09 نوفمبر 2024
أبوظبي والوصاية على جنوب اليمن
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
لا يمكن تصنيف تصرفات أبوظبي في جنوب اليمن إلا في خانة أعمال الوصاية، وفرض التبعية في المجالات كافة، وعلى كامل مساحة الجغرافيا التي تعود إلى حدود ما قبل الوحدة بين الجنوب والشمال في مايو/ أيار 1990. وصارت هذه السلوكيات تتكرّر بين حين وآخر على نحو مكشوف وفاقع، من دون أي مراعاة لحدود المهمة التي دخلت فيها قوات أبوظبي إلى هذا الجزء من اليمن قبل ثلاثة أعوام، أو احترام السيادة وفق ما هو متعارف عليه دوليا في مواثيق الأمم المتحدة والقانون الدولي.
ذهبت قوات أبوظبي إلى جنوب اليمن، في إطار ما عرف بـ "عاصفة الحزم" التي بدأت في مارس/ آذار 2015، وكان الهدف من عملية التدخل العسكري الإماراتي مساعدة المقاومة الجنوبية على الوقوف بوجه تقدّم قوات الحوثيين التي اجتاحت هذا الجزء من اليمن، بعد أن سيطرت على كامل الشمال، وما كان للإمارات أن تضع قدمها هناك، لو لم تنجح المقاومة الجنوبية في كسر الهجوم الحوثي في منطقتي الضالع وعدن.
وجدت أبوظبي في جزء من المقاومة الجنوبية حليفا جاهزا، ينتظرها بلا شروط، عماده أحد فصائل الحراك الجنوبي التي بقيت ترفع شعارات الانفصال وفك الارتباط بدولة الوحدة، وكان خيار أبوظبي هذا على درجةٍ كبيرة من الانتهازية، حيث لعبت على وتر حالةٍ جنوبيةٍ واسعةٍ باتت على لسان واحد، في ما يتعلق باستعادة دولة الجنوب التي كانت قائمة قبل عام 1990. ومن هنا، نشأ تحالف سريع بين أبوظبي والفصيل الذي يمثله قائد المقاومة الجنوبية، عيدروس الزبيدي، الأمر الذي فتح الباب واسعا أمام أبوظبي التي أغرقت أهل الجنوب في الوعود والآمال الكاذبة، وأوهمت أهل الجنوب أنها جاءت لمساعدتهم من أجل التخلص من هجوم الحوثيين، واجتثاث كل آثار حزب الإصلاح الإخواني الذي لا يحظى بتعاطفٍ في الجنوب، بسبب دوره في حرب اجتياح الجنوب عام 1994، وزينت أبوظبي للجنوبيين حضورها العسكري، وقامت بحملة إعلامية وعلاقات عامة واسعة، على أساس أنها سوف تحول عدن إلى دبي ثانية، من دون أي مقابل.
مرّت قرابة ثلاثة أعوام على وجود قوات أبوظبي في جنوب اليمن، ولم تحل حتى مشكلة كهرباء عدن التي كانت قد خططت لإصلاحها الأعطال التي أصابتها خلال شهر، لكنها في هذا الوقت تمكنت من السيطرة على كامل مرافق الجنوب، وخصوصا المطارات المدنية والعسكرية والمرافئ، بما فيها مرفأ عدن الذي يعد أكبر ميناء في المنطقة، وأهلته بريطانيا خلال احتلال الجنوب، ليلعب دورا رياديا يغطي المنطقة الممتدة من الهند حتى شرق أفريقيا، وبنت أبوظبي عدة جيوش تتبع لها من حيث القيادة والتمويل والتسليح، وصارت تتحكّم من خلالها بمحافظات الجنوب. قوات الحزام الأمني تحكم عدن ولحج، ويمتد نفوذها حتى أبين والضالع. قوات النخبة الشبوانية تسيطر على محافظة شبوة. وقوات النخبة الحضرمية للهيمنة على حضرموت، وامتدت منذ الفترة الأولى لحضورها في الجنوب نحو جزيرة سقطرى الواقعة في المحيط الهندي، وتبعد عن عدن مسافة 350 كم، وذلك لأهمية هذه الجزيرة التي كانت قاعدة سوفياتية خلال الحرب الباردة، وخصوصا غناها البيئي بالنباتات والحيوانات النادرة.
تفجر الموقف ضد أبوظبي من داخل سقطرى هذا الأسبوع، على خلفية محاولة أبوظبي منع رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عبيد بن دغر، من زيارة الجزيرة، وتقييد حركته، ومضايقته من أجل المغادرة، لكنه رفض قبول الأمر الواقع الذي أقامته قوات أبوظبي في الجزيرة، وحرك الشارع ضدها وفضحها إعلاميا وسياسيا، وهو ما استدعى إرسال لجنة سعودية للتحقيق عادت بخفي حنين، لأن قوات أبوظبي لم تكترث بها.
لخصت أزمة سقطرى خلال ثلاثة أيام كل ممارسات أبوظبي في جنوب اليمن، وعكست الموقف الرسمي والشعبي ضد الوصاية والتبعية.
ذهبت قوات أبوظبي إلى جنوب اليمن، في إطار ما عرف بـ "عاصفة الحزم" التي بدأت في مارس/ آذار 2015، وكان الهدف من عملية التدخل العسكري الإماراتي مساعدة المقاومة الجنوبية على الوقوف بوجه تقدّم قوات الحوثيين التي اجتاحت هذا الجزء من اليمن، بعد أن سيطرت على كامل الشمال، وما كان للإمارات أن تضع قدمها هناك، لو لم تنجح المقاومة الجنوبية في كسر الهجوم الحوثي في منطقتي الضالع وعدن.
وجدت أبوظبي في جزء من المقاومة الجنوبية حليفا جاهزا، ينتظرها بلا شروط، عماده أحد فصائل الحراك الجنوبي التي بقيت ترفع شعارات الانفصال وفك الارتباط بدولة الوحدة، وكان خيار أبوظبي هذا على درجةٍ كبيرة من الانتهازية، حيث لعبت على وتر حالةٍ جنوبيةٍ واسعةٍ باتت على لسان واحد، في ما يتعلق باستعادة دولة الجنوب التي كانت قائمة قبل عام 1990. ومن هنا، نشأ تحالف سريع بين أبوظبي والفصيل الذي يمثله قائد المقاومة الجنوبية، عيدروس الزبيدي، الأمر الذي فتح الباب واسعا أمام أبوظبي التي أغرقت أهل الجنوب في الوعود والآمال الكاذبة، وأوهمت أهل الجنوب أنها جاءت لمساعدتهم من أجل التخلص من هجوم الحوثيين، واجتثاث كل آثار حزب الإصلاح الإخواني الذي لا يحظى بتعاطفٍ في الجنوب، بسبب دوره في حرب اجتياح الجنوب عام 1994، وزينت أبوظبي للجنوبيين حضورها العسكري، وقامت بحملة إعلامية وعلاقات عامة واسعة، على أساس أنها سوف تحول عدن إلى دبي ثانية، من دون أي مقابل.
مرّت قرابة ثلاثة أعوام على وجود قوات أبوظبي في جنوب اليمن، ولم تحل حتى مشكلة كهرباء عدن التي كانت قد خططت لإصلاحها الأعطال التي أصابتها خلال شهر، لكنها في هذا الوقت تمكنت من السيطرة على كامل مرافق الجنوب، وخصوصا المطارات المدنية والعسكرية والمرافئ، بما فيها مرفأ عدن الذي يعد أكبر ميناء في المنطقة، وأهلته بريطانيا خلال احتلال الجنوب، ليلعب دورا رياديا يغطي المنطقة الممتدة من الهند حتى شرق أفريقيا، وبنت أبوظبي عدة جيوش تتبع لها من حيث القيادة والتمويل والتسليح، وصارت تتحكّم من خلالها بمحافظات الجنوب. قوات الحزام الأمني تحكم عدن ولحج، ويمتد نفوذها حتى أبين والضالع. قوات النخبة الشبوانية تسيطر على محافظة شبوة. وقوات النخبة الحضرمية للهيمنة على حضرموت، وامتدت منذ الفترة الأولى لحضورها في الجنوب نحو جزيرة سقطرى الواقعة في المحيط الهندي، وتبعد عن عدن مسافة 350 كم، وذلك لأهمية هذه الجزيرة التي كانت قاعدة سوفياتية خلال الحرب الباردة، وخصوصا غناها البيئي بالنباتات والحيوانات النادرة.
تفجر الموقف ضد أبوظبي من داخل سقطرى هذا الأسبوع، على خلفية محاولة أبوظبي منع رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عبيد بن دغر، من زيارة الجزيرة، وتقييد حركته، ومضايقته من أجل المغادرة، لكنه رفض قبول الأمر الواقع الذي أقامته قوات أبوظبي في الجزيرة، وحرك الشارع ضدها وفضحها إعلاميا وسياسيا، وهو ما استدعى إرسال لجنة سعودية للتحقيق عادت بخفي حنين، لأن قوات أبوظبي لم تكترث بها.
لخصت أزمة سقطرى خلال ثلاثة أيام كل ممارسات أبوظبي في جنوب اليمن، وعكست الموقف الرسمي والشعبي ضد الوصاية والتبعية.
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
02 نوفمبر 2024
26 أكتوبر 2024
19 أكتوبر 2024