09 نوفمبر 2024
أبعد من مؤنس دبّور
صحّ أن لاعب نادي ليفربول، النجم محمد صلاح، هدّد بالرحيل عن النادي إذا انضم إليه اللاعب الفلسطيني، الإسرائيلي الجنسية، مؤنس دبّور (26 عاما)، أم لم تصحّ هذه "الإشاعة" التي طيّرتها صحفٌ ومواقع إخباريةٌ وتلفزاتٌ أجنبيةٌ ومصريةٌ عديدة، صحّ هذا أم لم يصحّ، فإن القصة كبيرةٌ، أقلُّه عند فلسطينيي الأرض المحتلة في العام 1948، كما دلّ على ذلك غضبُهم من صلاح. والقصة كبيرةٌ أيضا لأنها تؤشّر إلى التباسٍ مريع في أفهام اللاعب المصري الشهير، غير المطلوب منه أن يكون خبيرا في تعقيد القضية الفلسطينية العويص، وإنما يكفي أن يعرف بديهياتٍ فيها، أولها أن الباقين في أرضهم في الداخل الفلسطيني يستحقون منطقا آخر في النظر إليهم، وفي إدراك حالِهم الصعب، مرابطين في وطنهم وأرضهم، ويصونون عروبتهم وفلسطينيّتهم، وقد اضطرّتهم مقادير التاريخ الظالمة إلى أن يكونوا "إسرائيليين"، جنسيةً وانتسابا إلى دولة النهب والطرد التي قامت في وطنهم.
ربما لم يقل صلاح ما شاع عنه، وربما صحّ ما نُسب إليه تاليا إنه يرحّب بمؤنس دبّور لاعبا زميلا له، قادما من فريق سالزبورغ النمساوي إلى خط الهجوم في فريق "ليفربول" (لكرة القدم بداهةً). وربما يمكن تفهّم الحساسية الخاصة لدى عربٍ كثيرين من لاعبٍ كان في منتخب إسرائيل لكرة القدم، وشارك معه في مبارياتٍ دولية، وأحرز أهدافا له. ولكن، كيف صار في وسع هذا الشاب الموهوب، الهدّيف في كرة القدم، الفلسطيني المسلم (المحافظ على الصلاة والصوم كما قرأنا)، أن ينتقل من حارة بئر الأمير في الناصرة إلى ملاعب أوروبا، ويصير من نجومِها (إلى حد ما)، ولاعبا محترفا في نادٍ نمساوي، ومرغوبا به في فريق ليفربول (انتقاله مسألة وقت، حسب مصادر عليمة)، كيف في وسعه ذلك من دون أن يمرّ لاعبا في أيّ من أندية الدولة التي يحمل جنسيتها، إسرائيل، بل من دون أن يكون اللاعب الأهم في المنتخب الإسرائيلي، بحسب ما يُخبرنا عنه كاتبٌ في "هآرتس"؟ لم يكن هذا ممكنا. والظاهر أن مؤنس دبّور يتفادى الكلام في هذه المنطقة من موضوعه الإشكالي، المحسوم هويّاتيا، فهو فلسطيني، والملتبس سياسيا، لكن زميلا مصريا له ينقل عنه ازورارَه، في مقامه الأوروبي الراهن، عن المنتخب الإسرائيلي، فلا يتواصل معه. ويخمّن صاحب هذه الكلمات أن اللاعب العشريني هذا حذِرٌ حاليا من التورّط في زوابع سياسيةٍ وكلاميةٍ في هذا الخصوص، وربما يُؤثر الانتباه حاليا إلى تمكين نفسه لاعبا نجما في العالم، من دون انشغالٍ بما قيل إن محمد صلاح قاله.
ربما يجوز أن يُفهم صمت مؤنس دبّور هكذا، سيما وأن الخارجية الإسرائيلية دسّت أنفها في الأمر، وأبدت "أسفها" مما ذاع بشأنِه في الذي نُسب إلى صلاح. ولكن البحصة بقّها المحامي جواد بولس، لمّا كتب إلى النجم المصري، في رسالة نشرها، يسأله عن السبب الذي يجعلُه يستعدي دبّور بسبب ذنبٍ لم يقترفه، في بلادٍ سيبقيان، اثناهما، فيها بطليْن غريبين. وأبلَغه "بقاؤنا في وطننا كان قد أربك بناة الدولة العبرية، وأفسد عليهم إمكانية تحقيق مخططهم الأصلي والفوز "بوطنٍ" خال من سكانه العرب الأصليين". ونتذكّر وقائع غير قليلة، أكّد فيها فلسطينيون هناك مناوأتهم الأسرلة المرذولة، ومن ذلك أن أهالي سخنين رفعوا العلم الفلسطيني في احتفالهم بفوز ناديهم بكأس إسرائيل في كرة القدم في العام 2004، وتلقّى النادي حينها تهنئتين، من ياسر عرفات، ورئيس وزراء إسرائيل في حينه، شارون. وفي العام 2000، لمّا أحرزت الحيفاوية رنا رسلان لقب ملكة جمال إسرائيل، رفضت الطلب منها أن تكون "سفيرة شرف" للدولة العبرية في الخارج، براتبٍ مهول. وأغضب ابن الناصرة، هاني أبو أسعد، إسرائيل لمّا فاز فيلمُه "الجنة الآن" بجائزة الكرة الذهبية في هوليوود، في 2006، باسم فلسطين ...
القصة ليست بسيطةً إذن. ولأنها كذلك، ولأنها أبعد من شخص مؤنس دبّور، فإن محمد صلاح أخطأ، إذا صحّ ما نُسب إليه من كلام بائس، أو ما قوّله بعضُهم له.