جنيه، لوقف تنفيذ الحكم.
وعقب إصدار ذلك الحكم، أثيرت احتجاجات كبيرة داخل الوسط الصحافي، نظراً لرمزية ذلك في التعدي على الحقوق والحريات الصحافية، خاصة أن السياق مشحون بالانتهاكات والاقتحامات والترصد للصحافيين، ليتم ختام كل ذلك بحكم بالحبس لنقيب الصحافيين السابق الذي كان في إطار عمله يطالب بالإفراج عن الصحافيين المحبوسين، وزيادة الحريات، ويبذل المساعي في محاولة توفير جو ملائم للصحافي ليعمل بحرية واستقلال بعيداً عن المخاطر.
ولخصت الورقة البحثية المشهد في أن "الصراع بين الداخلية والصحافيين، واضح ومتصاعد، إلى أن وصل مع كيان نقابة الصحافيين نفسه، ومن الخطر ترْك حالة الاحتقان بين الطرفين تصل إلى ذروتها، خصوصاً أن كلاً منهما مؤسسات أساسية تشكل عصب الدولة، ولا يمكن أن ينكر أحد أو يهمّش دور أي منهما، ولذلك لا بد من اتخاذ خطوات عملية لتحقيق حالة من الوفاق بين المصلحة الوطنية والصالح العام، وبالطبع لا يمكن تحقيق تلك الحالة، إذا استمرت الجهات الأمنية في نفس سياستها في التعامل مع الصحافيين، واستمرار انتهاك رموز الحريات الصحافية، سواء النقابة أو النقيب".