في حديث رمضان الصحافي ذاته، وحديثين آخرين عبر محطات ومواقع الكترونيّة أخرى، كشف الفنان زهير رمضان عن بعض من خطوات استراتيجيته "الوطنية" هذه، ومنها عزم النقابة على فصل عدد من منتسبيها من كتاب وممثلين ومخرجين، ممن استثنتهم دعوة مجلس النقابة الجديد فور انتخابه مؤخراً، حيث كان المجلس استهل خطة عمله بتوجيه "دعوة صادقة إلى كل الزملاء خارج القطر للعودة إلى أحضان الوطن الذي فتح ذراعيه وقلبه لكل أبنائه" وذلك في بيان وزّعته النقابة على وسائل الإعلام.
وأكّد النقيب رمضان أنّ "النقابة صدرها مفتوح لجميع الفنانين ممن خرج من القطر، باستثناء من ساهم في سفك الدم السوري" على حد تعبيره. وفي معرض إجابته عن سؤال وجه له في حوار تلفزيوني، عاد زهير ليؤكد أنّ هؤلاء الفنانين لا يمكن مقارنتهم بمن تشملهم مراسيم العفو التي تصدر بين وقت وآخر، وذلك "لأننا لا نستطيع تشبيه الإنسان البسيط الذي غرّر به وحمل سلاحاً عن جهل في وجه الدولة بفنان مثقف يفترض أن يكون قائداً للرأي".
لم يصدر حتى الآن أي قرار مكتوب صادر عن نقابة الفنانين السوريين يفيد بفصل أي من منتسبيها من الفنانين المعارضين، ولا قائمة مكتملة بالأسماء التي سيشملها القرار، وما رّشح من أسماء مستهدفة بالقرار كانت هي ما ذكره النقيب رمضان في تصريحاته الصحافية، وهما: جمال سليمان ومكسيم خليل. وقد استفاض في الحديث عن أسباب فصلهما، إضافة إلى فنانين تم المرور على اسمائهم ومنهم عبد الحكيم قطيفان، سامر رضوان، مازن الناطور، وهمام الحوت.
بحسب كل المعايير، وفي مقدمتها الوطنية، لا يبدو قرار نقيب الفنانين السوريين زهير رمضان بفصل الفنانين السوريين بناءً على مواقفهم السياسية صائباً. هنا وبعيداً عن التمترس في خندق الـ"مع" أو "ضد"، من الضروري توضيح عدة نقاط تخص أسباب اعتبارنا القرار خاطئاً. وأوّل ما يؤخذ عليه هو توقيت القرار. ترتدي نقابة الفنانين السوريين البدلة العسكرية، في توقيت يدعو الجميع فيه لمحاربة الإرهاب والتطرف الأعمى المتمثل بـ"داعش" وأخواته، يعني أن تحشد النقابة كل أعضائها في صف واحد، لا أن تزرع لغم الفرقة وتقيم بينهم حواجز "من ليس معي فهو ضدي". فإرهاب "داعش" وأخواته بات يأكل الجميع والمستهدف وطن أكثر من أشخاص. وهذا ما كان يجب أن يدركه نقيب الفنانين رمضان، وما دام هو يدرك دور الفنان المثقف في قيادة الرأي العام، فلا شكّ أنه يعرف أنّ الحرب على الإرهاب لا تدور رحاها الحقيقية في ميادين المعركة وإنّما في العقول التي تُغسل من الوعي تماماً، ويحيل أصحابها أجسادهم قنبلة موقوتة تقتل الأبرياء.
ترى هل كانت مرحلة عنوانها العريض، "الحرب على إرهاب داعش" تستدعي إقصاء لقادة الرأي يجتمعون معنا على محاربة إرهاب داعش وأخواته، أم محاورتهم والبحث عن نقطة التقاء معهم؟ وهل لبست النقابة بهذا القرار، ممثلة بنقيبها، البدلة العسكرية لتأخذ دورها الفكري في المعركة، أم أنّها ارتدت الحزام الناسف الذي أوّل من يقتل يقتل صاحبه؟
أخطأ النقيب رمضان بقرار الفصل، سواء نُفذّ القرار أو لم يُنفذ. ولعلّه أراد أن يسجل موقفاً سياسياً يميّزه، وهذا أمر إلى حد ما يعنيه. ولكن إعلان موقف وطني لإثبات أحقية المرء بشهادته الوطنية، لا يكون بإعادة توزيع الشهادات الوطنية على الآخرين، في وقت تقتضي الوطنية فيه إعادة ترميم ما انكسر بين الناس في الوطن الواحد، وإعادة رتق نسيج حياتهم اليومية. أليست هذه واحدة من وظائف الفن؟ وقد قالوا يوماً إنّ الفن هو أن "نجمع كل لغات القلب والعقل وأن نكتب فيها وبها"، فهل نجمع بقرار النقابة الأخير هذا، القلوب والعقول؟
ما رشح من مقتضيات لقرار فصل عدد من الفنانين من نقابة الفنانين السوريين كما أورده نقيبها زهير رمضان، هو تصريحات ومواقف للفنانين المفصولين، تبدأ من صفحاتهم على موقع فايسبوك مروراً بتصريحاتهم الصحافية في الفضائيات والصحف والمنابر عموماً، أو تحركاتهم على الأرض مثل انضمام الفنان جمال سليمان إلى الائتلاف السوري المعارض. لم يحضر أي من اجتماعاته وقدّم استقالته عند تلمس عدم جديته، هذا ما قاله سليمان، وصولاً إلى ما قدموه درامياً (هاجم النقيب زهير رمضان في هذا السياق مسلسل الولادة من الخاصرة) والسؤال هنا: هل المشكلة في هؤلاء الفنانين فعلاً؟
لنتفق بداية أن الفهم هو أخذ الكلام على حاله، فإذا أحذنا الكلام ورحنا نعيد بناءه في أذهاننا فنحن وقتها غادرنا منطقة الفهم إلى التأويل والخروج من الفهم إلى التأويل هو خروج الكلام من مسؤولية صاحبه إلى مسؤولية قارئه/ مستمعيه أو حتى متابعيه عبر مواقع التواصل الاجتماعي. فهل خرج أي من الفنانين هؤلاء ليدعو إلى قتل السوريين صراحة، وسفك دمائهم، أم أن كلامهم ومواقفهم تم تأويلها بناء على فهم كلامهم مع الأخذ بسياق الكلام وموقع صاحبه أو المستمع إليه بين معارض ومؤيد؟ من يتحمل مسؤولية التأويل هنا؟ ثم إنّ القرارات لا تبنى على التأويل ولا يدافع عن التأويل بالقرارات.
التأويل هنا دخل دائرة الأعمال الدرامية التي تناولت الأحداث في سورية منذ 15 مارس/آذار 2011، (بداية الثورة)، لكن مجمل ما قدم ظل يراوح في مسافة بعيدة، ظاهرياً على الأقل، عن "مع" و"ضد". فالمسلسلات بمجملها نطقت بوجع السوريين وتحدثت عن انعكاس الأوضاع في بلادهم على حياتهم من جوانب اقتصادية واجتماعية ونفسية، وأمام كاميرا معظم تلك الأعمال اجتمع فنانون معارضون ومؤيدون لإرسال رسالة واحدة، ليس أدل على صدقها وخطابها الجامع من ارتفاع أصوات مؤيدة ومعارضة لمهاجمتها بآن معاً كل من موقعه!
حتى الآن قرار فصل الفنانين السوريين لم يصدر رسمياً بعد. وربّما من باب الأولى أن يصدر عوضاً عنه قرار يدعو جميع الفنانين أياً كانت المتاريس التي يقفون خلفها لملتقى حوار جامع، يكون نواة لحوار أوسع يجمع السوريين حوله، يكون مدخلاً لإيقاف نزيف الدم والدمار الذي يأكل اليوم بلادهم على نحو مجنون.
وأكّد النقيب رمضان أنّ "النقابة صدرها مفتوح لجميع الفنانين ممن خرج من القطر، باستثناء من ساهم في سفك الدم السوري" على حد تعبيره. وفي معرض إجابته عن سؤال وجه له في حوار تلفزيوني، عاد زهير ليؤكد أنّ هؤلاء الفنانين لا يمكن مقارنتهم بمن تشملهم مراسيم العفو التي تصدر بين وقت وآخر، وذلك "لأننا لا نستطيع تشبيه الإنسان البسيط الذي غرّر به وحمل سلاحاً عن جهل في وجه الدولة بفنان مثقف يفترض أن يكون قائداً للرأي".
لم يصدر حتى الآن أي قرار مكتوب صادر عن نقابة الفنانين السوريين يفيد بفصل أي من منتسبيها من الفنانين المعارضين، ولا قائمة مكتملة بالأسماء التي سيشملها القرار، وما رّشح من أسماء مستهدفة بالقرار كانت هي ما ذكره النقيب رمضان في تصريحاته الصحافية، وهما: جمال سليمان ومكسيم خليل. وقد استفاض في الحديث عن أسباب فصلهما، إضافة إلى فنانين تم المرور على اسمائهم ومنهم عبد الحكيم قطيفان، سامر رضوان، مازن الناطور، وهمام الحوت.
بحسب كل المعايير، وفي مقدمتها الوطنية، لا يبدو قرار نقيب الفنانين السوريين زهير رمضان بفصل الفنانين السوريين بناءً على مواقفهم السياسية صائباً. هنا وبعيداً عن التمترس في خندق الـ"مع" أو "ضد"، من الضروري توضيح عدة نقاط تخص أسباب اعتبارنا القرار خاطئاً. وأوّل ما يؤخذ عليه هو توقيت القرار. ترتدي نقابة الفنانين السوريين البدلة العسكرية، في توقيت يدعو الجميع فيه لمحاربة الإرهاب والتطرف الأعمى المتمثل بـ"داعش" وأخواته، يعني أن تحشد النقابة كل أعضائها في صف واحد، لا أن تزرع لغم الفرقة وتقيم بينهم حواجز "من ليس معي فهو ضدي". فإرهاب "داعش" وأخواته بات يأكل الجميع والمستهدف وطن أكثر من أشخاص. وهذا ما كان يجب أن يدركه نقيب الفنانين رمضان، وما دام هو يدرك دور الفنان المثقف في قيادة الرأي العام، فلا شكّ أنه يعرف أنّ الحرب على الإرهاب لا تدور رحاها الحقيقية في ميادين المعركة وإنّما في العقول التي تُغسل من الوعي تماماً، ويحيل أصحابها أجسادهم قنبلة موقوتة تقتل الأبرياء.
ترى هل كانت مرحلة عنوانها العريض، "الحرب على إرهاب داعش" تستدعي إقصاء لقادة الرأي يجتمعون معنا على محاربة إرهاب داعش وأخواته، أم محاورتهم والبحث عن نقطة التقاء معهم؟ وهل لبست النقابة بهذا القرار، ممثلة بنقيبها، البدلة العسكرية لتأخذ دورها الفكري في المعركة، أم أنّها ارتدت الحزام الناسف الذي أوّل من يقتل يقتل صاحبه؟
أخطأ النقيب رمضان بقرار الفصل، سواء نُفذّ القرار أو لم يُنفذ. ولعلّه أراد أن يسجل موقفاً سياسياً يميّزه، وهذا أمر إلى حد ما يعنيه. ولكن إعلان موقف وطني لإثبات أحقية المرء بشهادته الوطنية، لا يكون بإعادة توزيع الشهادات الوطنية على الآخرين، في وقت تقتضي الوطنية فيه إعادة ترميم ما انكسر بين الناس في الوطن الواحد، وإعادة رتق نسيج حياتهم اليومية. أليست هذه واحدة من وظائف الفن؟ وقد قالوا يوماً إنّ الفن هو أن "نجمع كل لغات القلب والعقل وأن نكتب فيها وبها"، فهل نجمع بقرار النقابة الأخير هذا، القلوب والعقول؟
ما رشح من مقتضيات لقرار فصل عدد من الفنانين من نقابة الفنانين السوريين كما أورده نقيبها زهير رمضان، هو تصريحات ومواقف للفنانين المفصولين، تبدأ من صفحاتهم على موقع فايسبوك مروراً بتصريحاتهم الصحافية في الفضائيات والصحف والمنابر عموماً، أو تحركاتهم على الأرض مثل انضمام الفنان جمال سليمان إلى الائتلاف السوري المعارض. لم يحضر أي من اجتماعاته وقدّم استقالته عند تلمس عدم جديته، هذا ما قاله سليمان، وصولاً إلى ما قدموه درامياً (هاجم النقيب زهير رمضان في هذا السياق مسلسل الولادة من الخاصرة) والسؤال هنا: هل المشكلة في هؤلاء الفنانين فعلاً؟
لنتفق بداية أن الفهم هو أخذ الكلام على حاله، فإذا أحذنا الكلام ورحنا نعيد بناءه في أذهاننا فنحن وقتها غادرنا منطقة الفهم إلى التأويل والخروج من الفهم إلى التأويل هو خروج الكلام من مسؤولية صاحبه إلى مسؤولية قارئه/ مستمعيه أو حتى متابعيه عبر مواقع التواصل الاجتماعي. فهل خرج أي من الفنانين هؤلاء ليدعو إلى قتل السوريين صراحة، وسفك دمائهم، أم أن كلامهم ومواقفهم تم تأويلها بناء على فهم كلامهم مع الأخذ بسياق الكلام وموقع صاحبه أو المستمع إليه بين معارض ومؤيد؟ من يتحمل مسؤولية التأويل هنا؟ ثم إنّ القرارات لا تبنى على التأويل ولا يدافع عن التأويل بالقرارات.
التأويل هنا دخل دائرة الأعمال الدرامية التي تناولت الأحداث في سورية منذ 15 مارس/آذار 2011، (بداية الثورة)، لكن مجمل ما قدم ظل يراوح في مسافة بعيدة، ظاهرياً على الأقل، عن "مع" و"ضد". فالمسلسلات بمجملها نطقت بوجع السوريين وتحدثت عن انعكاس الأوضاع في بلادهم على حياتهم من جوانب اقتصادية واجتماعية ونفسية، وأمام كاميرا معظم تلك الأعمال اجتمع فنانون معارضون ومؤيدون لإرسال رسالة واحدة، ليس أدل على صدقها وخطابها الجامع من ارتفاع أصوات مؤيدة ومعارضة لمهاجمتها بآن معاً كل من موقعه!
حتى الآن قرار فصل الفنانين السوريين لم يصدر رسمياً بعد. وربّما من باب الأولى أن يصدر عوضاً عنه قرار يدعو جميع الفنانين أياً كانت المتاريس التي يقفون خلفها لملتقى حوار جامع، يكون نواة لحوار أوسع يجمع السوريين حوله، يكون مدخلاً لإيقاف نزيف الدم والدمار الذي يأكل اليوم بلادهم على نحو مجنون.