"شو بيتوجّب علينا"، قالها لنا الرئيس، رشيد لبكي، وهو يودّعنا عند باب بيته القصر، أنا وزميلي زكريا جابر. لم أفهم لحظتها، ماذا يقصد فخامته الساعي إلى رئاسة جمهوريتنا اللبنانية؟
بعد انتهائنا من مقابلته لـ"العربي الجديد"... وضع يده في جيبه. نظرتُ فوراً إلى يده لأتأكّد مما فهمت. فأخرج أوراقاً خضراء غير لبنانية، ونظر إليّ كما لو أنّه يسأل: كم؟. وفهمت من النظرة: كم ثمنك؟.
في الحقيقة خالجني شعوران في تلك اللحظة. لئلا أكون كاذباً. الشعور الأوّل هو غضب مكتوم وغير مفهوم. لم أفهمه إلى أن صرت وحدي وأخبرت مدير القسم بما جرى. والشعور الثاني هو خليط من أدرينالين الهيبة، وتشويق الانتظار.
بالطبع سألت نفسي: هل سيحاول رشوتي؟. ثم سألت نفسي الأمّارة بالسوء، كلبناني: كم سيدفع؟ ألف دولار؟ ألفان؟ ولماذا؟ ما الذي فعلت لأستحقّ رشوة كبيرة؟.
وفي لحظتين أو ثلاث، حسم الأمر، فأخرج من جيبه رزمة مئات الدولارات، وناولني مئة دولار، وحاول دسّها في جيبي.
رفضت فوراً. تضاعف الغضب بسرعة: هل ترشوني يا فخامة الرئيس؟ قلت في سرّي، وأضفت استطراداً: هل هذا ثمني في نظرك... مئة دولار؟، قلت لنفسي غاضباً. وأضفت بلساني دافشاً يده عن جيبي بلطافة: أعوذ بالله. ماذا تفعل؟. فأجاب: حقّ البنزينات. أجرة الطريق. ما في شي من قيمتكم.
رفضت وقرّرت أن أكمل المقابلة الكوميدية. تلك التي ملأها، رشيد لبكي، بالحديث عن الله وكيف سيُعدِم كلّ من يُخطئ. وشدّد خلالها عشرات المرّات على أنّ "انهيار لبنان هو بالابتعاد عن الله وتعاليمه". وردّد أكثر من مرّة أنّه سيشلّ الأعضاء التناسلية لكلّ من يزني، وأنّ "الزني ليس جنسياً فقط، بل الزنى المالي في الهدر والرشوة والفساد الإداري".
رفضت فوراً. تضاعف الغضب بسرعة: هل ترشوني يا فخامة الرئيس؟ قلت في سرّي، وأضفت استطراداً: هل هذا ثمني في نظرك... مئة دولار؟، قلت لنفسي غاضباً. وأضفت بلساني دافشاً يده عن جيبي بلطافة: أعوذ بالله. ماذا تفعل؟. فأجاب: حقّ البنزينات. أجرة الطريق. ما في شي من قيمتكم.
رفضت وقرّرت أن أكمل المقابلة الكوميدية. تلك التي ملأها، رشيد لبكي، بالحديث عن الله وكيف سيُعدِم كلّ من يُخطئ. وشدّد خلالها عشرات المرّات على أنّ "انهيار لبنان هو بالابتعاد عن الله وتعاليمه". وردّد أكثر من مرّة أنّه سيشلّ الأعضاء التناسلية لكلّ من يزني، وأنّ "الزني ليس جنسياً فقط، بل الزنى المالي في الهدر والرشوة والفساد الإداري".
رفضت المئة دولار، وقلت محاولاً تطرية الجوّ: ربّما يأخذ زكريا. فتوجّه فوراً إلى زكريا ودسّ المئة دولار في جيبه. زكريا الذي كان يحمل كاميرا وأدواتها من صوت وقاعدة وحقيبة كبيرة لم يكن قادراً على ردّها، ثمّ دسّ له مئة أخرى: وحدة إلك ووحدة إلو. قال وهو يدفشنا خارج المنزل، وودّعنا وأقفل الباب. فوجدنا أنفسنا خارج قصر "رئيس الجمهورية" المُحتَمَل مع مئتي دولار رشوة.
حرت في أمري. حاولت الطرق على الباب ففتح وقال لي: ما بترجع والله. فكّرت قليلاً تحت المطر، وقلت: نذهب إلى السيارة ونفكّر. وهكذا كان في السيارة. اتصلت، بيحيى جابر، مدير القسم. ورويت له ما جرى. فكان جوابه سريعاً: هات الرشوة وتعال إلى المكتب.
وها أنا في المكتب أروي لكم حكاية رشوتنا، أنا وزكريا. صوّرنا المئتي دولار (الصورة مرفقة) وأعطيناها لمدير المكتب في بيروت. وأنا أهمّ بإنهاء كتابة المقال تخطر على بالي جملة ردّدها أكثر من مرّة: أراك في بعبدا بعد شهرين. قاصداً أنّه سيُنتخب رئيساً للجمهورية بلا جدال.
في لبنان، تشتهر بعبدا بقصر رئاسة الجمهورية، وبالنظارة التي ينام فيها ليلة اضطرارية كلّ من تحوّله النيابات العامة في بيروت وجبل لبنان إلى سجن رومية، السجن المركزي في لبنان. وسنعيد إليك يا مرشح الجمهورية فخامة المئتي دولار إلى بعبدا.