الأمر الثاني الذي يبشّر بالخير، قبل أن ندخل في صلب الموضوع، وقبل الحديث عن مضمون الفيلم، هو أنّ الصالة تمتلئ بكاملها من الصفّ الأخير حتّى الصف الأول (الذي غالباً ما يهرب الناس من حجزه). إذاً، السينما اللبنانية تثبّت أقدامها في الصالات وتكتسب أكثر فأكثر ثقة المشاهدين.
الفيلم يروي قصّة أربع نساء بلغن السابعة والثلاثين من أعمارهنّ من دون أن يتزوّجن، و"العنوسة" تلاحقهنّ من خلال المجتمع، المتمثّل في الأهل والأقارب، وحتّى الأطفال!
طبيبة وخبيرة تجميل ومصمّمة أزياء وصاحبة معرض فنّي، أربع صديقات يجمعهنّ قاسم مشترك "مصيري": إيجاد العريس! صحيح أنّ كلّ واحدة منهن لها فلسفتها تجاه الزواج، ولها منطقها الخاص النابع من خبرةٍ عاشتها مع الحب أو الزواج أو الطلاق، لكن كلّ واحدةٍ أيضاً تريد، حين تعود إلى نفسها، أن تجد شريك حياتها.
نيبال عرقجي كتبت النصّ وشاركت في البطولة وأنتجت الفيلم، أمّا الإخراج فقام به إيلي خليفة الذي قدّم فيلمه الطويل "يا نوسك" في عام 2010. هي حاولت أن تتوسّع في الأمثلة التي تواجهها "المتأخّرات في الزواج" في المجتمع، وهو حاول تقديم تلك الأمثلة في قالب سريعٍ لإبعاد شبح الملل. نجحا في ذلك إلى حدٍّ بعيد، ولكن ليس بشكلٍ كامل، إذ نشعر في لحظة ما أنّ الفيلم بحاجة إلى المزيد من الغوص ومن التوسّع. فالفيلم يبدأ بوتيرةٍ، لكنّه ينتهي بوتيرةٍ أخرى.
المستوى العام للفيلم يحافظ على درجةٍ جيّدة بفضل أداء بطلاته: دارين حمزة، ندى بو فرحات، مروى خليل، ونيبال عرقجي، اللواتي تنقّلن باحتراف بين لحظات المرح والتسلية ولحظات الجدية والتأثّر. جوليا قصّار جذبتنا كثيراً بخفّة ظلّها، من خلال أداء لم يبتعد عن الواقعية، ولم يقترب من المبالغة.
الفكرة العامّة للفيلم قد تذكّر المُشاهد العربي بالمسلسل الناجح "عايزة أتجوّز" للممثلة هند صبري الذي عُرض في رمضان 2010، لكن من دون أن يشبهه إلّا في ردّة فعل المجتمع، ومشهدٍ مضحك صرخت خلاله مروى خليل أنّها تريد أن تتزوّج، وأن يزيد وزنها بسبب الحمل، وأن "يشطّ" صدرها بسبب الرضاعة...
أهمية هذا الفيلم هو أنّه خطوة إضافية كي "ينضج" جمهور السينما اللبناني أكثر فأكثر، فلا يعود يضحك عند كلّ كلمة نابية يسمعها، ولا يهزّ برأسه تعجّباً أمام كل قبلة متمتماً "مش قليلة هالممثلة، بتبوس"!
هذا لا يعني أنّنا نشجّع على استعمال الكلمات النابية في الأفلام، لكنّنا في الوقت نفسه لا نرفضها إن أتت في السياق الصحيح والمناسب. نحن لسنا مع مَن يعتقد بأنّ الكلام "الفالت" هو دليل انفتاح، وأنّ مشاهد الجنس علامة مصالحة مع الجسد، لكنّنا في المقابل مع فكرة أن يعكس الفيلم واقعنا المُعاش، فيتلفّظ الغاضب بكلماتٍ نابية، ويطبع العاشق أو الزوج قبلةً على شفتَي حبيبته أو زوجته.
"يلا عقبالكُن" هي في الأساس دعوة كي يفرح الآخر بالزواج، صارت دعوة أيضاً كي يزور المشاهدون صالات السينما اللبنانية.