عشق الكاتب الفرنسي بيار جوليان فيّو الملقّب بيار لوتي (مواليد 1850)، هذا المكان المرتفع من اسطنبول، الكائن في منطقة أيوب، ومن شدّة حبّه له، سمّاه في كتاباته "جبل أيّوب المقدّس"، ومن ثمّ أطلق عليه "تلّة بيار لوتي"، مخلّداً هذا المكان في رواياته وكتابته، فخلّدته المدينة عبر اطلاق اسمه على مقهى كبير، أصبح مزاراً للسياح وقِبلة للمثقفين.
وقد نالت روايات فيّو شهرة كبيرة، بينها "راراهو" (1880) التي أعيدت طباعتها تحت عنوان "زواج لوتي" (1882)، "رواية فارس" (1881) التي تدور حوادثها في السنغال، "شقيقي إيڤ" (1883) التي يتحدّث فيها عن أخيه البحار الذي نقل له حبّه للابحار... لكنّ أهمّ أعماله قاطبة هي روايته "أزياديه"، التي تدور أحداثها في مدينة إسطنبول القديمة، يتّخذ بطل الرواية، البحار الوسيم، لقب "عارف أفندي" للتقرّب من الفتاة التركية المسلمة التي أحبّها وفقدها، وهذا ما يبرّر قول لوتي إنّ "روحه نصفها شرقي".
وفي الواقع، انتهت حكاية الكاتب مع المرأة التركية "أزياديه" بشكل مأساوي، إذ توفّيت في غيابه، فثابر في زياراته إلى اسطنبول على زيارة قبرها في مقبرة "توبكابي".
كتب بيير لوتي العديد من الروايات، نقل فيها وقائع من الحياة التي عاشها، بطابع شرقي غرائبي، وبحنين إلى سحر الشرق وحكاياته، مخفياً شعوره بالعدم، وتخوّفه من الموت والعزلة. وهيمن على قصصه ورواياته الحبّ المستحيل، بسبب الاختلاف بين الثقافات، والموت.
بيير لوتي بالملابس الشرقية |
وقد شيّد لوتي منزلاً شرقياً في باريس، استورد بعض أثاثه من أسفاره إلى الدول العربية والاسلامية: سكاكين، سجاجيد، نارجيلات، وسائد... حتى أنّه، في زيارة إلى دمشق، لم يتردّد في شراء سقف من سقوف مسجد الأمويين، الذي نجا من حريق مهول.
تميّز القصر بصالة "المسجد التركي" وبغرفة عربية في الطابق الأوّل، مزيّنة بسجادات ووسائد شرقية وأدوات حربية ونارجيلات... وقد استوحى لوتي سقف القصر من قصر الحمراء في غرناطة، التي زارها عام 1886، وفي تجويف بالجدار، صورة تدلّ على حبّ الشرق، مرسومة بريشة ماري، أخت الكاتب.
تقمّص الكاتب الفرنسي روح الرجل الشرقي، حتى أنّه كان يلبس ويتصرّف كتركي، بطربوش على رأسه، وسبحة بيده، متجوّلاً في شوارع وأزقّة أسطنبول. يرتاد المقاهي، ويدخّن النارجيلة، ويتناول القهوة التركية. وبعد رحيله في 1923، أطلق على المقهى التي كان يرتادها "مقهى بيير لوتي" التي تزيّن جدرانها صوره والمواد التي كان يستخدمها، بل أخذت روحها من كتاباته، ولا يعرف المكان إلا باسمه، بل أصبح المكان رمزاً لهذا الكاتب الذي أولع بالشرق، ولم يغادره إلى اليوم.
صور لوتي على جدران المقهى (العربي الجديد) |