وُلِدتُ خلال حرب المخيّمات في عام 1987، فقرّر والداي أن أحمل رمزًا من وحي الحصار، واختارا اسم "صمود"، تيمّنًا بصمود أهل المخيّم حينها.
كبرتُ وأنا أحمل قضية سبقت ولادتي، واسمًا أكبر منّي. لكن سرعان ما اصطدمتُ بواقع أصغر بكثير من أحلامي. فأنا معتقلة من بين 20 ألف معتقل آخر، وانضم إلينا 30 ألف لاجئ سوري وأكثر.
نعيش داخل مخيّم برج البراجنة الذي تبلغ مساحته 104 دونمات. وأقول "معتقلة"، ليس فقط لضيق المساحة الجغرافية حيث أعيش، بل أيضًا، كما يعلم الجميع، لأنّه خارج حدود المخيّم هناك قوانين تمنعني من العيش بحريّة ومساواة مع الآخرين، هي قوانين لبنانية تمنع الفلسطينيين من العمل والتملّك، وقبلها وبعضها قوانين النظرة العنصرية إليّ وإلى بقيّة الفلسطينيين.
حيثيات وترسّبات وماضٍ يلاحقني من اسمي. أما داخل روحي فهناك ثورة وأحلام وردة في آن معًا. وقبل كل شي هناك "امرأة"، تريد كسر الحواجز والخروج من المخيّم، والتعلّم والنجاح، والتحصيل العلمي. لذا أنا أحمل الآن شهادتين، واحدة في "الإعلام" وأخرى في علم النفس.
عملتُ ونجحتُ أيضًا في إثبات كفاءتي.
لكن أين "أنوثتي" من كلّ هذا؟
لم أستطع أن أتناساها. فأنا أنثى وأحبّ الألوان، وقبل كلّ شيء أحبّ الحياة. وصدقاً هذه ثورة أيضًا. فليست كلّ ثورة تحتاج إلى ميادين. أحيانًا هناك ميادين داخل كلّ منّا.
ما حصل معي أنّ اسمي "صمود" و"جنسيتي"، أقصد "لجوئي"، كانا "صدمة" تضرب كلّ من يتعرّف إليّ. فشكلي، بحسب كثيرين أتعرّف إليهم للمرّة الأولى، لا علاقة له بـ"الصمود"، على ما يقولون ويعتقدون. فأنا فتاة بشعر أحمر، وقبلها كان أشقر، وقبلها كان أسود، وكان قبلها بنيًّا، والسبحة تكرّ.
يقول علم النفس إنّ تغيير المرأة لون شعرها بشكل مستمرّ، ينبع من عدم شعورها بالاستقرار. فاختيار اللّون يدلّ على شخصية المرأة. وحين تغيّره فهذا يدلّ على عدم ثباتها في اتّخاذ القرار.
هذا من الناحية النفسية، أما من الناحية العملية، فأتذكّر تعليقًا سمعته في إحدى المناسبات، حين كنتُ أُعرّف عن نفسي في إحدى المناسبات. قلت يومها إنّ اسمي صمود. فكان الردّ: "زهور" أم "صمود"؟ وفي مناسبة أخرى سُئِلتُ عن بلدتي الأصلية في فلسطين، فقلت: "من حيفا"، فجاء الردّ: "من هيفا؟".
هذا لم يكن إطراءً، لأنّه، كما أسلفت، اسمي كان دائمًا أكبر من صورتي. كأنّنا "عملتان لصورة واحد".
وإذا سئلت عن رأيي أقول إنّ هذا "وجه" الثورة، لمن استطاع إليها سبيلاً. ففي وسط واقع مرير، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، خصوصاً لنا، نحن اللاجئين، لم أستطع إلى الثورة سبيلا خارج لون شعري، لذا أقول: "سأغيّر لون شعري وسيبقى اسمي صمود".