أنفاق حماس وغزّة السفلى
تباهت إسرائيل باكتشاف أول نفق في قطاع غزّة يوم الأحد الماضي. وعرضت الأمر على جمهورها، والرأي العام، ووسائل الإعلام، بوصفه انتصارا مهمّا، حقّقته بعد مرور 70 يوما على الحرب. ولكنه في حقيقة الأمر مكسبٌ متواضع، لا يغطّي العجز عن عدم تحقيق إنجاز عسكري كبير، ولا يقرّب، بأي حال، تحقيق الهدفين المباشرين للحرب: تحرير الرهائن والقضاء على حركة حماس. ويعكس الزهو بهذا الاكتشاف وجها آخر من الإخفاق، الذي يندرج في سياق فشل التعامل مع هجمات 7 أكتوبر، استخباراتيا وعسكريا. وهناك عدة أسباب لوضع الإنجاز في مقام الفضيحة، وبدلا من أن تتباهى به العسكرتارية الإسرائيلية، عليها أن تخجل منه. أولها أن النفق يقع على حدود قطاع غزّة مباشرة، وهذا اختراقٌ أمنيٌّ كبير حقّقته "حماس"، وهو يسجّل لها، أنها استطاعت أن تقوم بعمل من هذا النوع بأدواتٍ بسيطة. ونجحت في البناء الذي استمرّ عدة أعوام، ولم تكتشف الاستخبارات الإسرائيلية الأمر. والسبب الثاني أن 70 يوما من الحرب لم تمكّن إسرائيل من اكتشاف نفق، حرثت الأرض التي يقع تحتها، رغم وجود وحدة عسكرية إسرائيلية تدعى السامور، أو ابن عرس، متخصّصة في الحرب تحت الأرض، وتتدرّب على الأنفاق الوهمية في إسرائيل. أما السبب الثالث فهو يظهر عدم قدرة الأسلحة المستخدمة في تدمير الأنفاق، وفشل أجهزة التصوير عالية الدقّة والاستشعار التي تعمل عن بُعد، في النفاذ إلى أعماق الأرض، واكتشاف الأنفاق.
يضيء النفق على أحد أسرار هذه الحرب، وما طوّرته المقاومة الفلسطينية، من أسلحة وأنفاق، من أجل خوض المعارك مع العدو. وهو عيّنة من سلسلة من الأنفاق، تصل في طولها، حسب تصريحات قادة من حركة حماس، إلى 500 كلم. وما يثير القلق في إسرائيل هو الأنفاق البحرية. ومن غير المستبعد أن تكون مناطق حدودية أخرى، تضمّ أنفاقا مماثلة، سواء في قطاع غزّة أو على الحدود مع لبنان. وسبق لإسرائيل أن تحدّثت، في عدّة مناسبات، عن حفر حزب الله أنفاقا تصل إلى بعض مستوطنات الشمال. وزار الجنرال الأميركي، جوزيف فوتيل، القائد السابق للقيادة المركزية الأميركية المسؤولة عن الشرق الأوسط، أحد أنفاق حزب الله على الحدود الجنوبية للبنان، وقال إنه "فوجئ بمستوى الجهد المبذول في إنجاز هذه الأشياء". وأشار إلى أنها لم تكن هذه مجرّد ثقوب في الأرض، بل كانت بنية معمارية متكاملة، وقد جرى "ربطها بغرف، وتم بناؤها بطريقة تتحمّل الضربات على السطح".
لجأت حركة حماس إلى بناء الأنفاق، أو ما باتت تُعرف بغزّة السفلى، من باب تطوير أسلحة الضرورة، وسبق لها أن استخدمت الأنفاق من أجل كسر الحصار المضروب على قطاع غزّة، من الجانبين، المصري والإسرائيلي. ويشكّل هذا الإنجاز شهادة تقدير لهذا الجيل من المقاومة، الذي يبتكر، في صورة مستمرّة، وسائل ذاتية من أجل مواصلة الكفاح، وإبطال مفعول تفوّق العدو والأسلحة التي يستخدمها، من آخر طراز في الطيران الحربي، والطائرات بدون طيّار، والقذائف الذكية، ووسائل التدمير الكبيرة. وأحد أسرار هذه الحرب التي لم يتم كشفها أن المقاومة تقاتل منذ 70 يوما من دون وجود أجهزة اتصالات وكهرباء ومواد تموينية وطبّية وإمدادات بالذخائر والأسلحة من الخارج. ورغم الانتشار الكبير للجيش الإسرائيلي على مساحة قطاع غزّة الصغيرة، لا تزال المقاومة قادرة على قصف المدن الإسرائيلية بالصواريخ. وهذا يعني أنها استعدّت على كل هذه الأصعدة، ووفّرت بنية بديلة متكاملة، تمكّنها من مواصلة القتال فترة طويلة، ضمن معادلة جديدة، باتت تسمّى الحرب الجوفية.