09 نوفمبر 2024
"أوركيديا".. منازعاتٌ وتاريخٌ مصنوع
ما هو الخط الدرامي الذي طلبت الرقابة في تلفزيون أبوظبي حذفه من مسلسل "أوركيديا"، فاستجاب كاتب النص، عدنان العودة، بتعديل العمل، بالتنسيق مع مخرجه حاتم علي؟ لسنا نعرف، فقد أعلن العودة هذا من دون أن يوضح التفاصيل، قبل أن يُشهر حربا على المسلسل، بعد أن بدأت حلقاتُه على غير شاشةٍ (تلفزيون العربي إحداها)، بحجة أن تعديلاتٍ (أخرى) أجراها الممثل والسيناريست، إياد أبو الشامات، على النص من دون إذنه واستشارته، ما جعل العودة يجهر باحتجاجٍ غاضب: من كتب هذا المسلسل؟ أحقا هو أنا؟ لماذا يفتقد المسلسل الحياة؟ لماذا هو جافٌّ بهذه الطريقة؟.. لم يوضح أيٌّ من العودة وأبو الشامات ما طرأ على نص المسلسل من تغيير، وما دواعيه. وإنما أرادت الشركة المنتجة، إيبلا الدولية للإنتاج السينمائي والتلفزيوني، تطويق هذا التنازع، فأذاعت أن "أوركيديا" هو فكرة وتأليف وسيناريو عدنان العودة، ويحقّ للمخرج حاتم علي إجراء تعديلاتٍ على النص "بحسب رؤيته الشخصية"، ما استدعى طلب المساعدة من الممثل إياد أبو الشامات، بسرعة، في موقع التصوير، وساهم بتنفيذ "رؤية" المخرج. والسؤال هنا: ما هي بالضبط دواعي هذا "التدخل السريع"؟.
ستنجلي خواتيم هذا "النزاع"، وسيوضح كل طرفٍ ذرائعه، ربما بعد أن تتضح نهايات النزاعات التي يقوم عليها المسلسل، المثقل بالتفاصيل، في آخر حلقاته في موسم رمضان الجاري. ولكن، ليس متوقعا أن يكشف أحدٌ عن الذي فرضه تلفزيون أبوظبي على العمل، من حذفٍ تواطأ بشأنه الكاتب والمخرج، لدواعٍ تسويقيةٍ غير خافيةٍ، يمكن أن تسوّغها الحسابات التجارية واشتراطاتها (أو إكراهاتها بلغة أصدقائنا المغاربة)، غير أنها شاهدٌ جديدٌ على اليد الثقيلة لسلطة أهل السوق على صنّاع الدراما.
تتصل تلك المسألة بما هو خارج "أوركيديا"، أما المسـألة التي تتصل بما فيه من وقائع في حلقاته الثلاثين فهي أن هذا المسلسل التلفزيوني ينتسب إلى نوعٍ خاص من الدراما التاريخية، ذلك الذي يصنع تاريخا تنسِج فيه القصة مسارها، أي إنه لا شيء منها في التاريخ، وإنْ تقيم فيه. وكان المخرج حاتم علي قد تألق في أعمال دراما سابقة، انصرفت إلى تاريخٍ معلوم، كتب بعضَها المؤلف والسيناريست الأهم، وليد سيف، والذي أفاد، مرّة، بأن لمخيلة كاتب الدراما أن تملأ مساحاتٍ فارغةً معتبرةً في المادة التاريخية المدوّنة، فيبتدع فيها مادةً سرديةً شائقةً من شخصياتٍ ووقائع ومواقف لا تجدها في المدوّنة التاريخية، ولكن شرطها أن تكون منسجمةً مع نسق الوقائع المعروفة، ومع منطق الأحداث، ومع الجو العام. ليس الأمر هنا كذلك أبدا، ليس كما أنجز الثنائي، وليد سيف وحاتم علي، في "ملوك الطوائف" و"عمر" و"ربيع قرطبة" و"صقر قريش" و"صلاح الدين الأيوبي" و"التغريبة الفلسطينية"، ذلك أن "أوركيديا" مصنوعٌ دراميا من تاريخٍ مصنوع، لا تعرف له زمانا معلوما، ولا أمكنةً معروفة. ليست تسمية "الفانتازيا" هنا جائزة، التسمية الأكثر دقةً هي الخيال في التاريخ. والسؤال هنا: هل أصاب حاتم علي وعدنان العودة توفيقا في مرادهما هذا؟
الجواب: نعم، على مستوى مسار قصة المسلسل، (أو قصصه)، من حيث "تخيّله" الممالك الثلاث فيه، آشوريا وأوركيديا وسامارا، وملوكها وجيوشها وحروبها، ونساءها وجواريها. (لم نعرف أي دينٍ أو عقيدة لهذه الممالك)، وكذا "تخيّله" النزاعات والمصاهرات والمؤامرات والدسائس غير القليلة فيه. ولكن، على صعيد إيقاعه العام والجاذبية فيه وجودة أداء الممثلين ولغة الحوار وحيوية المشاهد، فإن التوفيق لم يكن على المستوى الذي كان متوقعاً من مخرج كبير حقا، هو حاتم علي، مع التنويه، في كل الأحوال، بمقادير التشويق في المسلسل، وإنْ تأخّرت إلى ما بعد الحلقة التاسعة، وكذا التنويه بأداء ممثلين أبدعوا كثيرا (عابد فهد أبرزهم). وإذا كان في الوسع أن يقول واحدُنا إن "أوركيديا" عمل درامي ناجح في مطارح غير قليلة فيه، ففي الوسع أيضا القول إن المأمول منه كان أكبر وأوسع مما نشاهد، وسنبقى نشاهد حتى تنفكّ الصراعات الماثلة قدّامنا فيه. ولعلها تتبين، تاليا، المواطن التي أزعلت كاتب النص، وجعلته لا يرى "أوركيديا" مسلسله. وتبقى فينا، من باب الفضول، رغبةٌ بأن نعرف أيضا تلك المواطن في العمل التي أزعلت تلفزيون أبوظبي.. قبل تصويره.