أخيرا ... التحرّش في أماكن العمل في الأردن جريمة
كان احتفال النساء في الأردن هذا العام بيوم المرأة العالمي (8 مارس/ آذار) مميزا، إذ اعترف المشرّعون والمشرّعات بوجود تحرّش في المجتمع الأردني، وجرّموا هذا الفعل صراحة، في تعديلاتٍ أجروها أخيرا على قانون العمل الأردني الذي ناقشوه تحت قبة مجلس الأمة (البرلمان).
ربما لم ينس الناشطون والناشطات الحقوقيون والمهتمون بالمجمل في قضايا المرأة تندّر برلمانيين في مجلس سابق بدراسة أجرتها، قبل سنوات، مؤسّسة أردنية موثوقة "اللجنة الوطنية لشؤون المرأة" عن انتشار ظاهرة التحرّش في الأردن قبل سنوات، وهاجموا الدراسة تحت القبة أيضا، واعتبرها نوابٌ هجمة منظّمة على المجتمع الأردني، ونفوا وجود هذه الظاهرة مطلقا. بل وزاد من هاجم تلك الادّعاءات، كما وصفوها، بأنها اتهامات جاهزة ومعلبة سلفا لغالبية من يعمل في مجال تمكين المرأة في الأردن بأنها مؤسّسات مموّلة من جهات أجنبية، ولا تعمل لصالح المجتمع ولا نفعه، واتهامات بالعمالة وبتخريب المكوّن المجتمعي المحافظ وهدمه.
يبدو أننا اليوم نلمس تغييرا إيجابيا، بدءا من نظرة المشرّعين الذين هيمنت سنواتٍ نظرتهم الذكورية تجاه مختلف القضايا، وبالتالي لم تتسق بعض التشريعات مع التوجهات الحقوقية الحديثة لإرساء قواعد العدالة والمساواة بين الجنسين في الأردن. وذلك فيما يبدأ التغيير المجتمعي الإيجابي في أي مجال من التشريع الذي يطبّق، من حيث المبدأ، على الجميع بدون استثناء لأي عرق أو أصل أو دين أو مكانة اجتماعية، وغالبا ما يتحوّل السلوك المجتمعي، حتى لو كان رافضا هذه الفكرة أو غيرها، بما يتواءم مع التعديلات التشريعية التي تصبّ، في النهاية، في مصلحة الجميع من دون تمييز.
عانينا سنوات في المجتمع الأردني من ردّة ثقافية واجتماعية كبيرة في النظرة تجاه حقوق النساء، بل أصبح من يتحدّث فيها يتّهم بـ "النسوية" التي أصبحت عبارة سلبية تدين من ينادون بمبادئ حقوق الإنسان، والنساء بشكل خاص، بل تعدّتها إلى اتهاماتٍ بـ"بالمثلية" لكل من يعمل أو يفكر أو ينادي بمجرّد حقوق إنسانية عالمية مكفولة في القوانين والدساتير، ولكنها بعيدة كل البعد عن التطبيق.
عانينا سنوات في المجتمع الأردني من ردّة ثقافية واجتماعية كبيرة في النظرة تجاه حقوق النساء
صحيحٌ أن الأوضاع الاقتصادية وارتفاع نسب الفقر والبطالة تجعل من بعض المطالبات الحقوقية ترفا بالنسبة لبعضهم، ولكن لا يجوز إغفال أي حقّ مهما كانت الظروف، فالحق بالحياة الحرّة والكرامة المصونة يساوي تماما الحقّ في العيش، فلا معنى لعيشٍ بلا عدالة أو كرامة وحماية من كل عنف أو اعتداء على جسد أو روح، وهذا الحق أوْلى بالحماية لفئات مهمّشة ومصادرة حقوقها، مثل النساء في أغلب مجتمعاتنا العربية، بل في العالم في المجمل، وإلا فلماذا ما زالت المطالبات بذلك مستمرّة، ولا أظنّها ستنتهي قريبا.
وعليه، لماذا يحمل تجريم ممارسة أي شكل من الاعتداء الجنسي أو التحرّش الجنسي على العاملين في المؤسّسات في الأردن مؤشّرا جيدا؟ لأنه يجرّم التحرّش في مكان العمل، وبالتالي يخفّف المحدّدات التي تمنع مشاركة المرأة الأردنية الاقتصادية، والتي تعدّ هذه الممارسات أبرزها، وهذا يبعث على التفاؤل لرفع نسبة المشاركة الاقتصادية للمرأة الأردنية التي تعدّ بين الأقل عالميا. كما أن مجرّد اعتراف المؤسسة التشريعية بوجود تحرّش، وبأنه مشكلة يجب أن تعالج تشريعا، يفتح الباب واسعا أمام تغيير في النظرة إلى قضايا المرأة وعدم التشكيك حيالها. وبالتأكيد، يفتح المجال أمام تعديلات تشريعات أخرى، لم تنصّ صراحة على تجريم التحرّش، بل اكتفت بالإشارة إليه تحت مسمّى الإتيان بفعل يمسّ شرف الإنسان.
يُؤخذ على التعديل للنص القانوني الإيجابي أنه جاء عاما، ولم ينصّ على حالات التحرّش بين الزملاء في العمل أو التحرّش خارج مكان العمل. ولكنه في المجمل خطوة جيدة يجب أن يُبنى عليها، بحيث تعالج هذه الظاهرة ليس في أماكن العمل فقط، وإنما في أي مكان، بحيث تأمن النساء على وجودهن في الفضاء العام من دون تخوّف من أي عارض، إشارة كانت أو لفظا أو فعلا، نضمن بعدها أن تنفذ توصيات اللجان الرسمية والملكية الإصلاحية التي نادت صراحةً بضمان مشاركة فاعلة للنساء في الأردن في مختلف المجالات.