28 أكتوبر 2024
أسئلة الجنوب السوري
يشكل اتفاق الجنوب السوري تطورا مهما لجهة وعي قادة فصائل المعارضة بموازين القوة العسكرية على الأرض، من جهة، وباتجاه رياح الموقف الأميركي من الحل في سورية، من جهة ثانية.
كان واضحا منذ البداية أن الروس يرغبون بإنهاء ملف الجنوب عبر المفاوضات، مع استخدام الآلة العسكرية ورقة ضغط. وكان واضحا أيضا أن لدى فصائل المعارضة الرغبة نفسها، وهذا ما جعل المفاوضات تنطلق مبكرا، على خلاف ما جرى في الغوطة الشرقية، لما بدأت المفاوضات بين الروس والفصائل الثلاث الرئيسية (حيش الإسلام، فيلق الرحمن، أحرار الشام) بعدما نجح النظام في تحقيق إنجازات عسكرية كبيرة، وفي تقطيع جغرافيا الغوطة إلى كانتونات منعزلة. أما في الجنوب، فالمفاوضات بدأت مبكرة، وقبل انطلاق المعارك الكبرى، أي قبل وصول المعارك إلى معبر نصيب ومدينة درعا وجنوبها، في مؤشرٍ على رغبة روسية في إنهاء مسألة الجنوب عبر التفاوض، لاعتبارات إقليمية ودولية.
ويبدو أن الولايات المتحدة ضغطت في هذا الاتجاه، وإذا كانت الرسالة الأميركية أخيرا إلى فصائل الجنوب التي تحثهم على عدم اتخاذهم قرارات، بناء على توقع تدخل أميركي، تشير إلى انسحاب أميركي من المشهد، إلا أنها تشير في المقابل إلى رغبة أميركية بقبول الفصائل التفاوض مع الروس. وعند هذه النقطة، يمكن لواشنطن ممارسة ضغوط على موسكو.
ولعب العامل الإسرائيلي دورا مهما، حيث مارست إسرائيل ضغوطا خفية على موسكو، لإنجاز صفقة الجنوب، خوفا من ارتفاع معدل هروب النازحين إلى الجولان المحتل، خصوصا إلى المنطقة منزوعة السلاح التي تقع بين خطي ألفا وبرافو، وقد هدّد الجيش الإسرائيلي بإمكانية التدخل عسكريا في حال المساس بالمدنيين الموجودين قرب الحدود.
فهمت فصائل المعارضة التفاهمات الدولية، وقبلت بالتفاوض، ورفعت من سقف مطالبها أسوة بالروس، ضمن لعبة المفاوضات المتعارف عليها. والحقيقة أنها نجحت إلى حد معقول في انتزاع موافقة روسية على نقاط مهمة: السماح لمن لا يرغب في البقاء في الجنوب التوجه إلى الشمال الغربي من البلاد. تسليم السلاح الثقيل والمتوسط على مراحل. الحصول على ضمانة روسية بعدم ملاحقة قادة الفصائل وعناصرها. انسحاب قوات النظام من أربع بلدات كانت قد سيطرت عليها بعد انطلاق معركة الجنوب، وهذه سابقة لم تحدث قبل الآن.
يشكل اتفاق الجنوب أفضل ما يمكن التوصل إليه، لتفادي سقوط مئات وربما آلاف القتلى، وعدم تكرار تجربة الغوطة الشرقية، في ظل تراخ أو تواطؤ دولي حيال الجنوب السوري. وكان لتماسك الفصائل في وفد تفاوضي موحد دور مهم في منع انفراد موسكو بكل فصيل على حدة، كما حدث في الغوطة الشرقية، حينما فاوضت كل فصيل على حدة.
في كل الأحوال، كشفت أحداث الجنوب أنها جاءت تتويجا لتفاهم أميركي ـ روسي متفق عليه منذ اجتماع الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين، والأميركي دونالد ترامب، في يوليو / تموز من العام الماضي، وهذا ما لمّح إليه الروس الشهر الماضي، ما يعني أن مناطق خفض التوتر كانت لمرحلة مؤقتة، هدفها وقف القتال بين النظام والمعارضة، من أجل التفرغ للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، وكان لها هدف آخر مضمر، ترويض فصائل المعارضة للتسويات.
لا يتعلق ما جرى في الجنوب السوري بالوجود الإيراني، فقد أثبتت التطورات أخيرا أن هذا الأمر مجرد تفصيل صغير، وكل ما يقال عن انسحابات إيرانية من الجنوب، تمهيدا لإعادة ترتيب وجودها في سورية، ليس سوى بروباغندا إعلامية.
وحتى لو انسحبت إيران والقوى التابعة لها من الجنوب، فليس هو السبب وراء اتفاق الجنوب، أي ليس الانسحاب الإيراني مقابلا لتسليم الجنوب للروس، فإيران أضعف من أن تشكل تهديدا لإسرائيل، وأقوى من أن يستطيع أحد إخراجها من سورية، بما فيها روسيا والولايات المتحدة.
ويشكل انتقال الجنوب إلى النظام السوري تحولا مهما في الصراع، ويعكس ماهية الرؤية الأميركية للحل التي تقوم على مبدأ إضعاف المعارضة، وحصرها في بقعة جغرافية موحدة، من أجل فرض التسوية عليها. وفي ضوء ذلك، يتوقع أن يتجه النظام إلى استكمال معارك الحدود، إما عبر المعارك كما هو متوقع في حلب وإدلب، أو عبر التسويات، كما هو متوقع في التنف ومحافظة الرقة.
السؤال الأبرز: هل ما يجري يأتي ضمن الاستراتيجية الأميركية القائمة منذ سنوات على ضرورة الفصل بين المستويين، العسكري والسياسي؟ أم أن ما يجري مقدمة لانسحاب أميركي من المشهد السوري، وترك روسيا تحدد طبيعة التسوية السياسية؟
كان واضحا منذ البداية أن الروس يرغبون بإنهاء ملف الجنوب عبر المفاوضات، مع استخدام الآلة العسكرية ورقة ضغط. وكان واضحا أيضا أن لدى فصائل المعارضة الرغبة نفسها، وهذا ما جعل المفاوضات تنطلق مبكرا، على خلاف ما جرى في الغوطة الشرقية، لما بدأت المفاوضات بين الروس والفصائل الثلاث الرئيسية (حيش الإسلام، فيلق الرحمن، أحرار الشام) بعدما نجح النظام في تحقيق إنجازات عسكرية كبيرة، وفي تقطيع جغرافيا الغوطة إلى كانتونات منعزلة. أما في الجنوب، فالمفاوضات بدأت مبكرة، وقبل انطلاق المعارك الكبرى، أي قبل وصول المعارك إلى معبر نصيب ومدينة درعا وجنوبها، في مؤشرٍ على رغبة روسية في إنهاء مسألة الجنوب عبر التفاوض، لاعتبارات إقليمية ودولية.
ويبدو أن الولايات المتحدة ضغطت في هذا الاتجاه، وإذا كانت الرسالة الأميركية أخيرا إلى فصائل الجنوب التي تحثهم على عدم اتخاذهم قرارات، بناء على توقع تدخل أميركي، تشير إلى انسحاب أميركي من المشهد، إلا أنها تشير في المقابل إلى رغبة أميركية بقبول الفصائل التفاوض مع الروس. وعند هذه النقطة، يمكن لواشنطن ممارسة ضغوط على موسكو.
ولعب العامل الإسرائيلي دورا مهما، حيث مارست إسرائيل ضغوطا خفية على موسكو، لإنجاز صفقة الجنوب، خوفا من ارتفاع معدل هروب النازحين إلى الجولان المحتل، خصوصا إلى المنطقة منزوعة السلاح التي تقع بين خطي ألفا وبرافو، وقد هدّد الجيش الإسرائيلي بإمكانية التدخل عسكريا في حال المساس بالمدنيين الموجودين قرب الحدود.
فهمت فصائل المعارضة التفاهمات الدولية، وقبلت بالتفاوض، ورفعت من سقف مطالبها أسوة بالروس، ضمن لعبة المفاوضات المتعارف عليها. والحقيقة أنها نجحت إلى حد معقول في انتزاع موافقة روسية على نقاط مهمة: السماح لمن لا يرغب في البقاء في الجنوب التوجه إلى الشمال الغربي من البلاد. تسليم السلاح الثقيل والمتوسط على مراحل. الحصول على ضمانة روسية بعدم ملاحقة قادة الفصائل وعناصرها. انسحاب قوات النظام من أربع بلدات كانت قد سيطرت عليها بعد انطلاق معركة الجنوب، وهذه سابقة لم تحدث قبل الآن.
يشكل اتفاق الجنوب أفضل ما يمكن التوصل إليه، لتفادي سقوط مئات وربما آلاف القتلى، وعدم تكرار تجربة الغوطة الشرقية، في ظل تراخ أو تواطؤ دولي حيال الجنوب السوري. وكان لتماسك الفصائل في وفد تفاوضي موحد دور مهم في منع انفراد موسكو بكل فصيل على حدة، كما حدث في الغوطة الشرقية، حينما فاوضت كل فصيل على حدة.
في كل الأحوال، كشفت أحداث الجنوب أنها جاءت تتويجا لتفاهم أميركي ـ روسي متفق عليه منذ اجتماع الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين، والأميركي دونالد ترامب، في يوليو / تموز من العام الماضي، وهذا ما لمّح إليه الروس الشهر الماضي، ما يعني أن مناطق خفض التوتر كانت لمرحلة مؤقتة، هدفها وقف القتال بين النظام والمعارضة، من أجل التفرغ للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، وكان لها هدف آخر مضمر، ترويض فصائل المعارضة للتسويات.
لا يتعلق ما جرى في الجنوب السوري بالوجود الإيراني، فقد أثبتت التطورات أخيرا أن هذا الأمر مجرد تفصيل صغير، وكل ما يقال عن انسحابات إيرانية من الجنوب، تمهيدا لإعادة ترتيب وجودها في سورية، ليس سوى بروباغندا إعلامية.
وحتى لو انسحبت إيران والقوى التابعة لها من الجنوب، فليس هو السبب وراء اتفاق الجنوب، أي ليس الانسحاب الإيراني مقابلا لتسليم الجنوب للروس، فإيران أضعف من أن تشكل تهديدا لإسرائيل، وأقوى من أن يستطيع أحد إخراجها من سورية، بما فيها روسيا والولايات المتحدة.
ويشكل انتقال الجنوب إلى النظام السوري تحولا مهما في الصراع، ويعكس ماهية الرؤية الأميركية للحل التي تقوم على مبدأ إضعاف المعارضة، وحصرها في بقعة جغرافية موحدة، من أجل فرض التسوية عليها. وفي ضوء ذلك، يتوقع أن يتجه النظام إلى استكمال معارك الحدود، إما عبر المعارك كما هو متوقع في حلب وإدلب، أو عبر التسويات، كما هو متوقع في التنف ومحافظة الرقة.
السؤال الأبرز: هل ما يجري يأتي ضمن الاستراتيجية الأميركية القائمة منذ سنوات على ضرورة الفصل بين المستويين، العسكري والسياسي؟ أم أن ما يجري مقدمة لانسحاب أميركي من المشهد السوري، وترك روسيا تحدد طبيعة التسوية السياسية؟