الإعلام الفرنسي يقع بفخّ التحيّز بتغطية "السترات الصفراء": الـ"سوشيال ميديا" بديلاً
ورغم تعاطف معظم وسائل الإعلام المبدئي مع مطالب المتظاهرين، إلا أن "شيطنة" أصحاب "السترات الصفراء" بقيت إحدى الرسائل التي أرادت بعض وسائل الإعلام ترسيخها في أذهان المشاهدين. ورغم أن القنوات المتلفزة الخاصة، تبتعد عن الخط التحريري المرسوم للقنوات الرسمية، إلا أنها بقيت أيضاً تقدم صورة "غير مكتملة" وتساير الحكومة الفرنسية والصلاحيات الواسعة التي أعطيت للأمن. ويبدو أن هذه الوسائل تسيطر عليها شركات لها مصالح مقربة من النظام السياسي والاقتصادي الحكومي، فلم تنج من وقوعها في فخ التحيز لصالح سياسة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وتوجيه الرأي العام ضد "السترات الصفراء".
وعلى الرغم من أن "الشكل" طغى على المضمون، إلى أن كل هذا الإرباك اللوجيستي، لم يمنع "بعض" وسائل الإعلام من أن تكون واحدة من معارك التحرك الشعبي، وأحد أوجه شراسته في استقطاب الشارع الفرنسي. إذ شكل سؤال قناة "فرانس أنفو" نقطة ارتكاز حول كيفية تعاطي السلطة مع التحركات الشعبية بهذا العنف المفرط. ولم تتوان كثير من وسائل الإعلام عن إظهار هذا العنف، رغم الحذر في تقديمه على أنه "ضرورة أمنية"، كما ذهبت قناة "فرانس 3" إلى نزع شرعية هذه التظاهرات في بعض الأحيان، من خلال مواقف مراسليها أو من خلال ضيوفها في الاستديو. فيما ذهبت بعض القنوات إلى تأطير "عنف السلطة" في حماية المواقع الأثرية والمحالّ ومصالح التجّار والشركات، أمام موجة العنف المفترضة مستندين إلى حادثة "قوس" النصر، والتكسير الذي تعرضت له واجهات الشانزليزيه.
وجاء سؤال قناة "فرانس أنفو" مباشراً: لماذا تم القبض على الكثير من الناس في باريس وضواحيها؟"، إذ أعلنت الحكومة وفي وقت باكر اعتقالها 480 شخصاً، وهو رقم كبير ويوثق انتهاكاً صارخاً لحق التظاهر في الأصل. وجاء السؤال في مكانه وترسيخاً للمسؤولية الجادّة عند وسائل الإعلام في ظروف مشابهة، فالعنف (كما كل مرة) جاء من السلطة وأجهزتها الأمنية التي انتشر عديدها بشكل واسع وله دلالته، ووصل أفراد العناصر الأمنيين في باريس وحدها إلى ثمانية آلاف عنصر مستخدمين العصيّ والغاز المسيل للدموع، لقمع المتظاهرين المطالبين بسلسلة إصلاحات في النظام الاجتماعي.
إلا أن قناة "بي أم تي في" بقيت المحطة الأكثر مشاهدة في تغطيتها المستمرة وفي كل ثانية، لكن كل هذا يبدو غير مقنع للمتلقي الفرنسي، الذي وجد في وسائل التواصل الاجتماعي بديلاً. هذا الاستبدال لـ"ميديا" تقليدية عبر منصات الـ "سوشيال ميديا" ليس جديداً، لكنه يدلّ على "اهتزاز" الثقة بين الفرنسيين ووسائل إعلامهم، التي يرون أنها تقف إلى جانب ماكرون، خصوصاً أن التحركات المطلبية تطاول شرائح واسعة من المجتمع الفرنسي، رغم إظهار المجموعات المتظاهرة "عنيفة ومتطرفة" (يمين ويسار على حد سواء)، وهو ما جاء كثيراً على لسان المحللين وما ورد أحياناً في عناوين نشرات قناة "أم تي في 5".
في المقابل، فإن الصحافة الورقية وعبر مواقعها الإلكترونية ومنصاتها، حاولت عبر الفيديو، التغطية على جهود التلفزيون لكنها بقيت تحاكي نفس لغتها البليدة والحذر. ونقلت شرائط عدة عما يحدث من الميدان، كما فعلت "لوموند" و"لا فيغارو"، رغم اعتراض كل من الصحيفتين في خطهما السياسي، إلا أن التغطية لم تخرج عن كونها مواكبة "رمادية" للواقع. فبثت تسجيلات مصورة عن إحراق واجهات ومستوعبات القمامة من المتظاهرين، قابلتها بخجل إظهار محاولات القمع التي قام بها عناصر أمن بلباس مدني، من خلال ضرب المتظاهرين وإطلاق قنابل "فلاش بول" باتجاههم. فيما ذهبت "ليبراسيون" القريبة من اليسار إلى إظهار الواقع من مقاربة وجّهت السهام إلى جهود الحكومة وافتعال القوة المفرطة ضد المتظاهرين.
والحال أن تفاعل الفرنسيين مع ما يجري في باريس برز بقوة، من خلال كثافة المشاركة والنشر على موقع "تويتر"، حيث ينشط المتظاهرون من مجموعات "السترات الصفراء" في الميدان، وينشرون مقاطع فيديو وأخباراً وصوراً تنقل الصورة بواقعيتها. هذه التغطية وضعت وسائل الإعلام التقليدية (رسمية وخاصة) أمام متلق حديث يعرف لعبة "البروباغندا" (الدعاية الإعلامية)، في تعاملها مع ما يجري وسيجري لاحقاً، وهو ما سنراه في الأيام المقبلة أمام تعاظم دور "السترات الصفراء" وضغوطها في الشارع، وبين سلطة الميديا كمحرك ومحفز وأيضاً لاعب أساسي في المشهد العام.
Twitter Post
|
Twitter Post
|
Twitter Post
|
Twitter Post
|