نال مسلسل "غداً نلتقي" ونظيره "العراب " جائزة أفضل عمل درامي في ختام مونديال الإذاعة والتلفزيون في دورته الرابعة في مصر. وقد جاء منح الجائزة على اعتبار أن المسلسل يشكل حالة تكاملية على صعيد النص والإخراج والتمثيل والإنتاج، وفي هذا الصدد يمكن اعتبار الجائزة الممنوحة لمسلسل "غداً نلتقي" استكمالاً لدور الصحف ووسائل الإعلام التي روجت له قبل وأثناء عرضه على المحطات العربية على اعتباره واحداً من المسلسلات القليلة التي وقفت مع الثورة السورية، وأنه طرح وجهة نظر عميقة حول مجريات الأحداث في سورية.
لكن ما أن يتحرر المشاهد من تأثير الضخ الإعلامي الذي رافق عرض المسلسل في شهر رمضان الماضي وبعده، سرعان ما سوف يدرك أن المسلسل كان يشتغل على نحو مخالف لما روج عنه تماماً. صحيح أنه تم الاشتغال عليه بحرفية عالية، بدءاً من الديكور والإضاءة وأداء الممثلين والإنتاج، مروراً بالبنية الحكائية وخيوطها الدرامية ، لكن لنا أن نتساءل: أما كان حريا بمن كتبوا وروجوا للمسلسل، والمانحين للجائزة ، أن يتمعنوا قليلاً في مضامينه ، وأن يحللوا ويفككوا الرسائل التي أراد بثها للمشاهدين، عسى يتبين لهم أن ليس بالضرورة إذا ما اتكأ عمل فني على تيمة بحجم الدم السوري النازف أن يكون عملاً فنياً أصيلاً، وأن يحسب لصالح الثورة، بل قد يكون العكس هو الصحيح، خصوصاً أن المسلسل سعى جاهداً لتقديم طرفي الصراع: أي "جابر" المعادل الفني للنظام السوري، والذي يؤديه الممثل مكسيم خليل، و"محمود"، المعادل الفني للثوار الذي يؤديه الممثل "عبد المنعم عمايري" في صورتين ناقصتين ومزيفتين.
لم يرَ المسلسل على سبيل المثال، في كل الدم المراق على الأراضي السورية، إلا أنه مجرد صراع بين شقيقين ناتج عن اختلاف فكري ونفسي وعاطفي بينهما، ولا شيء آخر، مع الأخذ بعين الاعتبار أن رمزية الشقيقين في مادة فنية كهذه، من شأنها أن تغيب كلياً السلوك الطائفي الذي تمارسه عصابة الأسد بحق الشعب السوري. بل ذهب المسلسل أبعد من ذلك، حينما وزع مسؤولية القتل والتهجير والموت والخراب، على الشقيقين بالتساوي، وقد تجلى ذلك بوضوح في مشهد أريد له أن يلخص كامل مقولة المسلسل، وهو مشهد احتراق غرفة "وردة/كاريس بشار" الناتج عن صارع الشقيقين لكسب ودها. ما إن اندلع الحريق، حتى فر كل من جابر ومحمود هرباً من تحمل المسؤولية، علماً بأن الحريق الذي شب في غرفة وردة، من وجهة نظر المسلسل، ما هو إلا معادل فني للحريق الذي يلتهم سورية.
وثمة طرح لعله أخطر من سابقه لم تلحظه معظم المقالات والتقارير التي تناولت هذا المسلسل ولا الجهة المانحة للجائزة مؤخراً، يتجلى في سعي المسلسل إلى تشويه الحراك الثوري، وإفراغه من كل مضامينه وأبعاده الوطنية والإنسانية والفكرية ، ظهر ذلك من خلال رسم شخصية "محمود " وبنيتها الدرامية، وكذلك شخصية "أبو عبدو" ، على اعتبارهما يمثلان الثوار ، حيث بدت شخصية "محمود" مأزومة وانتهازية، تعيش على خيرات وبركات "جابر" ، ليس هذا وحسب، بل طرحت على أنها تعاني من مرض عضوي "فشل كلوي " أدى بنهاية المطاف إلى أن تطلق النار على نفسها لتلغي كامل وجودها تعبيراً عن يأسها من صلاح حالها، ولم يكن طرح شخصية "أبو عبدو" إلا استكمالاً لهذا التشويه والتجني على الثورة والثوار، حيث بدا الرجل في أوج تخلفه وتحكمه بأفراد أسرته، مطبق الخناق على أفكارهم وأنفاسهم، إلى أن ينتهي به المطاف ويصير داعشياً، ويتمزق كيان الأسرة برمته.
فأية وجهة نظر هذه التي تعكس صورة الثوار على هذا النحو، ولا ترى فيهم إلا كائنات مصابة بالعطب والتخلف، ومكتوب عليهم الفناء الذاتي، وجعلهم إما داعشيين، كحال "أبو عبدو" أو مأزومين و انتهازيين كحال "محمود" أو مفرطين في انتمائهم الوطني، كحال زوجة محمود التي ما إن خرجت من معتقلات الأسد وسافرت إلى أوروبا، حتى راحت تطالب زوجها بالطلاق لترتبط برجل غيره، متخلية عن كل نضالها الثوري ،ومشككة فيه إلى حد الكفر؟ ولنا أن نسأل القائمين على المسلسل مجدداً : أين كنستم دماء آلاف الشباب والشابات الذين ماتوا تحت التعذيب في سجون الأسد ، وضحوا بحياتهم في سبيل ثورتهم ونيلهم لحريتهم ؟ ألم تجدوا لهم معادلا فنيا أفضل من شخصية محمود وزوجته، أو أفضل من شخصية أبو عبدو؟.
بالمقابل فإن تتبع شخصية "جابر" التي أريد لها أن تمثل النظام، والطريقة التي قدمت به ، تكاد تكون جريمة دعائية أشبه بالدعاية النازية في عهد هتلر، حيث بدت هذه الشخصية وكأنها وظفت خصيصاً للمساهمة بتكنيس معظم الجرائم عن كاهل عصابات الأسد، واختصارها بسلوكيات لا تعدو عن كونها مجرد نوازع عاطفية وهفوات صغيرة يقدم عليها جابر حرصاً منه على "وردة" أو أنها عبارة سلوكيات جنحية من سرقة وسطو مسلح ، تقدم عليها شخصية "إيهاب - فادي صبيح " المعادل الفني الثاني لشبيحة النظام البعثي، وكأن كل ما ترتكبه عصابات الأسد بحق سورية وأهلها، ما هي إلا نوازع نفسية ناتجة عن مشاعر عشق ملتهبة ، أو جنح سلوكية، وعليه لم يكن ينقص المسلسل إلا أن يقول في هذا المنحى: إن عشق شبيحة الأسد لسورية "الموازي لعشق جابر لوردة" هو من دفع تلك العصابات إلى ارتكاب مثل هذه الحماقات ، في حين أنها في الواقع السوري ، وعلى الأرض السورية، تعتبر جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية . فهل يمكن التساهل إلى هذا الحد مع تلك الجرائم بذريعة أنها وجهة نظر فنية؟ أو هل يمكن أن يختصر كل هذا الإجرام بالصيغة التي جاءت عليه شخصية "جابر " أو شخصية "إيهاب"؟
أقرأ أيضًا:الدراما السورية: حمل الكم الكاذب ورهان النوع المحكوم بالأمل
لكن ما أن يتحرر المشاهد من تأثير الضخ الإعلامي الذي رافق عرض المسلسل في شهر رمضان الماضي وبعده، سرعان ما سوف يدرك أن المسلسل كان يشتغل على نحو مخالف لما روج عنه تماماً. صحيح أنه تم الاشتغال عليه بحرفية عالية، بدءاً من الديكور والإضاءة وأداء الممثلين والإنتاج، مروراً بالبنية الحكائية وخيوطها الدرامية ، لكن لنا أن نتساءل: أما كان حريا بمن كتبوا وروجوا للمسلسل، والمانحين للجائزة ، أن يتمعنوا قليلاً في مضامينه ، وأن يحللوا ويفككوا الرسائل التي أراد بثها للمشاهدين، عسى يتبين لهم أن ليس بالضرورة إذا ما اتكأ عمل فني على تيمة بحجم الدم السوري النازف أن يكون عملاً فنياً أصيلاً، وأن يحسب لصالح الثورة، بل قد يكون العكس هو الصحيح، خصوصاً أن المسلسل سعى جاهداً لتقديم طرفي الصراع: أي "جابر" المعادل الفني للنظام السوري، والذي يؤديه الممثل مكسيم خليل، و"محمود"، المعادل الفني للثوار الذي يؤديه الممثل "عبد المنعم عمايري" في صورتين ناقصتين ومزيفتين.
لم يرَ المسلسل على سبيل المثال، في كل الدم المراق على الأراضي السورية، إلا أنه مجرد صراع بين شقيقين ناتج عن اختلاف فكري ونفسي وعاطفي بينهما، ولا شيء آخر، مع الأخذ بعين الاعتبار أن رمزية الشقيقين في مادة فنية كهذه، من شأنها أن تغيب كلياً السلوك الطائفي الذي تمارسه عصابة الأسد بحق الشعب السوري. بل ذهب المسلسل أبعد من ذلك، حينما وزع مسؤولية القتل والتهجير والموت والخراب، على الشقيقين بالتساوي، وقد تجلى ذلك بوضوح في مشهد أريد له أن يلخص كامل مقولة المسلسل، وهو مشهد احتراق غرفة "وردة/كاريس بشار" الناتج عن صارع الشقيقين لكسب ودها. ما إن اندلع الحريق، حتى فر كل من جابر ومحمود هرباً من تحمل المسؤولية، علماً بأن الحريق الذي شب في غرفة وردة، من وجهة نظر المسلسل، ما هو إلا معادل فني للحريق الذي يلتهم سورية.
وثمة طرح لعله أخطر من سابقه لم تلحظه معظم المقالات والتقارير التي تناولت هذا المسلسل ولا الجهة المانحة للجائزة مؤخراً، يتجلى في سعي المسلسل إلى تشويه الحراك الثوري، وإفراغه من كل مضامينه وأبعاده الوطنية والإنسانية والفكرية ، ظهر ذلك من خلال رسم شخصية "محمود " وبنيتها الدرامية، وكذلك شخصية "أبو عبدو" ، على اعتبارهما يمثلان الثوار ، حيث بدت شخصية "محمود" مأزومة وانتهازية، تعيش على خيرات وبركات "جابر" ، ليس هذا وحسب، بل طرحت على أنها تعاني من مرض عضوي "فشل كلوي " أدى بنهاية المطاف إلى أن تطلق النار على نفسها لتلغي كامل وجودها تعبيراً عن يأسها من صلاح حالها، ولم يكن طرح شخصية "أبو عبدو" إلا استكمالاً لهذا التشويه والتجني على الثورة والثوار، حيث بدا الرجل في أوج تخلفه وتحكمه بأفراد أسرته، مطبق الخناق على أفكارهم وأنفاسهم، إلى أن ينتهي به المطاف ويصير داعشياً، ويتمزق كيان الأسرة برمته.
فأية وجهة نظر هذه التي تعكس صورة الثوار على هذا النحو، ولا ترى فيهم إلا كائنات مصابة بالعطب والتخلف، ومكتوب عليهم الفناء الذاتي، وجعلهم إما داعشيين، كحال "أبو عبدو" أو مأزومين و انتهازيين كحال "محمود" أو مفرطين في انتمائهم الوطني، كحال زوجة محمود التي ما إن خرجت من معتقلات الأسد وسافرت إلى أوروبا، حتى راحت تطالب زوجها بالطلاق لترتبط برجل غيره، متخلية عن كل نضالها الثوري ،ومشككة فيه إلى حد الكفر؟ ولنا أن نسأل القائمين على المسلسل مجدداً : أين كنستم دماء آلاف الشباب والشابات الذين ماتوا تحت التعذيب في سجون الأسد ، وضحوا بحياتهم في سبيل ثورتهم ونيلهم لحريتهم ؟ ألم تجدوا لهم معادلا فنيا أفضل من شخصية محمود وزوجته، أو أفضل من شخصية أبو عبدو؟.
بالمقابل فإن تتبع شخصية "جابر" التي أريد لها أن تمثل النظام، والطريقة التي قدمت به ، تكاد تكون جريمة دعائية أشبه بالدعاية النازية في عهد هتلر، حيث بدت هذه الشخصية وكأنها وظفت خصيصاً للمساهمة بتكنيس معظم الجرائم عن كاهل عصابات الأسد، واختصارها بسلوكيات لا تعدو عن كونها مجرد نوازع عاطفية وهفوات صغيرة يقدم عليها جابر حرصاً منه على "وردة" أو أنها عبارة سلوكيات جنحية من سرقة وسطو مسلح ، تقدم عليها شخصية "إيهاب - فادي صبيح " المعادل الفني الثاني لشبيحة النظام البعثي، وكأن كل ما ترتكبه عصابات الأسد بحق سورية وأهلها، ما هي إلا نوازع نفسية ناتجة عن مشاعر عشق ملتهبة ، أو جنح سلوكية، وعليه لم يكن ينقص المسلسل إلا أن يقول في هذا المنحى: إن عشق شبيحة الأسد لسورية "الموازي لعشق جابر لوردة" هو من دفع تلك العصابات إلى ارتكاب مثل هذه الحماقات ، في حين أنها في الواقع السوري ، وعلى الأرض السورية، تعتبر جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية . فهل يمكن التساهل إلى هذا الحد مع تلك الجرائم بذريعة أنها وجهة نظر فنية؟ أو هل يمكن أن يختصر كل هذا الإجرام بالصيغة التي جاءت عليه شخصية "جابر " أو شخصية "إيهاب"؟
أقرأ أيضًا:الدراما السورية: حمل الكم الكاذب ورهان النوع المحكوم بالأمل