25 اغسطس 2024
أديب يحب الفراشات وقاسم سليماني
أصاب دستويفسكي العظيم كبد الحقيقة، حينما قال إن الذكاء الإنساني محدود، وأما الغباء فليس له حدود على الإطلاق. ولأن وجود الذكاء بين البشر محدود، فإن من حقنا، نحن الأغبياءَ ومتوسطي الذكاء، أن نتحدّث عنه، ونترنّم به، ونغني له حتى تجف أرياقُنا، ونخاف عليه من العين البصّاصة، بل ونتباهى به على طريقة المرأة ذات الشعر الخفيف التي تتباهى بشعر ابنة خالتها الذي تصلُ جدائلُه إلى ما تحت مؤخرتها بعدة سنتمترات فقط.
بهذا الصدد، حدّثني صديقي أبو عمر بحكايةٍ جرت أحداثها قبل الثورة، بطلُها مسؤول في إحدى المحافظات السورية البعيدة، بلغ به الذكاء مبلغاً مَرَضيّاً، فأصبح يعاني، مع كل (نوبة ذكاء حادة)، من الصداع القوي، حتى إنه، في أثناء النوبة، يضرب رأسه بالجدار، عسى أن يهدأ الألم، ويستمر في ضرب رأسه، حتى يتدخل محبوه ويوقفوه عن هذا العمل المؤلم بالقوة. وحينما راجع طبيبه الخاص، وشكا له مما يعاني بسبب فرط الذكاء، نصحه الطبيب بأن يخلع الجاكيت، ويستلقي على أقرب سرير، حتى ولو كان ذلك في أثناء الدوام الرسمي، وأن يفكّ ربطة العنق، ويطوي أزرار القميص العُلوية، ويمدّد يديه وساقيه، ويفرد أصابعه، ويسترخي استرخاءً تاماً، ولا بأس من كأس زهورات بلدية، مع حبة دواء من ماركة معينة، سجلها الطبيب على الوصفة، وأحضرها له المرافقون، ودأب صاحبنا على تناولها في أثناء النوبات، حتى إنها عرفت بـ حبة تخفيض الذكاء!
الغريب في هذه المسألة، على ذمة صديقي أبي عمر، هو أن ذكاء ذلك المسؤول، على ما يبدو، من النوع الخفي، فليس في شكله الخارجي أية علامة من علامات الفطنة والنباهة، بل إنه يوحي بنقيض ذلك، فحينما يمشي على الأرض، تراه مُحْنِيَاً رأسَهُ إلى الأمام، لا يفكّر بما قيمته قرش سوري واحد، وإذا حدّثتَه بحديثٍ وأنت تنظر في عينيه، سيتهيأ لك أنه لم يفهم عليك شيئاً، لأن عينيه خاليتان من أي بريق، أو تعبير، وإذا دخلت عليه في مكتبه، حتى ولو كنت على موعدٍ معه، فإنه لا يقف احتراماً لك، ولا يمدّ يده لمصافحتك، وأول ما يخطر لك أنه شبيهٌ بالحَجَر الذي يسميه الفلاحون (القباع) الذي يوضع على التخوم الفاصلة بين أرضين أو بستانين، وهذا لا يجوز تحريكه من مكانه، مهما كلف الأمر، لأن إقدام أحد الجارين على زحزحته سوف يؤدي إلى وقوع مشكلات حادة بينهما، وقد تتسع المشكلة، ويأتي أقارب الطرفين للتدخل فيها، فيقع ضحيتها، في بعض الأحيان، قتلى وجرحى.
قلت لأبي عمر: ما شاء الله كان. والله العظيم شوّقتني لرؤية هذا المسؤول. ولكن، قل لي، لماذا لا يُستثمر بالفرجة عليه من عامة الشعب؟ ولتوضيح فكرتي أكثر، قلت لأبي عمر إن بالإمكان وضع أسهم في الشوارع، تدل المارّة على الجهة التي يقع فيها المبنى الذي يداوم فيه. وعند المصعد إشارة مكتوبة إلى أن الشخص (الذكي جداً) فلاناً الفلاني موجود في الطابق رقم "كذا"، الغرفة رقم "كذا".
فكّر أبو عمر في الأمر ملياً، وقال لي: لدي فكرة أفضل.
قلت: هاتها.
قال: يمكننا الآن أن ندعو الناس إلى الفرجة على الأديب السوري الذي كان يتعاطف في قصصه القصيرة مع العصافير مهيضة الجناح، والفراشات التي تحمل غبار الطلع في أجنحتها، والنحلات اللواتي يمتصصن الرحيق، ليصنعن منه العسل الذي فيه شفاءٌ للناس. وبالأمس، أبدى فرحاً عظيماً بانتصار روسيا وإيران وحزب الله ومليشيات النجباء وفاطميين وزينبيين على أهل حلب، بعد أن قتلوا الآلاف من الرجال والنساء والأطفال، وأنزلوا البيوت فوق رؤوس ساكنيها، ثم أخرجوهم من ديارهم، باعتبارهم إرهابيين، بينما لم يكترث أديبنا الرقيق لمنظر قاسم سليماني، وهو يتجوّل في محيط قلعة حلب... فتأمّل.
بهذا الصدد، حدّثني صديقي أبو عمر بحكايةٍ جرت أحداثها قبل الثورة، بطلُها مسؤول في إحدى المحافظات السورية البعيدة، بلغ به الذكاء مبلغاً مَرَضيّاً، فأصبح يعاني، مع كل (نوبة ذكاء حادة)، من الصداع القوي، حتى إنه، في أثناء النوبة، يضرب رأسه بالجدار، عسى أن يهدأ الألم، ويستمر في ضرب رأسه، حتى يتدخل محبوه ويوقفوه عن هذا العمل المؤلم بالقوة. وحينما راجع طبيبه الخاص، وشكا له مما يعاني بسبب فرط الذكاء، نصحه الطبيب بأن يخلع الجاكيت، ويستلقي على أقرب سرير، حتى ولو كان ذلك في أثناء الدوام الرسمي، وأن يفكّ ربطة العنق، ويطوي أزرار القميص العُلوية، ويمدّد يديه وساقيه، ويفرد أصابعه، ويسترخي استرخاءً تاماً، ولا بأس من كأس زهورات بلدية، مع حبة دواء من ماركة معينة، سجلها الطبيب على الوصفة، وأحضرها له المرافقون، ودأب صاحبنا على تناولها في أثناء النوبات، حتى إنها عرفت بـ حبة تخفيض الذكاء!
الغريب في هذه المسألة، على ذمة صديقي أبي عمر، هو أن ذكاء ذلك المسؤول، على ما يبدو، من النوع الخفي، فليس في شكله الخارجي أية علامة من علامات الفطنة والنباهة، بل إنه يوحي بنقيض ذلك، فحينما يمشي على الأرض، تراه مُحْنِيَاً رأسَهُ إلى الأمام، لا يفكّر بما قيمته قرش سوري واحد، وإذا حدّثتَه بحديثٍ وأنت تنظر في عينيه، سيتهيأ لك أنه لم يفهم عليك شيئاً، لأن عينيه خاليتان من أي بريق، أو تعبير، وإذا دخلت عليه في مكتبه، حتى ولو كنت على موعدٍ معه، فإنه لا يقف احتراماً لك، ولا يمدّ يده لمصافحتك، وأول ما يخطر لك أنه شبيهٌ بالحَجَر الذي يسميه الفلاحون (القباع) الذي يوضع على التخوم الفاصلة بين أرضين أو بستانين، وهذا لا يجوز تحريكه من مكانه، مهما كلف الأمر، لأن إقدام أحد الجارين على زحزحته سوف يؤدي إلى وقوع مشكلات حادة بينهما، وقد تتسع المشكلة، ويأتي أقارب الطرفين للتدخل فيها، فيقع ضحيتها، في بعض الأحيان، قتلى وجرحى.
قلت لأبي عمر: ما شاء الله كان. والله العظيم شوّقتني لرؤية هذا المسؤول. ولكن، قل لي، لماذا لا يُستثمر بالفرجة عليه من عامة الشعب؟ ولتوضيح فكرتي أكثر، قلت لأبي عمر إن بالإمكان وضع أسهم في الشوارع، تدل المارّة على الجهة التي يقع فيها المبنى الذي يداوم فيه. وعند المصعد إشارة مكتوبة إلى أن الشخص (الذكي جداً) فلاناً الفلاني موجود في الطابق رقم "كذا"، الغرفة رقم "كذا".
فكّر أبو عمر في الأمر ملياً، وقال لي: لدي فكرة أفضل.
قلت: هاتها.
قال: يمكننا الآن أن ندعو الناس إلى الفرجة على الأديب السوري الذي كان يتعاطف في قصصه القصيرة مع العصافير مهيضة الجناح، والفراشات التي تحمل غبار الطلع في أجنحتها، والنحلات اللواتي يمتصصن الرحيق، ليصنعن منه العسل الذي فيه شفاءٌ للناس. وبالأمس، أبدى فرحاً عظيماً بانتصار روسيا وإيران وحزب الله ومليشيات النجباء وفاطميين وزينبيين على أهل حلب، بعد أن قتلوا الآلاف من الرجال والنساء والأطفال، وأنزلوا البيوت فوق رؤوس ساكنيها، ثم أخرجوهم من ديارهم، باعتبارهم إرهابيين، بينما لم يكترث أديبنا الرقيق لمنظر قاسم سليماني، وهو يتجوّل في محيط قلعة حلب... فتأمّل.