أيّ دور منتظَر لمروان البرغوثي؟
لا تُعرف بالضبط أحوال القيادي في حركة فتح مروان البرغوثي داخل محبسه، لكن ما يتسرّب أنّه يتعرّض لاستهدافٍ يزداد خشونة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إلى درجةٍ دفعت عائلته والمدافعين عنه إلى التحذير من أخطارٍ تهدّد حياته. ولم يقتصر الأمر على هؤلاء، بل شمل الإدارة الأميركية وحكومَتَيْن في المنطقة، بحسب صحيفة واشنطن بوست، التي ذكرت أنّ هذه الحكومات أثارت موضوع الانتهاكات الجسدية التي يتعرّض لها البرغوثي مع إسرائيل. وبشهادة محاميه، فإنّ القيادي في "فتح"، الأسير منذ عام 2002، تعرّض للضرب المُبرّح قبل أسابيع قليلة، وشوهدت الكدمات فوق إحدى عينيه وعلى ظهره وقدميه.
هل هناك مخطّط إسرائيلي لاغتيال الرجل؟ لا شيء مُستبعَد، فهو مُرشّح لدورٍ قياديّ محتمل في مرحلة ما بعد حرب الإبادة في غزّة، باعتباره يحوز إجماعاً لدى مناصري حركة حماس وقطاعٍ وازنٍ داخل "فتح" يرى فيه امتداداً أصيلاً للحركة، ويدفع باتجاه تزعّمه لها إذا ما أمكن، لقطع الطريق على سيناريوهات خلافة محمود عبّاس، بما يحافظ على الإرث النضالي للحركة التي تماهت إلى حدّ كبير مع السلطة الفلسطينية، وبدا أنها تُحارِب ضدّ نفسها وتاريخها من خلال مواقف هذه السلطة ورئيسها وتصرّفاتهما. لم تصرّح "حماس" علناً بشأن دورٍ محتملٍ للبرغوثي، وهذا مفهوم، لكن التسريبات تُجمع على أنّها تُصرّ على إدراجه في صفقة التبادل، وترفض استثناءه ونفراً غير قليل من رفاقه الذين لا ينتمون إلى صفوفها، وهو ما يُحسب للحركة التي تُعلي من وطنيّة أدائها على حساب "فصائليّتها" في هذا الملفّ على الأقل، في مقابل غيابٍ شبه كاملٍ لأي موقفٍ واضحٍ ومعلنٍ من السلطة الفلسطينية بخصوص البرغوثي، ما يُضمر موقفاً مسكوتاً عنه إزاء الرجل، الذي يراه بعضهم مُنافساً لا مناضلاً.
يُظهِر استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسيّة والمسحيّة، نُشرت نتائجه قبل أيام، أنّ البرغوثي سيكتسح أي انتخابات رئاسية فلسطينية مقبلة إذا نافسه فيها الرئيس محمود عبّاس، ورئيس حركة حماس إسماعيل هنية، بنسبة تصويت للبرغوثي تصل إلى 40% و8% لعبّاس و23% لهنية، والنتيجة متقاربة ولمصلحته لو أجريت الانتخابات بينه وبين عبّاس منفردَيْن أو بينه وبين هنية، ما يعني أنّ شعبية القيادي الأسير عابرة للفصائل وللقادة الذين يمسكون بزمام الأمور في الشارع وعلى طاولات المفاوضات. لكن الأمور على الأرض قد تكون أكثر تعقيداً وأقلّ مثالية منها في استطلاعات الرأي، فموازين القوى ليست بهذه البراءة، والموجودون في الساحة السياسية لن يغادروها بمحض رغبتهم، وكذلك قوى في الإقليم وفي العالم ترى مصلحتها في الدفع بمرشّحيها إلى الواجهة، بقوة السلاح أو المساعدات، وسواها. يُضاف إلى هذا أنّ جزءاً حاسماً من جاذبية البرغوثي وشعبيته يعود إلى أنّه أسيرٌ، وإلى خطابه الثابت الداعي إلى المقاومة، لكن ما سبق هو الشجرة التي تُخفي الغابة، والأخيرة هي حال حركة فتح التي ينتمي إليها الرجل، ولا يستطيع القيادة من دونها، ولن يحوز التأثير في غيابها، فالحركة أصبحت سلطةً لا تختلف عن المنظومة السياسية العربية، إن لم تكن أسوأ، ورجالها الذين كانوا فدائيين قبل "أوسلو" أصبحوا بيروقراطيين وموظّفين كباراً ومستثمرين ورجال أعمال وضبّاط شرطة، في منظومةٍ ترتبط بإسرائيل، ما جعل الحالة الكفاحية التي كانوا يُمثّلونها تتراجع لمصلحة أوضاع تترسّخ وتتكرّس وتصبح معها المقاومة ضد إسرائيل ضدّ هؤلاء أيضاً، وضدّ مصالحهم الخاصة والعائلية، ما يجعل من حالة البرغوثي مصدر حرجٍ لهم، وربما خطراً تنبغي محاربته، صدوراً عن شعورٍ بالذنب تجاه الماضي الشخصي لكل فرد في هذه النخبة أو عن خشية من فقدان ما توحّش وتضخّم من مكتسبات. وفي الحالتين، من سيناصرون البرغوثي على الأرض وليس في استطلاعات الرأي سيكونون إما معارضي عبّاس داخل حركة فتح، وبعضُهم مرتبط بأطرافٍ معينة في الإقليم أو معارضي السلطة نفسها وكلها مثل حركة حماس. في هذه الحالـ، سيكون دور البرغوثي لدى هؤلاء وظيفيّاً، والظنّ أنّ الرجل نفسه يعرف هذه الإكراهات، وربما يعود حضوره القوي، رغم تغيّبه خلف قضبان الزنازين، إلى معرفته بحاجة هؤلاء إليه أكثر من حاجته لهم، وهذا بالمناسبة ما يساهم في إنتاج ظاهرة الزعامة ويزيدها صلابة.